آخر الأخبار
ticker رئيس مجلس النواب يؤكد دعم المجلس لتمكين الشباب ticker الدخول مجاني للجماهير في لقاء المنتخب الوطني لكرة السلة أمام سورية ticker 25 شهيدا و 77 جريحا حصيلة التصعيد الإسرائيلي على غزة ticker محافظ البلقاء يتفقد منشآت تمور في الشونة ticker انطلاق منافسات بطولة غرب آسيا للجودو في عمان ticker الجمعية العامة للأمم المتحدة تجدد ولاية "الاونروا" ticker روبوت راقص يستقبل "بوتين" لحظة وصوله مؤتمر الذكاء الاصطناعي بموسكو ticker اختتام الرحلة السنوية الثامنة لمسار درب الأردن في العقبة ticker بلان إنترناشونال الأردن تطلق استراتيجيتها القُطرية للأعوام 2025 – 2030 ticker الكرملين: مستعدون للمفاوضات للتوصل إلى تسوية بشأن أوكرانيا ticker الجيش: على كل أردني أتم الـ17 عاماً تفعيل وثيقة خدمة العلم ticker ماهو "حد الدقيق" في كلمة ولي العهد في الطفيلة ..؟؟ ticker اربعون شخصية بينهم اربعة "معالي" ونائب اسبق فقط حضروا لقاء الامير في الطفيلة ticker وزير الاتصال الحكومي سعيد بلقاء السفير الاميركي ticker طقس لطيف الحرارة نهاية الأسبوع يتبعه انخفاضان ticker ترامب: سنبدأ العمل على إنهاء الحرب في السودان ticker المفوضية السامية: أكثر من 470 ألف لاجئ وطالب لجوء في الأردن ticker ولي العهد: أنا معزّب عند أهلي في الطفيلة .. ولها معزّة خاصة ticker الأردن: زيارة نتنياهو إلى الأراضي السورية انتهاك لسيادة دولة عربية ticker وزير المالية يكشف أسباب تراكم المديونية منذ خمسينات القرن الماضي

حين يقول الملك لشعبه : "أنا أنتم" .. في ثمانية نقاط كيف نجح الجميع في الأردن

{title}
هوا الأردن -
هوا الأردن - خالد الجيوسي * 
 
لا نعلم تماماً، إن كان من المنطقيّ أن نَعقِد مُقارنةً بين مُظاهرات أو احتجاجات الأردن ضِد الحُكومة، قانون الضريبة، وغلاء الأسعار، وبين الاحتجاجات التي انطلقت ضد الأنظمة العربيّة التي سقطت أو فشل إسقاطها قبل ثمانية أعوام، وتحوّلت بعضها بفعل "المُؤامرة الكونيّة”، وأخطاء أنظمتها إلى "ملحمة دمويّة” خسرت فيها الشعوب والوطن خيرة رجاله، من مُوالين ومُعارضين.
 
 
لكن لا بُد من تلك المُقارنة، فهي واقعة بحُكم عبارات انطلقت من ذات احتجاجات الأردن، وعلى يافطات المُحتجّين "السلميين”، حيث كتب أحدهم قائلاً على يافطته العبارة الأشهر خلال سِتّة أيّام مُتوالية على "الدوار الرابع” مكان التجمهر الشعبي الأردني "الرمز” بالقُرب من مقر رئاسة الحكومة ورئيس الوزراء: "لا تقلي بدك نصير زي سورية، أنا بدي نصير زي سنغافورة”.
 
 
نُدرك تماماً أن الدولة الأردنيّة بحُكم تحالفاتها "المُعتدلة”، تعيش حالةً من الظُّروف السياسيّة، والاجتماعيّة، والخارجيّة، قد تُحصِّنها من اندلاع "ثورة” دمويّة، قبل عِدّة عوامل داخليّة لا بُد من ذكرها، ومع كل هذا الإدراك الذي نعيه، نود أن نضع بعض النٌّقاط التي قد يراها البعض لا منطقيّةً في عقد مثل تلك المُقارنات في حالتيّ احتجاجات ومُظاهرات الأردن "السلميّة”، وغيرها التي بدأت هي الأُخرى سلميّةً شعبيّة ضد فساد بعض أركان الدولة، وهناك من استغلها لإسقاط تلك الدولة، وفي استعراض تلك النقاط من وجهة نظرنا، قد نضع النُّقاط على الحُروف في فهم نجاح النظام الملكي الأردني "حتى الآن” في عدم تحويل الاحتجاجات إلى نسخة دمويّة، ونُوجِزها في النُّقاط التالية في ظِل مُتابعة واقعيّة وإعلاميّة:
 
