لا كونفدرالية ولا فدرالية ولا ارتباط
هوا الأردن - أسوأ ما في التسريبات والمقالات المشبوهة حول إعادة طرح حكاية الكونفدرالية الأردنية ـ الفلسطينية، أنها تتجاهل، كليا، إرادة الدولة الأردنية والشعب الأردني وحقه في تقرير المصير؛ تسرّب أن رئيس السلطة، محمود عباس، التقى قيادات فتحاوية، وطلب إليها التحضير للبحث في ملف الكونفدرالية مع الأردن، ثم صرح مستشاره، نبيل أبو ردينة، بأن الطرح سابق لأوانه! صحيفة "القدس العربي" مثلا ـ وهي، في النهاية، مجرد منبر إعلامي ـ أعلنت أنها " توافق" على الكونفدرالية، وتتالت التقارير والتعقيبات والمناقشات، والشيء الوحيد الذي يجمعها هو نسيان أو تناسي إرادة الأردنيين، وكأنهم قطيع بشري لا علاقة لهم بصنع مصيرهم.
الأحاديث عن الكونفدرالية الآن هو خيانة صريحة للشعب الفلسطيني وحقه في الدولة والعودة. خيانة؛ أولا، لأن الضفة الغربية لا تزال محتلة، ويأكلها السرطان الاستيطاني والطرق الاستيطانية والجدار والمواقع العسكرية والأمنية، وثانيا، لأن الضفة الغربية التي " تحكمها" فتح، منفصلة، سياسيا، عن غزة التي تحكمها حماس. فالكونفدرالية المقترحة، إذاً، هي كونفدرالية بين الأردن وضفة غربية محتلة ومقطعة الأوصال ومنفصلة عن القطاع، والشريك الحتمي الثالث فيها هو الاحتلال الإسرائيلي. وهي تؤسس عمليا لانفصال غزة الدائم واعادة ارتباطها بمصر، والحكم، تاليا، على مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة بالموت.
تشجع الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل، الكونفدرالية بين الأردن والضفة، لتحويل أعباء إدارة "المناطق" والسكان إلى الأردن الذي سيتحوّل ـ بحكم الكونفدرالية ـ إلى وطن بديل ليس لفلسطينيي الضفة فقط، وإنما لفلسطينيي سورية ولبنان. وهذا مشروع قديم ـ جديد، خضع له الطرفان الفتحاوي والحمساوي، وإنما كلٌ يريده على مقاسه وتحت سيطرته، بينما ينسى الطرفان معا أن الأردنيين ليسوا في هذا الوارد، وأن اللحم الأردني مرٌ، وأننا دولة وطنية راسخة لها إرادة لا تنكسر، تمثل شعبا واعيا بذاته الوطنية و مستعدا للقتال، وتملك جيشا مؤسسيا حديثا هو محل إجماع وطني ثابت بغض النظر عن الخلافات والصراعات السياسية المحلية.
لا يغرنّكم أن الأردنيين يصطرعون اليوم، في تطور صحي، حول النهج الاقتصادي والاجتماعي والهيكلية الدستورية للنظام السياسي وألف شيء آخر؛ فنحن، حين يتعلق الأمر بالأردن وكيانه واستقلاله وهويته، سوف نقف صفا واحدا ونرتدي الكاكي، ونقاتل في خندق واحد.
طيّب .. مَن كانت له أذنان للسمع فليسمع: لقد قفزت الوطنية الأردنية، في السنوات الأخيرة، قفزة نوعية من الحضور في ذاتها.. إلى الحضور لذاتها، وأصبحت القوة الرئيسية في المشهد السياسي الداخلي. ومشروعها هو إعادة تجديد الدولة الوطنية الأردنية من خلال دسترة وقوننة فك الارتباط مع الضفة الغربية، وتوحيد معايير المواطنة في معيار زمني واحد هو التمتع بالمواطنة قبل 31 تموز 1988، والادماج الطوعي لجميع الأردنيين، وفق ذلك المعيار، في دولة مدنية حديثة، تقوم على الاقتصاد العادل والديمقراطية الاجتماعية وتنمية المحافظات ودمجها في العملية الاقتصادية والتحديث، وتجديد السياسة الخارجية على أساس الاستقلالية والتوازن، وتطوير السياسة والقدرات الدفاعية بما يحصّن البلاد في مواجهة العدو الإسرائيلي والتدخلات الخارجية. وبالنسبة للأردنيين، فإنهم متمسكون بدعم حقوق الشعب الفلسطيني في الدولة والعودة، ولا شيء سوى ذلك، لا اليوم ولا غدا ولا في المستقبل: لا كونفدرالية ولا فدرالية ولا أي صيغة من صيغ ارتباط تحمّلنا ـ وما زلنا ـ أعباءه الثقيلة، وقد فككناه ولا نريد استعادته، ولن نسمح لقوة في الكون أن تفرضه علينا؛ خيّطوا بغير هذه المسلّة، ووفروا جهودكم لإنجاز المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية، وإنشاء الفدرالية بين الضفة وغزة، والشروع في نضال جدي لاستعادة الأرض والحقوق. ليس لكم لدينا سوى الدعم لهذا النضال، لا غير. انتهى. نقطة على السطر .
بقلم: ناهض حتر
يمكنكم التعليق عبر صفحتنا على الفيس بوك