عطش أردني لصورة "رجال الدولة"
أغلبية الاردنيين بدأوا يلاحظون التنامي المفرط لظاهرة انتقاد من هم حول الملك في الداخل الاردني.
اغلب المراقبين استشعروا تصدر مجموعة من المسؤولين السابقين لهذه الظاهرة. بعضهم أيضا رصدوا حالة من التحول 'الظاهري' في شخصية الكثير من الاعضاء المحبطين لنادي الوزراء والمسؤولين السابقين الذين انتهى بهم المطاف خارج اطار اية تركيبة رسمية او حتى تنفيعة تجارية ضمن طواقم مجالس ادارات الشركات الكبرى.
فكرة النقد البناء هي فكرة ضرورية ولازمة لتقويم الأخطاء ونتائجها، لكن عندما يتحول الانتقاد الى طريقة مفضوحة للمشاغبة التي تنتهج مبدأ الشخصنة وتطبق الضدية فمن حق الكثير من الشباب ان يوجهوا سهام انتقادهم لكل الشخوص الذين تكشف طريقة تعاملهم مع الامور عن تركيبة عقولهم وحقيقة أهدافهم.
الايمان بمفاهيم الحرية والديمقراطية والايمان بالآخر وضرورة اعطاء الفرص لمن يستحق ليست أقنعة يمكن لبسها لضرورات لعب دور معين او مقتضيات تفرضها طبيعة التطورات او حتى الشعور بالاقصاء. وزراء احتلوا مواقع سيادية في حكومات حكمت وعاثت فسادا سنوات طوال من دون ان تشهد سجلات ومحاضر الاجتماعات اعتراضا واحدا من قبلهم على القوانين الظالمة او التفرد بالسلطة وتحويلها لأداة لخدمة الاهواء والاغراض الشخصية.
كيف لهؤلاء اليوم ان يتحولوا الى منظرين في الديمقراطية والحرية ويسهبوا بالحديث عن التعددية وكيف لهم الا يخجلوا من انفسهم عندما يتذكرون مواقفهم وكلماتهم وتبريراتهم لكل المواقف التي تتناقض مع طروحاتهم الحالية وتتفق مع اهوائهم السلطوية. شخصية مطلعة أكدت ان اسباب حالات الغضب والمناكفة ممكن ان تكون فعلا مضحكة، بعضهم تم اقصاؤه عن دعوة غداء وآخر تمت دعوته لعشاء فحضر معتقدا انه سيحظى بلقاء فردي مع صاحب القرار ليجد ان اربعين شخصية سبقته الى حفل العشاء ليتحول بعدها أهم صقور الهجوم والانتقاد.
لسنا مع اقصاء اي من الشخوص ويحزننا الطريقة التي يتم التعامل بها مع كثير من المسؤولين: تهميش، محاربة او حتى تعرض بعضهم للاساءة.
نعم؛ هناك مسؤولون ومحيطون بالملك يمارسون احقادهم الشخصية واهواءهم الخاصة في التعامل مع بعض المسؤولين السابقين بدافع غيرة او حقد او حتى كراهية شخصية. يتعطش الاردنيون لصورة رجال الدولة التي خبروها في قصص التاريخ وحلم معظمهم بمعاصرة انموذج من نماذجها، ويشتاق الاردنيون الى انموذج الدولة القادرة على الحفاظ على ابنائها جنودا حاضرين لخدمتها. نعم؛ شهدنا في السنوات الاخيرة أخطاء كثيرة في طبيعة التعامل مع المسؤولين وانهاء خدماتهم او الاستغناء عنهم. لا يضير من يحيطون بالملك ان يعملوا على ان تكون طريقة خروج المسؤول كريمة ومحترمة بعيدا عن فكرة الاقصاء وخلق العداوات.
المشكلة مركبة ومعقدة والاخطاء لا يمكن ان تقع على طرف واحد، لكن؛ لا بد ان تصل المشكلة المركبة هذه الى نهايتها والّا استمرت المعادلة القائلة: ان كنت خارج السلطة فطبقة الحكم فاسدة وتتسم بالغباء والدولة في خطر.. ان كنت في السلطة فالجميع سوداويون وانت فقط عنوان الذكاء وضامن الاستقرار والنجاح.
المشكلة الحقيقية هي في طبيعة التعامل الفوقي بين من يملك السلطة ومن لا يملكها، عندها فان الهدف الوحيد في هذه الحياة هو الوصول الى السلطة حتى يمارس الشخص كل انواع التلسلط والاقصاء الذي مورس عليه عندما كان خارج السلطة.
الدكتور عامر السبايلة