رمضان أيام زمان: أكثر دفئا وبساطة.. لا وجبات سريعة ولا مسلسلات
يحتفظ أجدادنا في ذاكرتهم بألبومات صور متنوعة، لكن ما يتذكرونه منها هذه الأيام بشغف، تلك الصور الجميلة التي كانت حاضرة بقوة في أيام رمضان خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.
وتتحلى تلك الصور الأثيرة لديهم بكثير من القيم الإسلامية السامية، التي تزدان بالمحبة والرحمة والتسامح والألفة بين الناس.
سليمان السعود من مواليد قرية عيمة بمحافظة الطفيلة العام 1927، يتذكر صورا من تلك الأشهر الرمضانية، حين كانت العادات أصيلة، ولم تتلوث قيم الناس بالحداثة. يقول السعود إن أهالي قريته كانوا يجتمعون في جلسات حميمة، ويتبادلون الأحاديث في أمور الدين، ويتزاورون فيما بينهم.
يتذكر السعود جلساته مع أصدقائه، بعد صلاة المغرب، حيث يتناولون إفطارا جماعيا في مكان الضيافة عند المختار أو أحد الوجهاء، بحيث يجلب كل منهم طعامه، ويأكل الجميع من مائدة واحدة.
ولفت الى أن الرجال بعد الإفطار، كانوا يتسامرون ويتحدثون في شؤون حياتهم ودينهم حتى موعد السحور، ثم يعودون لبيوتهم، يتناولون طعام السحور الذي هو غالبا ما يكون من بقايا طعام الإفطار.
وأشار السعود الى أن أطفال القرية كانوا يلتمون حول المؤذن، مترقبين أذان المغرب، ومن بعدها ينتشرون إلى بيوتهم معبرين عن فرحهم بموعد الإفطار.
وقال إن "طعام الإفطار كان يقتصر غالبا على صنف واحد كالمنسف أو الرشوف (عدس وحمص ولبن) أو شوربة العدس، وفي الوقت الذي كان التمر حاضرا بقوة كانت تغيب عن المائدة أصناف الحلوى والمرطبات الأخرى".
كان هلال رمضان، يعلن دخول الشهر الفضيل والصيام، فيبدأ الأهالي بتبادل التهاني، ويزورون بعضهم بعضا قبل نهاية اليوم، ثم تعلق الفوانيس الرمضانية المميزة. لكن هذه المشاهد الحميمة والدافئة، تغيرت في أيامنا هذه، فصار أفراد العائلة يتحلقون حول التلفزيون لمتابعة المسلسلات المميزة والمقاطع الكوميدية المضحكة، وكثير منهم يجتمعون على مائدة إفطار حديثة تعج بالأطباق الصينية والإيطالية والمكسيكية والأوروبية، لينتهي اليوم بسحورٍ مميزٍ في مطعم أميركي سريع، بحيث لا يتسع الوقت لإعداد سحور منزلي.
وفي هذا النطاق، ترى منى الحياصات أن "رمضان تحول إلى شهر استهلاكي، يعكس وجهاً واحداً هو الازدحام".
وتقول إن "رمضان لم يعد شهراً خاصاً بالعبادة والزهد. أصبح استهلاكياً بامتياز، وفقد رونقه بسبب الازدحام في الأسواق، وتكدس الأطباق والمسلسلات أيضا".
وتضيف الحياصات "لم نعد نميز الجيد من السيئ في المسلسلات لكثرتها، وأضحت جميع المسلسلات تتجه للإضحاك فقط".
وتقول "أشتاق لرمضان الذي عشته في الزمن الماضي، وكان يتسم بالبساطة في كل شيء".
صفاء عواد، ترى أن رمضان لم يتغير أبداً بالنسبة إليها و"فرق بين رمضان الماضي والحالي، فالعادات والتقاليد الرمضانية التي ما زلنا نتمسك بها، هي نفسها ونمارسها دوماً في كل رمضان".
وتبين أن مجتمعنا يردد دوماً "أن رمضان كان مختلفاً، ذاك لأن الإنسان يرى أن الماضي أجمل دوماً ويحن له باستمرار، مع أن الحياة اليوم صارت أكثر سهولة، وأصبحنا نحضر الكثير من الأصناف على السفرة الرمضانية، وفي الماضي، كنا نكتفي بصنفين أو ثلاثة بسبب مشقة التحضير".
أم محمد ترى أن "رمضان لم يتغير كثيراً عن الماضي، بل إن طريقة التعبير عنه اختلفت، فمثلاً التهنئة برمضان صارت تتم عبر البريد الإلكتروني، كذلك، صار كثيرون يطلبون الوجبات الجاهزة من المطاعم وتسخينها وقت الإفطار".
وتشير الى أن الفرق بين رمضان زمان ورمضان اليوم كبير، مبينة أنه لم تعد زيارات الإفطار كثيرة بين العائلات، بل صارت تقتصر على زيارتين أو ثلاث في كل رمضان. وتؤكد أنه في الماضي، كان تبادل الزيارات أمراً أساسياً، والأمر ذاته ينطبق على كل العادات الرمضانية التي اختلفت باختلاف العصر، لكن الفرحة بشهر رمضان المبارك تبقى هي نفسها في القلوب.