 
أوّلاً: كان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني حريصاً على عدم استفزاز شعبه، وكان أقرب إلى خياراتهم، ومُطالباتهم، واعترف بتقصير حكومته، لا بل أشاد بهذا الشعب الحضاري المُتظاهر، وقدّر عتبه وملامته، وافتخر من خلالهم بأنّه أردني، فألغى فور بدء الاحتجاجات قرار رفع أسعار المحروقات والكهرباء القرار الأوّلي بعد إضراب النقابات الذي استفزّ الشارع من قبل حكومة هاني الملقي، واعتبروه كنوع من "الجكر السياسي”، ثم لم يُطل في إقالة ذات الحكومة التي أغضبت الأردنيين، واختار رئيساً للحكومة الدكتور عمر الرزاز الأقرب إلى قلب الشباب، وترك له مُهمِّة نزع فتيل أزمة قانون الضريبة المُعدَّل، واعداً الأردنيين بسحبه بعد نيله الثقة.
في الحالات العربيّة، حين اندلعت الاحتجاجات، لم تُظهر دول الربيع العربي وقيادتها، أي نوع من أنواع الاهتمام بالشارع الغاضب، ولم تُحاول احتواءه، بل سارعت إلى تبنّي نظرية المُؤامرة فوراً، وأطلقت الاتّهامات، وتحدّثت منذ اللحظة الأولى عن وجود مُتآمرين يرغبون في إسقاط الدولة، ثم وعلى مدار الأزمة، وُصِف الشعب بالمُتطفّلين، والخونة، والمُغرِضين، على عكس القيادة الأردنيّة التي حذّرت بدورها "من المجهول” الذي رأى فيه البعض تحذيراً غامِضاً، وربّما فيه رسائل خارجيّة أكثر منها داخليّة، لكن ولحُسن حظ المُحتجّين لم يخرج المليك الأردني على طريقة القذافي قائلاً لهم: من أنتم، بل أنا أنتم، في احتواءٍ ينم عن فهم عميق لخُطورة الموقف، وعدم احتماله التصعيد، واللعب على أوتار تنفسيه، لا تصعيده.
 
 
ثانياً: الدولة الأردنيّة تُؤمِن بشكلٍ أو بآخر بمفهوم حق التظاهر السِّلمي، وكان هذا واضِحاً وجليّاً في الاحتجاجات الرمضانيّة، حيث أثبت الأردنيّون مُتظاهرين أو من قوّات الدرك قُدرتهم على احتواء بعضهم وبشهادة عالميّة إعلاميّة وسياسيّة، وإن كان هُناك بعض الاحتكاكات التي وقعت هُنا وهُناك، ومُحاولات لإظهار الدرك الأردني في مظهر الضحيّة، ولم يُسجّل حتى جريح واحد على الأقل على مدار سبعة أيّام مُتوالية، فكيف بالقتلى الذين وقعوا خلال احتجاجات مصر وسورية الأولى، حيث تولّى ثُلّة من غير المُؤهّلين مُهمّة مُكافحة المُحتجين، على عكس الحالة الأردنيّة التي أوكل فيها حفظ الأمن والنظام والمُتظاهرين إلى قوّات الدرك، إضافة إلى أنّ أنظمة الربيع العربي لا تسمح بالتظاهر من الأساس، مهما كانت الأسباب السلميّة لذلك.
 
 
ثالثاً: قد يقول قائل أنّ الدولة الأردنيّة احتوت مُتظاهريها، لأنّ الهتافات لم تطل رأس النظام كما حدث في الدول المُجاورة لها، والذين طالبوا بإسقاط شخص الرئيس، والذي طالهم ما طال من سُباب وشتائم، نقول أنّ السبب في هذا يعود لعدم اقتناع القيادات المُجاورة بوجود مُطالبات شعبيّة مُحقّة، حتى الاقتناع بالتغيير، والرغبة في الإصلاح، جاءت مُتأخِّرة في خطابات الرئاسة المُتلفزة والمُباشرة في حالتيّ حسني مبارك وبن علي التونسي، وكان طابعها تخوينيّاً، بل وهُجوميّاً استفزازيّاً، أظهر فيما بعد مدى الحقد الشعبي على نظامه الحاكم، وحتى في حالات التطاول على رأس الدولة الأردني، لم يلجأ الأخير إلى القتل، بل استخدم أُسلوب الترغيب والترهيب، ومن يُتابع لغة مُدراء الأمن الأردنيين المُتواجدين بين المُتظاهرين يعي أو يفهم ما نقول.
 
