الألعاب النارية: قنابل في أيدي الصغار يموت بانفجارها الكبار
ترتبط الأعياد والمناسبات السعيدة في أذهان كثير من الأطفال بالألعاب والمفرقعات النارية، وما إن يحل شهر رمضان، حتى يهرع الأطفال لشراء مثل هذه "الألعاب الخطرة"، والتي غالبا ما تتسبب بحوادث قد تصل حد الموت أحيانا.
ففي الأسبوع الماضي لقي مواطنان مصرعهما في العاصمة، فيما أصيب ثلاثة آخرون بجروح خطرة، حين أقدم شاب على إطلاق نار من بندقية "بمبكشن" على مجموعة أشخاص من عائلة واحدة، على خلفية "عبث طفل بألعاب نارية تسببت بإزعاج عائلة الجاني، فوقعت مشاجرة بالأيدي، تطورت لاحقا إلى استخدام بندقية وإطلاق النار وإيقاع وفيات وإصابات".
ويعج سجل الألعاب النارية والمفرقعات بحوادث أليمة، وثمة قصص عديدة وحوادث شتى تروى في هذا المجال، فيما سجلت تحركات في أقطار عدة لمكافحة هذه الألعاب وتقنينها والتوعية بمخاطرها على أكثر من صعيد.
وعلى الرغم من مرور سبعة أعوام على صدور قرار يمنع استيراد تلك الألعاب، إلا أنه يسمح في الوقت ذاته ببيعها واستيرادها فتكون سهلة التناول بالنسبة للأطفال والمراهقين، وهو تناقض يضع علامات استفهام حول الجدية في مكافحة هذه الظاهرة التي تعكر هدوء ليالي الشهر الفضيل، وتزيد من التكلفة المجتمعية والأمنية في مواجهتها.
ولعل الوعي بخطورة الألعاب النارية، يكمن في كون تلك الألعاب أساسا عبارة عن متفجرات ضعيفة الانفجار نسبيا، وتصنع من مواد كيماوية شديدة الاشتعال.
المتحدث باسم اتحاد شركات استيراد الألعاب النارية محمود حماد، قال إن وزارة الداخلية نسبت الى مجلس الوزراء في الثامن عشر من أيار (مايو) الماضي، "بالسماح للمؤسسات وشركات الألعاب النارية المرخصة باستيراد الألعاب النارية وذات البلوكات التي لا تزيد مقاساتها على (2) إنش، ولا يزيد عدد تيوباتها على (24)، والمكملة لكميات الذخائر الموجودة في مستودعات مؤسسات وشركات الألعاب النارية المرخصة فقط".
وبين حماد ان هذا التنسيب "جاء بعد دراسة شاركت فيها كافة الجهات الأمنية ووزارة الداخلية، وخلصت الى ان الحل الوحيد لإنهاء فوضى استخدام الألعاب النارية والمفرقعات والسيطرة عليها والحد من عمليات التهريب التي تحدث، هو بالسماح للشركات المرخصة باستيراد الألعاب النارية، بناء على تعليمات ومواصفات معينة".
وحول كيفية وصول الألعاب النارية الى أيدي المواطنين بعد صدور قرار الحظر، قال حماد "إن هناك متنفذين ومهربين وشركات صغرى لا تعمل بالاستيراد، بل تقوم بشراء الألعاب النارية من شركات كبرى، وبيعها لمواطنين، وهذا مخالف للتعليمات".
وقال إن المشكلة تكمن "في دخول ألعاب نارية بطريقة غير مشروعة الى الأردن، بحيث تتسرب الى المواطنين ويتم إطلاقها بصورة مخالفة للتعليمات".
وأكد أن الألعاب النارية أصبحت تشكل إقلاقا للراحة العامة لكنها، برأيه "تبقى أقل ضررا من العيارات النارية"، موضحا أن وقف الاستيراد يعني "إلغاء الاستثمار في هذا القطاع وبالتالي تسريح العشرات من العاملين فيه، بالإضافة الى خسائر مالية فادحة ستلحق بالمستوردين".
وأضاف حماد أن هناك شركات "تستورد حاويات من الألعاب النارية، وتستطيع إدخالها من خلال تهرب جمركي الى الأردن، بعد أن تسجلها على أساس أنها أدوات منزلية أو ألعاب أطفال، وأحيانا بأنها قرطاسية".
وأشار حماد الى أن قرار منع استيراد الألعاب النارية "تسبب بانتشار عملية تهريبها وإدخالها إلى البلد بطرق غير شرعية، مما حرم الدولة من العائدات الجمركية والضرائب والرسوم عليها، وفي الوقت ذاته لم تتحقق الغاية المرجوة من قرار المنع، وبعكس ذلك عمت فوضى استخدامها وزاد إزعاجها للمواطنين وخطورتها عليهم بسبب غياب الإشراف الرسمي على استخدامها ومتابعتها".
وقال إنه "ومن هذا المنطلق ولمكافحة تهريب الألعاب النارية، ولوضعها تحت إشراف المختصين، قام وزير الداخلية حسين المجالي برفع تنسيب للحكومة بتاريخ الثامن عشر من أيار(مايو) 2014 لرفع الحظر عن استيراد الألعاب النارية".
ودعا حماد الحكومة إلى السماح باستيراد الألعاب النارية للحد من ظاهرة تهريبها، وجعلها تحت إشراف الجهات المختصة، مشيراً الى أن القرار سيكون "ناجحاً في حالة تطبيقه، ولمساهمته في مكافحة تهريب "الفتاش" الذي يدمر عيون الأطفال ويضر بهم، علماً أن الشركات المرخصة لاستيراد الألعاب النارية لا تدخل هذا المنتج السيئ إلى الأسواق، بل يدخل عن طريق المهربين".
