الزراعة : حماية المنتج المحلي تطيح بالمستهلك وتهدد الأمن الغذائي

هوا الأردن -
خيط رفيع يفصل بين ثلاثة مفاهيم أساسية تتعلق بعمل وزارة الزراعة وتعاطيها مع ملف الخضار والفواكه، تجعل من بعض قراراتها حماية لفئة على حساب عاملين في القطاع الزراعي أحيانا، وأحيانا أخرى رعاية للقطاع الزراعي على حساب المجتمع، وعلى حساب مفهوم الأمن الغذائي.
فمفهوم أن تحمي الوزارة المزارعين والمنتج المحلي وإن كان في صلب عملها وغايات وجودها، لكنه لا يجوز بأي حال أن يكون على شكل قرارات وإجراءات ارتجالية لا تراعي مصالح بقية المجتمع، فمفهوم حماية المستهلك والأمن الغذائي أولى عشرات المرات من تحقيق مصلحة لقطاع معين، خصوصا إذا ما علمنا أن أشخاص بعينهم من يستفيدون ويتكسبون على ظهر القطاع الزراعي وباسمه.
وحتى تتضح الصورة، فالحديث في هذا التقرير يتناول أثر قرارات وزارة الزراعة في منع استيراد السلع الزراعية أو فتحه في توفير المنتج الزراعي في الأسواق بسعر مناسب وكميات كافية وبشكل يوفر حماية مناسبة للمنتج الزراعي المحلي دون تغول أو إحتكار.
والسؤال المطروح هنا، هل نجحت وزارة الزراعة في تحقيق هذا الأمر ولو بشكل نسبي؟، وما هو أثر قراراتها على القطاع الزراعي، المتمثل بسلسلة طويلة مرتبطة بالمنتج الزراعي، من المالك، إلى الفلاح والعامل والناقل والوسيط والتاجر، وصولا إلى المستهلك، وهل لهذه القرارات أثر على الأمن الغذائي والمخزون الإستراتيجي، وهل تشوب بعض القرارات شبهات تنفيع ومساعدة على الإحتكار وتهديد مفهوم حماية المستهلك والإعتداء على قدرته الشرائية.
الإجابة على هذه التساؤلات تتطلب تحقيقا معمق، لكن وكما يقال فالبعر يدل على البعير والأثر يدل على المسير، وما وصول أسعار بعض السلع إلى ثلاثة وأربعة أضعاف متوسط أسعارها في الأسواق العالمية والإقليمية، إلا مؤشرا على وجود خلل يستدعي التصويب، وعلى سبيل المثال لا الحصر وبشكل عاجل نلفت انتباه الوزارة إلى أن كيلو الثوم يباع في الأسواق المحلية بمتوسط 5 دنانير، فيما تتراوح أسعاره بين 70 قرشًا في مصر وسوريا، وصولا الى دينارين أو أكثر قليلا في السعودية ولبنان والضفة الغربية.
وإذا استطردنا في الحديث عن الثوم كمثال ، سندخل في دهاليز كثيرة تعطي مؤشرات واضحة على كيفية إدارة هذا الملف، وسنصل في النهاية إلى وجود "حيتان" بالفعل والحقيقة لكنهم ليسوا داخل أسوار السوق المركزي كما لدينا جميعا هذا الانطباع، بل ربما تكون تلك الحيتان خلف مكاتب في مؤسسات يفترض أن المواطن غايتها الأولى.
فهناك تضخيم ممنهج لكميات الثوم المنتجة محليا والكميات المعروضة في الأسواق تثبت أن حجم إنتاجه محليا لا يوازي ربع حاجة السوق، لكن الأرقام المتوفر عند الوزارة تقول أن ثمة فائض في الإنتاج، ومنتجيه أو حتى من يستوردون –عندما يسمح بالاستيراد- ، هم النخبة الذهبية التي تضع مئات الاطنان في مخازنها ولا تخرج نحو الأسواق إلا ما يسد رمق المستهلك حفاظا على مستوى أسعار قياسية مقارنة بالإقليم والعالم.
ومثل الموز كمثل الثوم، ففي بلد يعاني شح المياه بل وندرتها تذهب الوزارة نحو تحجيم الاستيراد وتقنينه ووضع القيد عليه بحجة حماية المنتج المحلي، رغم أن المنتج المحلي لا يكفي نصف حاجة الأسواق الفعلية –وفق واقع الإنتاج الحقيقي لا الأرقام المعلنة، وبدلا من إجبار المزارعين على التخلي عن زراعة الموز تذهب الوزارة نحو توفير الحماية لهذه الزراعة، فهي الوحيدة التي توفر الظلال لمنتجات أخرى...!! وللعلم إنتاج كيلو موز الواحد يستهلك 200 لتر مياه صالحة للشرب، وضعوا تحت صالحة للشرب ثلاثة خطوط.
وعندما تسمح وزارة الزراعة باستيراد الموز فهي تشترط تحويلها للبنود والتخليص عليها على 5 مراحل على الأقل لاستكمال الكميات المطروحة في الأسواق ويدفع التاجر مصاريف طائلة نتيجة ذلك، ويعرض المنتج للتلف، وبل وتطلب وزارة الزراعة وضع رسم نوعي على الموز من قبل دائرة الجمارك، بصورة تخالف اتفاقيات التجارة الحرة، وضاربة بعرض الحائط مصلحة المواطن الذي سيدفع بالنهاية ثمن كل ذلك، وفوق كل ذلك تشترط الوزارة بيع المنتج المستورد خلال مدة معينة فكيف ذلك ووزارة الزراعة تعطي رخص استيراد لكافة التجار في آن واحد ويصبح السوق مشبع من المنتج، ثم الطلب من التجار إعادة تصدير بضائعهم، والأنكى إصدار تصاريح استيراد الموز العربي لجهة دون غيرها، و تقنيين كميات إستيراد الثوم مما أدى إلى نشوء ظاهرة بيع التصاريح وحصول البعض على كميات خارج التقنيين تحت ذريعة استخدامها تقاوي.
معضلات الفواكه والخضار في الأردن كثيرة ومتشعبة ويداخل بعضها الريبة والشك، والقطاع ليس رئيسيا وحيويا ومهما بل مرتبط بالحياة وبالأمن الغذائي والاجتماعي، لذلك لا بد من دراسة معمقة لواقعه ولا بد من جراحات تستئصل كل عوالق المرتبطين بهذا القطاع دون أدنى علم ومعرفة أو خبرة، والجهل عادة ما يكون مفتاح الفساد.
وربما يكون من المناسب تأسيس أسواق مركزية حصرية للفواكه والخضار المستوردة لفصلها عن المنتج المحلي ومنح المنتج المحلي مزايا تسويقية وضريبية لتشجيعه وتميزه، لا أن نمنع المنتج المستورد باعتباره أسهل الحلول فالضحية في النهاية قد يكون المستهلك، وربما تكون وزارة الصناعة والتجارة أكثر قدرة على تقييم سياسة الاستيراد من وزارة الزراعة، خاصة أن السوق الأردني سوق تنافسي وليس إحتكاري.