"المسؤولية الطبية".. تحديات أمام القانون تعيق التطبيق
هوا الأردن -
في كل مرة يفقد فيها مريض حياته داخل مستشفى أو أثناء إجراء عملية جراحية ما، تعود قضية قانون المسؤولية الطبية إلى الواجهة من جديد، في ظل دعوات بضرورة تفعيل مواده على الجميع حماية للطبيب وللمريض في آن.
ومنذ أعوام، يثور جدل حول كيفية تنفيذ قانون المسؤولية الطبية، حيث تواجه الجهات المعنية تحديات في تطبيقه بشكل فعال، ما يستدعي تطوير سياسات لتعزيز فعالية القانون.
وعلى الرغم من ذلك، إلا أن هذا القانون يمثل خطوة مهمة نحو تحسين جودة الرعاية الصحية في الأردن، في حين دعا خبراء إلى أهمية الالتزام بأخلاقيات المهنة لتبقى المملكة في المراتب الأولى طبيا.
ومن هنا، قال عضو مجلس نقابة الأطباء رئيس اللجنة الإعلامية في النقابة الدكتور حازم القرالة، إن من المهم التفريق بين الخطأ الطبي والمضاعفة الطبية.
وأكد القرالة أن الأخطاء الطبية تبدأ عندما يقوم الطبيب بعمل غير صحيح أو يتخذ قراراً غير مناسب، ما يؤدي إلى نتائج سلبية على المريض.
وأضاف القرالة: "بينما المضاعفات الطبية قد تحدث نتيجة العلاج نفسه أو كأحد التفاعلات الجانبية للعلاج دون أن يكون هناك خطأ من الطبيب".
ولفت إلى أن الأخطاء الطبية تتطلب تدخلات علاجية جديدة لتصحيح الخطأ، أما المضاعفات الطبية، فتكون عادة جزءا من المخاطر المحتملة التي يتم إبلاغ المريض بها مسبقاً كجزء من عملية العلاج.
وشدد على أن المعيار الأساسي في البتّ بوجود خطأ طبي هو مدى التزام مقدم الخدمة الصحية ببذل العناية اللازمة، مع الأخذ بعين الاعتبار جميع الظروف المحيطة من مكان العلاج وقدراته وطبيعة الحالة المرضية وغيرها لتقريب الواقع بشكل أكثر.
وبين أن الظروف التي يعمل فيها الطبيب في مستشفى طرفي محدود الإمكانيات لا يمكن أن تتساوى مع الظروف في مستشفى مركزي ذي إمكانيات عالية.
وقال إن هذا ما أوجزته المادة 4 من قانون المسؤولية الطبية الأردني رقم 25 لسنة 2018.
وأشار إلى أن المسؤولية الطبية والصحية تُحدّد بناء على مدى التزام مقدم الخدمة ومكان تقديمها بالقواعد المهنية ذات العلاقة، ويدخل في تحديدها مكان تقديم الخدمة والمعايير الخاصة بها، والعوامل والظروف التي تسبق أو تتزامن أو تتبع عمل مقدم الخدمة والإجراءات الطبية أو الصحية المقدمة لمتلقي الخدمة.
ولفت القرالة إلى أنه من الناحية القانونية، فإن التمييز بين الأخطاء والمضاعفات يساعد في تحديد المسؤولية القانونية والطبية للطبيب والمنشأة الصحية.
وقال إن "الأخطاء الطبية تستدعي تحقيقات وربما تعويضات، بينما المضاعفات تتطلب فقط معالجة الأعراض وتقديم الرعاية المستمرة".
وبين أن طبيعة التزام الطبيب تختلف حسب نوع الحالة المرضية، فهناك حالات ينحصر التزام الطبيب فيها ببذل العناية اللازمة دون التزامه بتحقيق نتيجة، والتي تعتمد على ظروف أخرى غير الطبيب تعود إلى ظروف المكان، ومنها ما هو متعلق بالمريض نفسه.
وأكد أن هناك حالات أخرى يكون التزام الطبيب فيها بتحقيق نتيجة، ويمكن مساءلته بناء على ذلك ومنها بعض عمليات التجميل.
وتابع: "على أي حال، فنحن في الأردن رغم وجود عدة ظروف تسهم في خلق بيئة أكثر خصوبة من كثير من الدول المتقدمة لوجود أخطاء طبية، إلا أن نسب الأخطاء الطبية في المملكة من بين الدول الأقل على مستوى العالم، ولا توجد إحصائية دقيقة لعدد هذه الأخطاء".
وقال إنها لا تكون في مكان واحد لأن المريض باستطاعته الشكوى في حال حدوث خطأ طبي في أكثر من مكان، مبينا أن نقابة الأطباء هي إحدى هذه الجهات بالإضافة لوزارة الصحة والجهات القضائية.
وأوضح أنه فيما يتعلق بما ورد لنقابة الأطباء، فإن العام 2023 شهد توريد 67 شكوى للنقابة تم البت بها جميعا.
وشدد القرالة على أن الرعاية الصحية غير المأمونة تشكل تحديا عالميا وسببا رئيسا للكثير من الوفيات حول العالم، وتتعدد أسبابها وليست جميعها تتعلق بالكوادر الطبية.