ويقول المواطن عبدالرحمن خالد إن المفرقعات التي باتت من أكبر مسببات الإزعاج للمواطنين، غدت في متناول الأطفال يلهون بها كما يلهون بألعابهم بدون أي اعتبار لمدى خطورتها، وعلى الرغم من التعليمات الصادرة عن الأجهزة الأمنية عن كيفية التعامل مع هذه المواد، سواء من قبل المستورد أو المستهلك، إلا أن المراقب لهذا الأمر يجد أن هناك استهتاراً وخرقاً لهذه التعليمات، ما يعرض المواطن الى مخاطرها المتمثلة في قابليتها للاشتعال والانفجار، نتيجة الاحتكاك او الصدم، فضلاً عن آثارها السلبية على الجهاز السمعي لدى الإنسان، والإزعاجات التي تسببها للمواطنين في أثناء فترة النوم، خصوصاً في المناطق السكنية.
بدوره يقول المواطن رمضان العجوري: "اللافت ان إطلاق المفرقعات هذا يخالف القوانين، لكن أحدا لا يلتزم بالتعميمات الصادرة عن وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية، خصوصا بعد ان باتت هذه العادة جزءا من برستيج المهرجانات وحفلات الزفاف، التي قد تصل ميزانية بعضها إلى آلاف الدنانير".
ويضيف العجوري: "ظاهرة إطلاق الألعاب النارية مزعجة ومقلقة للراحة العامة، وأعتقد أنها يجب أن تزول، لأنها تعتبر ظاهرة غير حضارية، ومثل هذه الألعاب النارية لا يجب أن يسمح بها إلا للاحتفالات الرسمية والقومية "، مشيراً الى أن مضار هذه الألعاب أكثر من فوائدها، وإن كانت تجذب الأطفال بجمال ألوانها، لكنها تشكل خطورة عليهم، وقد تتسبب شظاياها بالحرائق، وخاصة في فصل الصيف، حيث الأعشاب الجافة تملأ الأراضي السكنية والغابات".
من جهتها، أكدت دائرة الإفتاء "حرمة بيع وشراء الألعاب النارية واستخدامها في المناسبات والأفراح، لما فيها من إزعاج للمرضى وللدارسين والنائمين صغارًا وكبارًا ولبقية الآخرين، وإتلاف للمال من غير فائدة، وهذا من التبذير والإسراف المنهي عنه، بالإضافة الى أن المواد المستعملة قد يكون فيها ضرر على الصحة العامة، وقد تؤدي إلى جراحات ونشوب حرائق، خاصة إذا لم تستعمل على الوجه الصحيح".
بدورها دعت مديرية الأمن العام، المواطنين الى ضرورة توعية أبنائهم بأبرز المخاطر التي تترتب على شراء الألعاب النارية والمفرقعات، والتركيز على دور الأسرة في المتابعة والتوجيه بهذه المخاطر التي تكمن في تهديد الأطفال بفقدان أبصارهم وتعرضهم لحروق بليغة، وتزداد مخاطرها مع صغر سن مستخدميها، إضافة إلى ما تسببه من كوارث بشرية جراء الحرائق وإزعاج المواطنين.
ودعا الناطق باسم المديرية الرائد عامر السرطاوي، الأهالي الى تبليغ الحاكم الإداري عن أي محال تجارية تقوم ببيع المفرقعات من مختلف الأصناف للأحداث والأطفال، تمهيداً لاتخاذ الإجراءات المناسبة بحقها.
وبين الرائد السرطاوي أن دور مديرية الأمن العام في قضية المفرقعات "ينحصر في التعامل مع الشكاوى التي تتعلق بإزعاج كبير تسببه تلك المفرقعات، وما ينتج عنها للأسف من تطورات لاحقة لاستخدامها، وتتمثل بحدوث مشاجرات أو جرائم".
بدوره، كشف أحد تجار هذه الألعاب عن أن "معظم شحنات الألعاب النارية والمفرقعات تدخل الأردن عن طريق حاويات مهربة"، مشيرا الى أن "بعض مكاتب التخليص تسهم في عمليات تهريب هذه المواد الى المملكة".
يشار الى أن مجلس الوزراء أجرى أكثر من تعديل على تعليمات الألعاب النارية، الأول العام 2001، عندما "منع استيراد ألعاب نارية تزيد على 6 إنشات"، وذلك على ضوء مقتل شخصين أثناء إطلاقهما ألعابا نارية سعتها 12 إنشا في المدينة الرياضية ابتهاجا بإحدى المناسبات الوطنية.
وفي العام 2007 ازدادت الشكاوى لدى وزارة الداخلية ومديرية الأمن العام بسبب كثرة إطلاق الألعاب النارية وما يشكله من خطورة على حياة المواطنين، ونتيجة لذلك أعادت وزارة الداخلية النظر بالتعليمات، حيث أصدر مجلس الوزراء قرارا بـ"منع استيراد قذائف يزيد قطرها على 3 إنشات أو مجموعات "بلوكات" يزيد عدد الطلقات فيها على 24 طلقة أو يزيد قطر الطلقة فيها على 2 إنش"، كما تم منع "الفتاش" بجميع أنواعه، وجرى السماح في نفس الوقت باستخدام المخزون المحلي من الأصناف المذكورة إلى حين نفاد الكمية حتى لا تلحق خسائر مادية بالمستوردين.
في حين حظرت الحكومة العام 2009 استيراد الألعاب النارية بنتسيب من وزير الداخلية آنذاك، ومنحت أصحاب محلات البيع مهلة بحد أعلى سنة واحدة من تاريخ صدور القرار للتخلص من كميات الألعاب النارية الموجودة لديهم، والتي استوردت بشكل قانوني.