مؤتمر "الاستجابة".. رسالة أردنية للعالم: أنقذوا غزة
هوا الأردن -
تأتي استضافة الأردن للمؤتمر الدولي للاستجابة الإنسانية الطارئة في غزة اليوم الثلاثاء، بمثابة شمعة ساطعة ترفعها المملكة لدعوة العالم إلى التعجيل لإنقاذ القطاع وأهله الذين يعانون واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية التي شهدتها البشرية منذ عقود طويلة.
ويعقد المؤتمر، بدعوة من جلالة الملك عبدالله الثاني، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وبمشاركة على مستوى قادة دول ورؤساء حكومات ومنظمات إنسانية وإغاثية دولية.
ويحاول المؤتمر الذي يعقد في البحر الميت، أن يقدّم منظوراً إستراتيجيّا في تقديم وإيصال المساعدات الإنسانيّة إلى القطاع، وبناء تصورات للأولويات والتحديات التي تقف أمام وصول المساعدات الإنسانيّة بشكل مستمر ومنظّم، في وقت أصبح فيه وصول الغذاء، والماء، والمسكن، والأدوية شبه معدوم، كما يهدف إلى بناء خطة شاملة لإعادة إعمار قطاع غزة.
وبحسب بيان صدر قبل أيام عن الديوان الملكي الهاشمي، فإن المؤتمر يهدف إلى "تحديد الآليات والخطوات الفاعلة للاستجابة، والاحتياجات العملياتية واللوجستية اللازمة في هذا الإطار، والالتزام بتنسيق استجابة موحدة للوضع الإنساني في غزة"، حيث تسببت الحرب الدائرة في القطاع بكارثة إنسانية لأكثر من 2.3 مليون فلسطيني في مختلف مناطق القطاع الذي تتفشى فيه اليوم المجاعة والمعاناة النفسية والدمار الهائل.
ويـأتي المؤتمر امتدادا للدور الإنساني والإغاثي للأردن تجاه الأشقاء في فلسطين، حيث كان من أوائل الدول التي بادرت إلى تنفيذ عدد من الإنزالات الجوية على أهل القطاع من خلال القوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي، ووصل مجموع الإنزالات منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وحتى 5 حزيران (يونيو) الحالي ما مجموعه 358 إنزالا، منها 257 مع دول شقيقة وصديقة، و101 إنزال من خلال القوات المسلحة الأردنية، فيما بلغ مجموع المساعدات المرسلة جوا عبر مطار العريش 53 طائرة، منها 13 طائرة من خلال الهيئة الخيرية الهاشمية، و40 طائرة بالشراكة مع منظمات إغاثية.
كما وصل عدد القوافل المرسلة براً في الفترة ذاتها إلى حوالي 743 شاحنة، من خلال الهيئة الخيرية الهاشمية، بالتعاون مع القوات المسلحة، و1122 شاحنة من خلال الهيئة بالتعاون مع المنظمات الدولية.
وهذه المساعدات، وبحسب أرقام رسميّة، وصلت إلى نحو 717 ألف مستفيد داخل القطاع، حيث تمّ توزيع أكثر من 31 ألف طن كمساعدات متنوعة من غذائية وإغاثية ومواد صحية ومستلزمات طبية وأدوية.
وتؤكد المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في الأردن شيري ريتسيما أندرسون، أنّ المؤتمر "سيوفر فرصة حيوية لقادة العالم والأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الأخرى للالتقاء في عمان لدق ناقوس الخطر بشأن الكارثة الإنسانية المتفاقمة في غزة، وإيجاد سبل لحل المشكلة، وتعزيز استجابة المجتمع الدولي".
وبحسب أندرسون، فإنّ "الأمم المتحدة تبذل كل ما في وسعها لتلبية الاحتياجات الماسة للناس في غزة وسط قيود هائلة على الوصول".
وأكدت في تصريحات لـ"الغد"، أنه ينتظر أنّ "يسلط هذا المؤتمر الضوء على الحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية ووصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق، من أجل وقف إراقة الدماء وتخفيف معاناة الناس في غزة التي لا يمكن تصورها".
أمّا منظمة التعاون الإسلامي، والتي ثمّنت دور المملكة الريادي في دعم القضية الفلسطينية، والمشاركة في الدعوة والاستضافة لمؤتمر الاستجابة في هذا التوقيت المهم، فأكدت لـ"الغد" على لسان أمينها العام حسين إبراهيم طه أنّ هذا المؤتمر "يوفر فرصة لتسليط الضوء على تداعيات العدوان الإسرائيلي الغاشم على مدار ثمانية شهور على قطاع غزة وما نتج عنه من ارتقاء أكثر من 36 ألف شهيد و80 ألف جريح، وتهجير أكثر من مليون فلسطيني عن بيوتهم، فضلا عن هدم مئات آلاف المنازل، والمرافق العامة والخاصة، والبنية التحتية".
