الأردن يقظة لإحتمالات "إنعاش" برنامج الأمير بندر
خلافا لكل التوقعات لا تصل عمان من دمشق «إشارات غاضبة» من الطراز الدبلوماسي على قرار طرد السفير السوري الجنرال بهجت سليمان في محاولة مشتركة «لتسكين» الأزمة التي تسبب بها الأخير وإنتهت بمغادرته عمان وبقاء سفارة دمشق عمليا «بلا سفير» للشهر الثاني على التوالي.
الأخبار المثيرة التي كان ينتجها السفير سليمان في الحياة العامة الأردنية بسبب مناكفاته الشرسة ضد السعودية والنخب الأردنية وتصريحاته غير الدبلوماسية تقلصت إلى أضيق حدود وسفارة دمشق تعمل بنشاط في تجديد وثائق المواطنين السوريين وسط حراسات الدرك الأردني وبدون إزعاج او قلق.
المعطيات التي تتحرك بصمت في أروقة الشارع الصغير الفاصل في ضاحية عبدون الأردنية الراقية بين مقر السفارتين السعودية والسورية تشير إلى أن دمشق «إبتعلت» قصة طرد سفيرها من عمان لسببين على الأقل أبرزهما الإهتمام البالغ بـ»تشجيع» الإنحسار الأردني في موجة التفاعل والرعاية للمعارضين السوريين وتوقف «الزيارات السرية» التي كان يقوم بها أحمد الجربا تحديدا رئيس الإئتلاف السوري المعارض المدعوم من السعودية.
المؤشر الأقوى في الإتجاه الأخير أن دمشق وإن كانت لا تثق بعمان إلا أنها مهتمة بتعزيز موقفها الباطني الذي يتفاعل بأدنى حد ممكن مع البرنامج السعودي التصعيدي ضد النظام السوري وهو برنامج إنحسر إلى حد بعيد مؤخرا وإن كانت المراجع السورية قد حذرت «وسطاء» من الجانب الأردني من مغبة وكلفة التعاون مستقبلا للمرة الثانية مع برنامج محتمل سيعيد تنشيطه ضد نظام دمشق الأمير العائد بقوة لمعادلة القرار السعودية بندر بن سلطان.
التحذير الأخير نقلته شخصيات أردنية سياسية ونقابية صديقة لدمشق وهي تحاول تحقيق إختراقات بعد تجاوز الطرفين لحادثة طرد السفير سليمان المقيم الآن في بيروت على الأرجح والذي تردد كثيرا بأنه أخفق في العودة لسجلات كبار السفراء في الطاقم الدبلوماسي بسبب مواقف عدائية قديمة بينه وبين أركان الخارجية مثل وليد المعلم وفيصل المقداد.
هنا وحصريا في هذه المساحة يبرز السبب الثاني في تفسير تجاوز دمشق لمسألة طرد سفيرها دون مراجعة أو محاولة لفرضه ودون حتى تعيين بديل له حيث تقدر الدبلوماسية الأردنية بأن لديها رسالة ضمنية من القصر الجمهوري نفسه في سوريا يفيد بأن السفير سليمان لم يكن «ممتثلا» وكان يصر على التصرف بعيدا عن المؤسسة الدبلوماسية وبالتعامل فقط مع المؤسسة الأمنية مما زاد من عدد خصومه في الدائرة الضيقة لحكم دمشق.
مصدر مطلع يذهب إلى سقف أرفع في المعلومات وهو يتحدث عن قرار مركزي سوري لا يمانع طلب الأردن مغادرة السفير سليمان وهو قرار منطلق من حسابات داخلية معقدة لها علاقة بهرم القيادة في النظام السوري.
بعيدا عن جزئية السفير وعدم تعيين خليفة له توثقت «القدس العربي» من «يقظة» الأردن لإحتمالات إنعاش برنامج الأمير بندر بن سلطان الذي يعتقد أنه من أوائل الداعمين لجبهة النصرة ولتيار احرار الشام السلفي.
والحسابات الأردنية في هذا الإتجاه تم إبلاغها لدمشق خلف الستارة والكواليس عبر رسائل متعددة أبلغت بأن عمان ستقاوم أي محاولة من بندر أو غيره لإستعمال الحدود الأردنية في أي عمل له علاقة بسوريا دون ان يشمل ذلك العمل السياسي بطبيعة الحال خصوصا وان الدوائر المحلية مقتنعة بأن عودة الأمير بندر بن سلطان أصلا لها ما يبررها سعوديا بالنسبة للأجندة في سوريا.
إنطلاقا من هذه القناعات يقرأ بعض المراقبين التصريح المناكف الذي صدر ظهر أمس الثلاثاء عن رئيس الوزراء الأردني عبدالله النسور أثناء زيارته لوزارة المياه حيث تحدث عن «خذلان الأشقاء» لبلاده وعن عطش وويلات نقص المياه في الأردن، والأهم عن «الأردن الذي ينوب عن الأمة برمتها في تحمل عبء اللاجئين السوريين وأثقالهم».
اغلب التقدير أن تعليقات النسور المعروف بعباراته المناكفة لبعض الدول العربية الثرية تشير ولو عن بعد لمجمل عملية الخذلان المالي الذي تعرضت له بلاده بعد ضغط السعودية عليها في مسألة فتح الحدود أمام اللاجئين السوريين وتدشين عمليات رعاية متعددة الأصناف للمعارضة السعودية التي إختفت الأن في مواجهة إنحسار البرنامج السعودي ضد بشار الأسد وصعود قوة دولة «داعش» ما بين العراق وسوريا.
وهي بالتوازي تعليقات تلفت النظر إلى ان إستراتيجية العداء مع النظام السوري ستكلف الأردن كثيرا خصوصا في مجال «الأمن المائي» لان سوريا شريك مائي مهم جدا للأردن ولان السعودية «شاغبت»على مشروع جر مياه الديسي ولم تتعاون معه فيما يمهد الطريق في الأثناء للتعاون مع إسرائيل مائيا في المستقبل القريب مما يبرر مشروع قناة البحرين.
الأبعد في حيثيات الكلام ودلالاته أن الأردن يمهد لأسباب مائية وامنية وسياسية ايضا للإنسحاب لأبعد مسافة ممكنة من عباءة الأمير بندر في الموضوع السعودي، الأمر الذي لفت نظر دمشق وأعجبها في الواقع وحاولت تشجيعه بتعزيز التواصل ولو بنسبة خفيفة عبر القنوات الأمنية وتحت عنوان الحرب المشتركة ضد الإرهاب الفعال في سوريا والمحتمل في الأردن.
وهنا حصريا قد يستقر السر الكامن وراء السؤال التالي: لماذا تركت دمشق قرار عمان طرد السفير سليمان يمضي ويستقر دون إعتراض؟.