دراسة أردنية حول تأثير انتشار فايروس كورونا على الصحة النفسية
نفذ مركز نماء لاستطلاعات الرأي الشهر الماضي دراسة حول تأثير انتشار فايروس كورونا على الصحة النفسية. وتشير النتائج إلى وجور تأثير كبير للجائحة على الصحة النفسية للمستجيبين، فمن خلال التحليل الآتي، وبالتعاون مع الخبراء د. نصري جاسر و د. نسرين العتيبي والسيدة نادين الردايدة، وباستعمال مقياس ليكرت والمؤشرات "دائما"، "غالبا"، "بعض الأحيان"، "نادرا"، و"أبدا"، فإن الأعراض تبينت لدى المستجيبين الذين أشاروا إلى "دائما"، "غالبا"، "بعض الأحيان". أما بالنسبة لحدة الأعراض، فالأقسام التالية تفصل النسب المعينة من خلال المقياس.
الجنس
تبين من خلال الدراسة أن النساء كانوا يعبرون عن حالاتهم الذهنية بحرية ودقة أكثر من الرجال. فعلى سبيل المثال، أشارت (79%) من النساء إلى أن انتشار فايروس كورونا أثر على صحتهم النفسية، كما قالوا إنهم يعانون من أعراض القلق والتهيج والغضب (72.4%)، والحزن والاكتئاب (67.5%)، والخوف (62.5%). وبالحديث عن فك الحظر وإعادة فتح الأماكن العامة بعد إجراءات الإغلاق الصارمة، كان النساء أكثر تشجيعا لذلك.
هناك اختلافات بين الجنسين في معدلات الاضطرابات النفسية الشائعة كالاكتئاب والقلق والضعف الجسدي، والتي تؤثر على واحد من كل ثلاث اشخاص في المجمع كما أنها تشكل مشكلة كبيرة من مشاكل الصحة العامة.
وعلى الجانب الآخر أشار 70% من الرجال إلى أن انتشار فايروس كورونا قد أثر على صحتهم النفسية، وهي نسبة يعتبرها الخبراء عالية. ومع ذلك، فإنهم يميلون إلى إنكار نسبة أعلى من الأعراض وعدم الاستقرار النفسي، فعلى سبيل المثال أدلى 29.4% بأن المشاكل الأسرية لم تزداد، وأشار 37.4% إلى أنهم لم يعانوا من ضعف جسدي وأنكر 19.2% تعرضهم للعصبية.
ولربما يمكن اعزاء الفروقات بين الرجال والنساء إلى معايير مجتمعية واجتماعية محددة، تدفع الرجال إلى الامتناع عن كشف أية أفكار قد تدل على "الضعف". فالحاجة الماسة لديهم لإظهار شخصية قوية وحازمة يفرضها المجتمع عليهم تدفعهم إلى عدم الكشف عن عواطف معينة، مما قد يؤثر على نتائج الدراسة ويظهر وهمًا بوجود فجوة بين الجنسين في الصحة النفسية. ومع ذلك، فإن الأزمة الاقتصادية المرتبطة بفايروس كورونا خلقت "منطقة آمنة" إلى حد ما للرجال للتعبير عن قلقهم تجاه العبء المالي، وذلك بسبب دورهم الاجتماعي كمعيل للأسرة. لذلك، ليس من الغريب أن يخاف الرجال من العواقب الاجتماعية لانتشار الفايروس، الامر الذي تبين أيضا من خلال قلقهم نحو العودة إلى الحياة الطبيعية.
المجموعات المختلفة
تظهر النتائج أن الشباب كانوا أكثر تعبيرا عن الآثار النفسية، فتبين لدى الشباب ممن أعمارهم بين 18-24 نسبا عالية من الاعراض. فكانوا أكثر اعترافا بتعرضهم للأعراض مثل القلق والاكتئاب، مثل الضعف البدني (8٪ دائما، مقارنة ب 1.3٪ من الفئة العمرية 45-54)، وفقدان الشهية (%7.4 دائمًا، مقارنة ب 0% من الفئة العمرية 55-64)، والحزن (24%دائمًا، مقابل 5.7% من الفئة العمرية 45-54). ولم تكن النتائج مفاجئة وذلك لأن الشباب الأردني في المجمل هم أكثر ووعيًا نحو حملات التوعية العالمية فيما يتعلق بالصحة النفسية، وبالتالي من المرجح أن يكونوا أكثر راحة في التحدث عن هذه الأمور. وبالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تؤثر التداعيات المالية والاجتماعية الناجمة عن انتشار الفايروس على الشباب بشكل أكبر عند مقارنتهم بكبار السن الذين، بالمجمل، يكون لديهم رواتب تقاعد أو مدخرات أو دعم عائلي.
كما تتطابق البيانات مع التقارير التي تشير إلى أن الفايروس يؤثر على كبار السن بشكل أسوأ، وبالتالي أشارت النتائج إلى خوف كبير لدى الفئة العمرية 65 سنة أو أكبر وكانوا أيضا الأكثر ترددا نحو إعادة فتح الأماكن العامة، كما أشاروا إلى عدم ارتياحهم نحو المصافحة أو حضور المناسبات والتجمعات الاجتماعية.
الدين
بما أن الأماكن المعلقة مثل أماكن العبادة تشكل بيئة حاضنة لانتشار الفايروس، وعلى الرغم من خوف المستجيبين نحو التجمعات العائلية والاجتماعية، إلا أن مستوى التدين لدى المستجيبين أثر على مستوى موافقتهم مع قرارات إعادة فتح أماكن العبادة.