 
رابعاً: حتى وإن كان هُناك من يقول أن تلك الاحتجاجات من صنيعة الدولة لإعادة تسليط الأضواء على مآسيها الاقتصاديّة، بالنظر إلى مقدار النعومة والاحتواء الذي أظهره النظام مع المُتظاهرين والصحفيين المحليين والدوليين للتغطية، من الجيّد استغلال الأزمات، وتحويلها إلى فُرص، وكل هذا أفضل من العقل الأمني وحلوله الدمويّة.
 
 
خامساً: إن ثبُت أمر المُؤامرة التي يتحدّث عنها البعض، وتُديرها دول خليجيّة ضد الأردن، نظراً لمواقفه من القدس، وصفقة القرن، ووصايته على المُقدّسات الإسلاميّة، والمسيحيّة، القيادة الحكيمة، وإدارة الأزمات في مثل هكذا ظُروف، هي من تخرج البلاد من عُنق زجاجة مُؤامرة مُحضّرة سلفاً، ولو سقط قتيل واحد بين المُتظاهرين، لأدرجوا اسم النظام الأردني، إلى جانب نظرائه العرب في قائمة الأنظمة الديكتاتوريّة، لكن الجميع في الأردن عاد إلى بيته سالماً مُعافاً في نهاية الاحتجاج، تاركاً "للدركي” مُهلةً لتناول السحور، بل تناول معه الفطور والسحور.
 
 
بلا شك أن الدولة الأردنيّة كانت واعية للمخاطر التي قد تنجم عن عنادها واستكبارها، ولا بُد أن المسرح العربي الذي شهد مسرحيّة الربيع العربي، كان لها درساً واقعيّاً، وتجربة سابقة، لكن ومع كل هذه النقاط الإيجابيّة التي يُمكن تسجيلها بحق الدولة الأردنيّة التي اجتازت المرحلة الأولى من الغضب الشعبي، ووصلت إلى إعلان وسائل إعلامها نهاية الاحتجاجات ليل أمس الخميس، فجر الجمعة، لا بُد أيضاً من المُرور سريعاً على نقاط تُسجّل لصالح المُحتجّين الذين لولا تحضّرهم، ووعيهم، لما وصلت حكومتهم إلى تلك النتائج الحضاريّة:
 
 
الأولى: حرص المُتظاهرون نساءً ورجالاً على إظهار مظاهر تحضرهم، فكانت الموسيقى، والهتاف السلمي هو وسيلتهم الوحيدة للتعبير عن مطالبهم، ومُعظمهم جامعيون ومُثقّفون، حتى وإن وصفهم البعض بطريقة جاهلة بالمطلوبين، والخارجين عن القانون، في تصريحات أشبه بتلك التي صدرت عن رجالات الأنظمة الفاسدة، ولكن لحُسن الحظ أن تلك التصريحات جاءت في الليلة الأخيرة للاحتجاجات، والتي بدأ الجميع فيها نوعاً ما يفقد أعصابه.
 
 
الثانية: نجزم تماماً، ومع انتهاء الاحتجاجات باحتفاليّة، أنّ تلك الاحتجاجات "عفويّة”، وليست من صنيعة الدولة داخليّاً، ولا مؤامرة خارجيّة، فقط هي احتجاج شبابي شعبي، خرج غاضباً فور شُعوره بعدم اكتراث الحكومة بمطالبه، وعاد إلى منزله بعد ثمانية أيّام، حين استمع النظام السياسي إلى مطالبه، وفي الدول المُتقدِّمة ربّما يصعب مُشاهدة مثل أولئك المُتظاهرين الأردنيين، الذين أثبتوا أنهم حريصين على بلادهم، ومصلحتها، وبالتالي مصالحهم، بل وحتى نظافة مكان تظاهرهم الذي حرصوا على تنظيفه قبل ذهابهم.
 
 
الثالثة: الشعب الأردني اليوم بات ضمن مُعادلة التغيير التي سيُحسب حساب غضبها، كلما فكّرت الحكومة باتّخاذ قرار لا يتناسب مع مصالحه، فهو شعب نائم بإرادته، ويصحو بإرادته، ويفرض ما يريد بالساحات، والهتاف السِّلمي ما يُريد.
 
 
خِتاماً، لا يسعنا إلا أن نُرسل التهاني والتبريكات لهذا الشعب الأردني العظيم، من كافّة أصوله ومنابته، على هذا العرس الاحتجاجي الرَّاقي الدِّيمقراطي، الذي يُثبت للعالم أجمع أنّنا كعرب ومسلمين، نستطيع كشُعوب أن نكون ديمقراطيين على طريقتنا، وبحسب مشيئتنا، لا فوضى خلاقة، ولا ديكتاتوريّة دمويّة، والسلام خير الخِتام.
 
*كاتب وصحافي فلسطيني
تابعوا هوا الأردن على