وسيسهم المؤتمر، وفق طه، في إبراز الحاجة الملحة للمساعدة الإنسانية والدعم الدولي للتخفيف من الأزمة الإنسانية بشكلها غير المسبوق في قطاع غزة، ويوفر منصة لتحقيق تضامن وتعاون ودعم أوسع من الدول والمنظمات الدولية والمانحين وتعزيز استجابتهم والتزامهم بتقديم المزيد من الدعم اللازم للإغاثة الإنسانية العاجلة، وإعادة إعمار قطاع غزة، في ظل التحديات المتفاقمة على أكثر من صعيد.
وأكد أن مواجهة العدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة يتطلب تضافر جهود المجتمع الدولي بشكل واضح وفعال، من أجل ضمان الوقف الفوري والشامل والدائم لهذا العدوان، ووضع حد للانتهاكات الإسرائيلية على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها مدينة القدس الشريف، وضرورة انسحاب قوات الاحتلال بشكل كامل ودون شروط من قطاع غزة.
وأضاف: "كما يتعين على المجتمع الدولي الضغط على حكومة الاحتلال لوقف عرقلة وصول المساعدات الدولية إلى قطاع غزة، وأن تلتزم بواجباتها بهذا الخصوص وفقا للقرارات الدولية، وأن تسمح بوصول الدعم المالي والإنساني والطبي وجميع الاحتياجات اللازمة بما في ذلك المأوى، بشكل كافٍ ومستدام إلى جميع أنحاء القطاع، وأن تفتح جميع المعابر وترفع الحصار غير القانوني عن القطاع".
ودعا المجتمع الدولي إلى التعاون والمساهمة في خطة شاملة لإعادة إعمار القطاع، بما يشمل البنية التحتية المدمرة، ودعم جهود التعافي الاقتصادي، وتعزيز الاقتصاد الفلسطيني، مع التأكيد على ضرورة التحقيق في جميع انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها الاحتلال في غزة، وضمان مساءلة ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات المتواصلة.
وأكد المسؤولية المشتركة للمجتمع الدولي تجاه الانخراط في رعاية مسار سياسي لا رجعة فيه لإنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير، وصولا إلى تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، وفقا لرؤية حل الدولتين وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومبادرة السلام العربية.
وفي تقرير صدر في أيار (مايو) بعنوان "حرب غزة: الآثار الاجتماعية والاقتصادية المتوقعة على دولة فلسطين"، عن برنامج الأمم المتحدة والإسكوا، تمّت الإشارة إلى أن هناك "تراجعاً في التنمية البشرية بمقدار أكثر من عقدين من الزمن، بما يقل عن أول قيمة لدليل التنمية البشرية سجلت في عام 2004"، حيث إن معدلات الفقر في فلسطين آخذة مستمرة بالتصاعد، لتصل إلى 58.4 %، ما يدفع بحوالي 1.74 مليون شخص إضافي إلى براثن الفقر منذ بداية الحرب، في حين يواصل الناتج المحلي الإجمالي انخفاضا هائلاً بنسبة 26.9 %، والذي يمثل خسارة قدرها 7.1 مليار دولار من القيمة المقدرة في حال لم تنشب حرب.
وتوقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن ينكمش الاقتصاد الفلسطيني بنسبة 26.9 % بعد 7 أشهر من الحرب في قطاع غزة، مع ارتفاع معدلات الفقر إلى 58.4 %.
وبحسب البرنامج فإنّه "في كل يوم إضافي تستمر فيه هذه الحرب يفرض تكاليف باهظة ومتفاقمة على سكان غزة وجميع الفلسطينيين"، مع الإشارة إلى أن "هذه الأرقام تحذر من أن المعاناة في غزة لن تنتهي عندما تنتهي الحرب"، محذّرا من "أزمة تنموية خطيرة" ناجمة عن الخسائر الفادحة خلال فترة قصيرة من الزمن".
وأورد تقرير للبنك الدولي نشر في أوائل نيسان (أبريل) الماضي أن الحرب بين إسرائيل وحماس تسببت بأضرار تقدر بنحو 18.5 مليار دولار في البنية التحتية في غزة، وهذا يعادل 97 % من الناتج المحلي للضفة الغربية وغزة معا عام 2022.
كما كانت منظمة العمل الدولية، أشارت الأسبوع الماضي إلى أن معدل البطالة في قطاع غزة وصل إلى نحو 80 % منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في تشرين الأول (أكتوبر)، ما يرفع متوسط البطالة في أنحاء الأراضي الفلسطينية إلى أكثر من 50 %.
وفي دراسة سابقة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا نفذت مطلع الحرب، تمّ تقدير التكلفة الاقتصادية للحرب في غزة، على الدول العربية المجاورة متمثلة في الأردن ومصر ولبنان، بما لا يقل عن 10 مليارات دولار هذا العام، لتدفع أكثر من 230 ألف شخص إلى براثن الفقر في هذه الدول.