الأعراض
يمكن الحديث عن مشاكل الصحة النفسية في البداية على أنها شكاوى جسدية في إطار طبي. وتشمل الأعراض الجسدية بشكل عام على الضيق النفسي والتعب والأرق وفقدان الشهية والأحاسيس القلبية غير الطبيعية بالإضافة إلى مشكلات الجهاز الهضمي، وغير ذلك.
لقد عانى غالبية المستجيبين من أعراض الصحة النفسية أثناء الحجر الصحي، مثل الشعور بالعصبية دائمًا 68.3٪؛ سرعة نبضات القلب بنسبة 35.8%والتعرق (27.9%)؛ والصداع وآلام الرقبة والظهر (46.8%). ومع ذلك، كان النساء والشباب الأكثر تأثرًا بالأعراض الجسدية. فعلى سبيل المثال، أشار %5.1 من النساء مقارنة ب%1.9 من الرجال إلى معاناتهم من الصداع وآلام الرقبة والظهر، كما أشار %4.9 من الفئة العمرية 18-24 مقارنةً بـ%0 لدى كبار السن.
الانانية
تشير نتائج الدراسة أن مختلف الشرائح المجتمعية يرون أنفسهم على أنهم الأكثر تضررا من انتشار الفايروس. فعلى سبيل المثال، يرى النساء أن الأمهات كانوا الأكثر تضررا، بينما يرى ممن هم أعمارهم 18-34 أن الشباب هم الأكثر ضررا، كما يرى ممن هم أعمارهم 35-64 أن الآباء والأمهات هم الأكثر ضررا، وأدلى كبار السن أن الأجداد والجدات هم الأكثر ضررا.
وعليه، فإن هذه النتائج تشير إلى أن جميع الفئات العمرية تأثرت بالفايروس وفي الوقت ذاته، تشير إلى أن هذه المجموعات اعتبرت أن وضعها الشخصي هو الأكثر تضرراً.
التأقلم
كانت نسبة الأشخاص الذين يبحثون عن العلاج النفسي منخفضة جدا، والتي يمكن أن تعزى إلى وصمة العار المرتبطة بالمشاكل النفسية في الأردن. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يعزى ذلك إلى عدم القدرة على الوصول إلى الأماكن التي تقدم هذه الخدمات وذلك لغلو أسعارها، مما يزيد من تفاقم الحالات لدى الأشخاص غير القادرين على تحمل هذه التكاليف.
تبين من الدراسة أن نسبة كبيرة من المستجيبين، معظمهم من المجموعات الأصغر سناً (%13.4 دائمًا، %12.6 معظم الوقت) والإناث (%7.1 دائمًا، %12 معظم الوقت) أنهم على استعداد للتعامل مع الموقف من خلال العلاج المهني. إلى جانب ذلك، أشارت نسبة صغيرة نسبيًا من المجيبين (%28.2 إلى حد كبير، %22.4 إلى المدى المتوسط) إلى أنهم كانوا على علم بالأماكن التي يمكن أن يحصلوا فيها على الدعم النفسي والاجتماعي.
كما تشير البيانات إلى زيادة في العنف المنزلي والعزلة وتعاطي المخدرات. فأشار (%6.8 دائمًا، %14.4 معظم الوقت و %31.1 في بعض الأحيان) إلى أنهم شعروا بزيادة في المشاكل الأسرية، وأشار %17.8 إلى أنه زاد معدل استهلاكهم للدخان أثناء الحجر الصحي إلى حد كبير بالإضافة إلى %14.4 ممن أدلى بزيادة إلى حد ما.
إجراءات الحكومة
بالمجمل، تشير النتائج نحو نسبة تأييد جيدة نحو الإجراءات الحكومية (%23.6 إلى حد كبير و %45.1 إلى متوسط). كما أنهم يشعرون بدرجة جيدة من الراحة نحو إعادة الفتح بعد الإغلاق. فعلى سبيل المثال، أشار (%21.5 إلى حد كبير و %36.5 إلى المدى المتوسط) أنهم يشعرون بالراحة نحو التسوق. وكانوا واثقين بأنهم سيجتازون الوضع الحالي (%61.6 إلى حد كبير و %25.1 إلى متوسط). ومع ذلك، شعر %s63.7 من المستجيبين بالحاجة إلى حملة وطنية للتوعية بالصحة النفسية للتعامل مع جائحة فايروس كورونا.
وفي النهاية، نعتقد أن النموذج الأنسب من النماذج المطروحة في المشاريع المستقبلية هو "مراحل الصدمة النفسية الخمسة". فتعكس البيانات أن الأردن، خلال وقت تنفيذ الاستمارة، كان يسير من مرحلة الصدمة والحرمان إلى مرحلة الغضب / الاكتئاب. وعليه، فقد يساعد هذه النموذج وغيره من النماذج المشابهة الحكومات في المستقبل على توقع الشعور السكاني، وعندها ستكون قادرة على توجيه الإنفاق العام والسياسات بطريقة من شأنها أن تنسجم مع كل من الاحتياجات النفسية والاجتماعية والاقتصادية للبلاد. وقد يتضمن العمل المستقبلي مقارنة " مراحل الصدمة النفسية الخمسة " المقترح عالميًا والذي قد يساعد في صنع السياسات على المستويات المؤسسية الدولية.