دمشق اختبار الدم والنار .. كتاب جديد للكيلاني
تميزت سورية ، أنها المسرح الذي احتضن طيلة المئة سنة الأخيرة ، أهم الأحداث والصراعات الدولية التي شهدتها منطقة الشرق الاوسط ، حيث سعت الدول الكبرى جاهدة الى السيطرة عليها وبسط نفوذها ووضعها تحت الانتداب الاستعماري بالقوة ، بموافقة أممية ، وشهد العقد الثاني من القرن العشرين الخطوات التنفيذية الأولى لأخطر مشروع استعماري غربي استهدف هويتها ووحدة أرضها وتماسك نسيجها الديني والاجتماعي ، فمزقها الى كيانات سياسية ضعيفة ، تفسر ظلالها جانباً مما يجري اليوم ويمثل في جوهره امتداداً فعلياً لما هدفت اليه تلك السياسات قبل عشرات السنين. عاشت دمشق المأساة منذ أن وطئتها أقدام جنود الجنرال غورو بعد موقعة ميسلون الشهيرة بكل تداعياتها المحزنة ، فقد احتل الفرنسيون سورية الداخلية في منتصف عام 1920 ليستكملوا بذلك سيطرتهم التي استمرت قرابة ربع قرن على جميع الاراضي السورية، ومع ذلك ، فلم تكن عملية إخضاع الشعب السوري بالسهولة التي توقعها الذين رسموا خرائط اتفاقية سايكس بيكو ،إذ خاضت البلاد نضالاً مسلحاً وسياسياً في آن معاً، وانتفضت ثورات عديدة في وجه الاحتلال الفرنسي ، وكان عام 1925 واحداً من الفترات التاريخية التي قدم السوريون للعالم فيه تجربة نضالية انسانية فريدة بأبعادها ومضامينها ، خاضوها بعقيدة صلبة وإرادة لاتقهر، مؤمنين إيماناً مطلقاً بأن الحرية تؤخذ ولاتعطى ، وأن الاستقلال لاتصنعه الا الدماء والتضحيات . قدمت دار السواقي العلمية للنشر والتوزيع في "عمان" الى القارئ العربي الطبعة الاولى من كتاب "دمشق .. اختبار الدم والنار" للكاتب والصحفي السوري علاء الدين الكيلاني الذي تتناول صفحاته ثورة دمشق على الفرنسيين ، هذه الثورة التي مافتئت كما يقول المؤلف تلقى من الاهتمام ماهو جدير بها ، ذلك أن العاصمة التي حكمت ذات يوم دولة وصلت حدودها الى شواطئ الاندلس وقرعت سنابك خيلها أبواب أوربا ، بقيت الكعكة التي تطمع باقتسامها قوى عديدة ربطت مابين طموحها الديني ومصالحها السياسية والاستعمارية . لقدعرض الكاتب تأريخاً لسيرة وطنية ربما غابت وقائعها عن أذهان الجيل الحالي ، محاولاً أن يتدارك النقص المعرفي التاريخي الحاصل في بنية العقل السوري المعاصر والتهميش الذي تعرض له عبر عشرات السنين ، وهو بذلك يسهم في إعادة انتاج الذاكرة الوطنية التي أصابتها تصدعات عقب مراحل سياسية مختلفة. فمن المفترض كما يقول أن يحظى أولئك الذين غابت عن أذهانهم هذه الوقائع وكفوا عن النظر لما يجري في بلادهم بعين ثاقبة ، بفرصة أخرى للتركيز على مشهد الثورة وهو يعكس ذروة الوعي الوطني والشعبي ، ويفسر بمعيار دقيق مصطلح الوطنية ، الذي جرى استخدامه على نحو خاطئ في أزمات سياسية مغايرة . و يشكل كتاب " دمشق .. اختبار الدم والنار " إضافة للمكتبة العربية ومادة تاريخية تساعد القارئ على سبر أغوار ثورة لطالما كان الماضي حاضراً في أذهان ومخيلة أبطالها أولئك الذين امتلكوا حيوية فائقة لاعلان روح التحدي والمثابرة على اقتحام المخاطر والتعبير عما يجول في نفوسهم من مشاعر غاضبة تستحق كل احترام وتقدير.