وقال: "غالبا ما يكون سبب الأخطاء ليس وجود شخص سيئ يمارس المهنة، وإنما شخص جيد في نظام سيئ بحاجة لأن يكون أكثر أمانا".
وشدد على نقص التدريب للكوادر الطبية وظروف العمل السيئة من ساعات عمل طويلة ومحدودية الإمكانات، وانخفاض الدخل للكوادر هي كلها عوامل مرتبطة بشكل مباشر بضعف الإنفاق على القطاعات الصحية، وتشكل تحديا كبيرا في ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة على العالم.
وتابع القرالة: "لكن من ناحية أخرى، فإن الاستثمار في العامل البشري خطوة مهمة جدا في تحسين البيئة الصحية وجعلها أكثر أمانا، وبالتالي تقليل فرص حدوث الأخطاء الطبية التي تكلف مبالغ طائلة سنويا حول العالم، وأيضا تشكل الكوادر المدربة والمؤهلة استثمارا للدولة تصدره إلى مختلف دول العالم، ما يعود بالنفع على الفرد وعلى اقتصادها".
وقال إنه "في الأردن وبالرغم من وجود أعداد هائلة من الأطباء الذين يعانون من البطالة، إلا أن المفارقة أننا نشهد انخفاضا حادا للكوادر الطبية في مستشفياتنا، وهذا يعود بشكل رئيس إلى ضعف الإنفاق الحكومي على القطاع الصحي، والذي نحن بحاجة اليوم إلى التفكير مليا بتغيير سياسته والاستثمار فيه بشكل أكبر، وأن يكون استثمارا في الأفراد لا في المنشآت وحدها".
من جانبه، اعتبر استشاري أول الطب الشرعي ورئيس لجنة الأخلاقيات الطبية في نقابة الأطباء الدكتور مؤمن الحديدي أن قانون المسؤولية الطبية بحاجة إلى نظام وتعليمات للمادة (9)، توضح دليل الإجراءات في التحقيق.
وأكد الحديدي أن المادة (6) في القانون تحتاج إلى تفعيل، لأنها أساس الأحكام بين الخطأ والصواب، عبر وضع المقاييس والعمل والعلاج الطبي، مبينا أنه "في غياب المقاييس، يكون كل شيء غير واضح".
ولفت إلى أن المتابعة والمساءلة وضبط الجودة، تحتاج جميعا إلى إنشاء مجلس طبي قضائي، يضم خبراء للتوجيه والتطوير والمتابعه في إدارة القضايا.
وبيّن أنه لغاية اليوم، لا يوجد سجل وطني بأسماء مقدمي الخدمة من أطباء وأطباء أسنان وصيادلة وممرضين وقابلات قانونيات، وتصنيفهم الفني، مبينا عدم وجود سجل وطني بعدد الأخطاء والشكاوى، خصوصا أن كلا الأمرين وردا في القانون دون تنفيذ.
وأكد ضرورة متابعة التشريعات والتدريب، خصوصا وأنه في الأعوام الأخيرة، نشأ التطبيب عن بعد، وتجميد البويضات، ونشأ أيضا الملف الطبي والمعلومات الخاصة بالمريض والوصف الوظيفي المتعلق بالأطباء والاكتظاظ في المستشفيات.
ولفت إلى أن عددا كبير من الأطباء ينقصهم التدريب والأخلاقيات الطبية، والتي هي جزء لا يتجزأ من الممارسة الطبية المهمة، خصوصا في قضايا ذات علاقة بالإجهاض وعدم وجود أدلة قياسية للعمل.
ووفق قانون المسؤولية الطبية، تعتبر النقابات الطبية والصحية، هي الجهات التي تنظم شؤون مقدمي الخدمة الصحية من أطباء وممرضين وغيرهم، كما أنها تنظم العلاقة بين مقدمي الخدمة ومتلقيها.
وتسمح الأنظمة الداخلية لنقابات عدة بتلقي شكاوى ضد أعضائها نتيجة ارتكابهم مخالفة أو وجود خطأ ما، وهو ما تشير إليه المادة (48) من قانون نقابة الأطباء رقم 13 لسنة 1972، التي تفيد بأن مجلس النقابة من خلال لجنة الشكاوى، ينظر في قضايا المخالفات، في حال تلقي شكوى خطية من طبيب أو مواطن، مقابل رسم يحدده النظام الداخلي للنقابة.
وتعتبر النيابة العامة، صاحبة الاختصاص الأصيل بتلقي شكاوى من متضررين، وفقا لقانوني أصول المحاكمات الجزائية رقم 9 لسنة 1961 والعقوبات.
وأقر قانون المسؤولية الطبية والصحية، تشكيل اللجنة الفنية العليا بموجب المادة 9/أ، بينما أفادت المادة 9/ج، على أن اختصاصات اللجنة الفنية العليا، تتمثل في النظر بشكاوى مقدمة من متلقي الخدمة، أو ورثته، أو وليه أو وصيه، إلى الوزير أو النقابة المعنية بحق مقدم الخدمة، ورفع القرار بشأنها إلى الوزير أو النقابة المعنية، وتقديم الخبرة الفنية في الدعوى أو الشكوى، بناء على طلب الجهة القضائية المختصة. الغد