تداعيات "ديب سيك".. المنافسة تشتعل بسرعة جنونية

هوا الأردن -
لم يمض أكثر من شهر على إطلاق تطبيق "ديب سيك" للذكاء الاصطناعي، لكن تداعيات إطلاق البرنامج الصيني كانت مذهلة ومتسارعة في جانبين، الأول إعلان تحديثات وبرامج ذكاء اصطناعي جديدة، والثاني الإعلان عن شراكات واستثمارات ضخمة تقدر بمئات المليارات تقودها شركات تقنية كبرى وحكومات حول العالم تسعى لتصدر المشهد في هذ المجال.
وقال خبراء محليون إن العالم الرقمي شهد خلال الأسابيع الأربعة الماضية تحولات كبيرة عندما اشتعلت المنافسة بشكل جنوني بين الشركات التكنولوجية، وتسابقت حكومات إلى إعادة تقييم إستراتيجياتها الاستثمارية والتنظيمية بإعلان مشاريع كبرى وضخ مئات المليارات في الذكاء الاصطناعي والصناعات المرتبطة به.
وتوقع الخبراء استمرار الاستثمارات الضخمة في هذا المجال، لا سيما في الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين، التي تعد الذكاء الاصطناعي من العوامل الرئيسة لتعزيز الاقتصاد والأمن القومي. مع الحاجة المستمرة لهذه التقنية التي تظل أساسية للنمو الاقتصادي والتطور التكنولوجي، ما يجعل الاستثمار في هذا القطاع أمرًا ضروريًا لضمان التفوق التنافسي على المستوى العالمي.
تأثير بسوق الذكاء الاصطناعي
وقال الخبير في مجال التقنية المهندس هاني البطش إن إطلاق نموذج الذكاء الاصطناعي "ديب سيك" أحدث تأثيرًا كبيرًا في سوق الذكاء الاصطناعي، وخصوصا أنه يتميز بأداء متقدم وتكلفة تطوير منخفضة، مما جعله منافسًا قويًا لنماذج الذكاء الاصطناعي الرائدة مثل "تشات جي بي تي"، لدرجة أن هذا النموذج الصيني المتقدم، أثار قلقًا واسعًا بين المستثمرين والشركات التكنولوجية الكبرى، خاصة في الولايات المتحدة.
ويرى البطش إن اطلاق " ديب سيك" يعزز الابتكار والمنافسة، وهو ما رأيناه بتأثيرات بدأت ملامحها في الظهور خلال الأسابيع القليلة الماضية، عندما اندفعت الأخرى إلى تحسين نماذجها الحالية أو تطوير نماذج جديدة لمواكبة التطورات.
وأضاف البطش بأن وجود هذ التطبيق يسهم في تسريع الابتكار من خلال ظهور تطبيقات جديدة أو تحسينات في مجالات مثل معالجة اللغة الطبيعية والرؤية الحاسوبية والتحليلات التنبؤية، وقد يؤدي إلى توسيع السوق العالمية للذكاء الاصطناعي، خاصة إذا كان النموذج متاحًا للاستخدام على نطاق واسع.
تعزيز مكانة الصين
وقال البطش بان هذه المنافسة تعزز من مكانة الصين كمركز للابتكار التكنولوجي، وإذا كان النموذج قويًا وفعالًا، فقد يزيد من حصة الصين في السوق العالمية للذكاء الاصطناعي.
وكان الرئيس الأميركي "دونالد ترامب"، في تعليقه على إطلاق "ديب سيك"، قال: "بمثابة "جرس إنذار" للشركات الأميركية". وزاد، يجب التركيز على التنافس في سبيل الفوز".
وكانت بكين ضاعفت جهودها مؤخرا، في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث أعلن الرئيس الصيني "شي جين بينغ" أن الذكاء الاصطناعي يمثل أولوية قصوى، بعد أن كانت البلاد تعتمد على الصناعة التقليدية للملابس والأثاث وغير ذلك، من الأدوات التي اشتهرت بها الصين.
استمرار المنافسة
وعن توقعاته للمرحلة المقبلة، يرى البطش أن حالة المنافسة سوف تستمر، لا بل سوف تزداد بشكل ملحوظ، مؤكدا أن الشركات التكنولوجية الكبرى ستسعى جاهدة لتحسين نماذجها الحالية وتطوير تقنيات جديدة لمواكبة التطورات السريعة التي أحدثها ديب سيك.
وقال: "من المتوقع أن نشهد زيادة في الاستثمارات في مجال البحث والتطوير، حيث ستسعى الشركات إلى تقديم نماذج أكثر كفاءة وفعالية".
وأشار البطش إلى أن هذه الحالة ستؤدي إلى تسريع الابتكار وظهور تطبيقات جديدة في مجالات متعددة مثل معالجة اللغة الطبيعية والرؤية الحاسوبية والتحليلات التنبؤية، وقد يؤدي هذا التنافس الشديد إلى تحسين كفاءة العمليات في الشركات وزيادة تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في قطاعات جديدة مثل التعليم والصحة والخدمات الحكومية.
وقال بأن كل التوقعات تشير إلى أن سوق الذكاء الاصطناعي سوف تستقطب المزيد من الاستثمارات، سواء من الشركات الناشئة أو من المستثمرين الكبار، ما سيسهم في توسيع السوق العالمية للذكاء الاصطناعي.
بعيد إطلاق تطبيق " ديب سيك" الصيني تسابقت مجموعة من الشركات الصينية أو الأمريكية في تحديث تطبيقاتها أو إطلاق نماذج أكثر فاعلية، فبعد إطلاق ديب سيك مباشرة أعلنت شركة "علي بابا" الصينية عملاق التجارة الإلكترونية عن طرح إصدار جديد من نموذجها للذكاء الاصطناعي " كوين 2.5 ماكس" والذي قالت إنه يتفوق على كل من ديب سيك وتشات جي بي تي، مع إعلان شركة "علي بابا" عن خطة استثمارية بقيمة 53 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة لتطوير البنية التحتية السحابية، والذكاء الاصطناعي، وهو أكبر مشروع حوسبي تموله شركة خاصة في الصين، كما أعلن "تشات جي بي تي" عن تحديثات في تطبيقه الأكثر شهرة حول العالم.
وكدليل على احتدام المنافسة في السوق أعلنت شركة "إكس إيه آي" للذكاء الاصطناعي التي يملكها ايلون ماسك قبل أيام نموذج " غروك 3" محدث، لتقدم إصداراً من تكنولوجيا روبوتات المحادثة والتي وصفها ماسك بأنها "أذكى أداة ذكاء اصطناعي على وجه الأرض"، وبأنها على مستوى معايير الرياضيات والعلوم والبرمجة، وتتفوق على النماذج الأخرى.
الذكاء الاصطناعي.. ثورة مفتوحة
الخبير في مجال الذكاء ومؤسس صندوق " فكر فينتشرز" محمد الخواجا يرى بأن الأسابيع القليلة الماضية شهدت تطورات متسارعة ولافتة في صناعة الذكاء الاصطناعي العالمية وخصوصا بعد إطلاق تطبيق" ديب سيك" الذي حفز هذه الصناعة ودفع شركات كبرى الى مجموعة من الإعلانات عن برامج جديدة أو تحديثات.
وقال الخواجا، إن التطورات التي تحدث منذ أسابيع تمضي بسرعة جنونية، مع ظهور نماذج جديدة للذكاء الاصطناعي، و انهيار في الأسعار عندما صدم السوق بنموذج ديب سيك المفتوح المصدر والذي بلغت كلفة تدريبه 5 ملايين دولار فقط.
ولفت إلى أن التغييرات التي بدأت تفرض واقعها على السوق تشمل انخفاضا في كلفة تدريب هذه البرامج بنسبة تصل الى 75 % سنويًا، والتشغيل أصبح أرخص بـ90 %.
وأكد أن هذه التغييرات تتيح الذكاء الاصطناعي وبرامجه للجميع ما سيدفع لتحول رقمي كبير في قطاعات مثل السيارات ذاتية القيادة والرعاية الصحية وتقنيات التعليم والتقنيات المالية وغيرها من القطاعات اليحوية.
ولخص الخواجا قائلا: "باختصار بدأنا نشهد ونلمس ثورة مفتوحة في الذكاء الاصطناعي".
وقال الخبير في مجال التقنية والاتصالات وصفي الصفدي، إن اطلاق تطبيق " ديب سيك" يشكل علامة فارقة في مشهد الذكاء الاصطناعي، كونه بدأ يؤثر على ديناميكيات السوق، ويزيد من حدة المنافسة بين كبار وعمالقة التكنولوجيا في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يدفع الحكومات إلى إعادة النظر في إستراتيجياتها المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.
وقال الصفدي إن الذكاء الاصطناعي يواصل إعادة تشكيل الصناعات من خلال تعزيز الأتمتة، وتحسين عمليات اتخاذ القرار، وخلق فرص تجارية جديدة، لافتا إلى أن تطورات ديب سيك أسهمت في تسريع هذه التحولات، ما دفع بتكامل الذكاء الاصطناعي بعمق أكبر في العديد من القطاعات، مثل التمويل، والرعاية الصحية، والخدمات اللوجستية.
وبين أن هذه السوق تتجه نحو حلول ذكاء اصطناعي أكثر تطورًا ومتخصصة في مجالات محددة، ما يزيد من الطلب على الخدمات والبنية التحتية القائمة على الذكاء الاصطناعي.
أبحاث مستمرة
وأشار الصفدي إلى أن المحللين يتوقعون استمرار النمو المتسارع لسوق الذكاء الاصطناعي، مدفوعًا بزيادة تبنيه عبر مختلف القطاعات، والأبحاث المستمرة في الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتكامله مع تقنيات ناشئة أخرى مثل البلوكشين وإنترنت الأشياء. حيث تشير التوقعات إلى أن الاقتصادات المدفوعة بالذكاء الاصطناعي ستشهد مكاسب كبيرة في الإنتاجية، بينما ستظل حوكمة الذكاء الاصطناعي والاعتبارات الأخلاقية محاور تركيز رئيسة لصناع القرار.
استثمارات الحكومات
وأكد بأنه استجابة للتطور السريع في الذكاء الاصطناعي، خصصت العديد من الحكومات ميزانيات ضخمة للبحث والتطوير في هذا المجال، مثل إطلاق أميركا والصين والاتحاد الأوروبي مبادرات ضخمة لدعم الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي، وتمويل الأبحاث الأكاديمية، وتعزيز المشاريع الحكومية القائمة على الذكاء الاصطناعي.
وأضاف بأن هذه الاستثمارات تستند إلى الرغبة في تحقيق التنافسية الاقتصادية، وضمان السيادة التكنولوجية، وتعزيز الابتكار في مجالات الأمن القومي والخدمات العامة.
خلال الشهر الماضي أعلنت مجموعة من الدول والجهات العالمية عن خطط استثمارية ضخمة في الذكاء الاصطناعي، حيث أطلق الرئيس دونالد ترامب مشروع "ستارغيت"، وهو عبارة عن مبادرة ضخمة بقيمة 500 مليار دولار تهدف إلى بناء بنية تحتية متقدمة للذكاء الاصطناعي على مدار السنوات الأربع القادمة، كما اعلنت فرنسا عن نيتها استثمار 113 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي المرحلة المقبلة، كما جرى الاعلان مؤخرا من قبل «أوبن إيه آي» و"سوفت بنك" لمشروع مشترك في اليابان لتقديم خدمات الذكاء الاصطناعي للعملاء من الشركات.
وعلى صعيد الشركات التقنية الكبرى أعلنت شركة أمازون عن نيتها استثمار 100 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي، كما أعلنت مايكروسوفت عن نيتها استثمار 80 مليار دولار فيما اعلنت جوجل نيتها استثمار 75 مليار دولار، فضلا عن شركة "ميتا" التي أعلنت عن خططها لاستثمار قد يصل إلى 65 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي.
الاستثمار بالذكاء الاصطناعي
وقال، إن كل ما يحدث يؤكد بأن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي أمر بالغ الأهمية للدول التي تسعى إلى دور ريادي في الاقتصاد الرقمي، حيث يوفر الذكاء الاصطناعي فوائد تحويلية في الكفاءة واتخاذ القرار والأتمتة، مما يضع الدول في مقدمة الابتكار التكنولوجي.
وأشار الصفدي إلى أن الاعتبارات الرئيسة لوضع إستراتيجيات استثمارية ناجحة تشمل الأطر التنظيمية، والتوظيف الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، وإعادة تأهيل القوى العاملة، وتطوير البنية التحتية الداعمة لنظم الذكاء الاصطناعي.
دول تحظر "ديب سيك"
وعن الدول التي فرضت قيودًا أو حظرًا على ديب سيك قال الصفدي بأن ذلك يأتي بسبب مخاوف تتعلق بخصوصية البيانات، والأمن القومي، وحماية الاقتصاد المحلي، حيث تعمل الحكومات التي تخشى هيمنة الذكاء الاصطناعي الأجنبي على سنّ تشريعات لحماية المعلومات الحساسة والحفاظ على السيطرة على تطوير الذكاء الاصطناعي داخل حدودها.
وبعيد إطلاق التطبيق الصيني حظر عدد متزايد من البلدان والهيئات الحكومية نماذج الذكاء الاصطناعي وتطبيقات الدردشة الآلية من "ديب سيك"، حيث أعربت هذه الجهات عن مخاوفها بشأن ممارسات التطبيق الأخلاقية والخصوصية والأمنية، ومنها إيطاليا، وتايوان التي منعت الوكالات الحكومية والمدارس العامة من استخدام الذكاء الاصطناعي للشركة الصينية، وأستراليا التي منعت استخدامه في المؤسسات الحكومية، كما حظر التطبيق كل من " الكونغرس الأميركي"، وولاية تكساس، والبحرية الأميركية، والبنتاغون ومنظمة ناسا التي منعت موظفيها من استخدام التطبيق الصيني.