الحكومة تستبعد خيار سحب السفير من تل أبيب وجدل واسع حول مبررات القرار
اتفق سياسيون على أهمية أن تتخذ الحكومة "موقفا رسمياً واضحاً" تجاه إسرائيل، يتمثل باستدعاء السفير الأردني في تل أبيب، كرد فعل "سياسي احتجاجي" يعبر عن رفض المملكة للعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.
وفيما أيد سياسيون وجهة النظر الحكومية بصعوبة لجوء الأردن إلى خيار إلغاء المعاهدة الأردنية الإسرائيلية للسلام "وادي عربة" اليوم، إلا أن العديد منهم مع ذلك أيدوا، في تصريحات أن سحب السفير يشكل "ضغطاً" على إسرائيل، لوقف فوري لعدوانها على غزة ورفع الحصار عنها، في وقت أجمعوا فيه على أن سحب السفير من تل أبيب لن يؤثر على العلاقات الدبلوماسية وقطعها نهائيا.
وقال بعضهم إن ذلك "إجراء دبلوماسي يتخذ تعبيرا عن رفض الدولة للنزاع الذي يحصل واحتجاجا عليه".
الوزير الأسبق بسام العموش رأى أن بيد الحكومة، على الأقل، استدعاء السفير الأردني من تل أبيب كخطوة احتجاجية، تشكل ضغطا على إسرائيل.
ولم يتوقع العموش الوصول لإلغاء معاهدة السلام وقطع العلاقات، فهذا، حسب رأيه، "يضر بالمصالح الأردنية، والتي من ضمنها مصالح الشعب الفلسطيني".
وكان رئيس الوزراء عبدالله النسور قال الأحد، وردا على سيل من المطالبات الشعبية والحزبية والنقابية بطرد السفير الإسرائيلي من عمان وسحب سفيرنا من تل أبيب، إن "سحب السفير (الأردني من تل أبيب) لا يحتاج سوى لتلفون، ولكن بحساب الأرباح والخسائر من يربح ومن يخسر من عملية سحب السفراء؟!".
وبين النسور أن "سفيرنا موجود لخدمة مصالح أبناء الضفة الغربية، الذين تمر طريقهم فقط من الأردن، وكذلك الأمر بالنسبة لبضائعهم ودوائهم وسفرهم ورحلاتهم إلى العمرة والحج، والأمر ينطبق أيضا على أبناء عرب الـ48 وقطاع غزة".
وأضاف النسور "إذا كان قطع هذه الرئة المتمثلة بالأردن يقرب ويسهم بتقريب حل القضية الفلسطينية ويرفع العناء عن غزة، سنقوم فورا باستدعاء السفير الذي يخدم مصالح جميع هذه الفئات من الشعب الفلسطيني ومصالح الدولة الأردنية".
إلا أن العموش يلفت إلى أن "استدعاء السفير للتشاور لا يعني بالنهاية قطع العلاقات الدبلوماسية، الذي يضر بالمستشفى الميداني العسكري في غزة، والذي يقدم خدماته لأهالي القطاع في ظل ما يمرون به من ظروف صعبة".
واعتبر العموش أن المطالبات الشعبية بإلغاء معاهدة السلام "غير واقعية"، ولها تبعات تصل لإعلان حالة الحرب مع إسرائيل، في حال إلغائها، مشيرا إلى أن الأردن "ليس مستعدا" للتعامل مع مثل هذا المطلب.
وبين أنه "ليس من السهولة بمكان تحقيق المطالب الشعبية بإلغاء معاهدة السلام، كونها اتفاقية دولية لها تبعاتها، كما أن هذا الخيار لا يعتبر متاحا حاليا، لوجود مصالح أردنية في هذه الاتفاقية، وجزء منها مصالح تعود بالنفع على الشعب الفلسطيني".
وكان مجلس الوزراء قرر العام 2012 إرسال سفير جديد إلى تل أبيب، ليتسلم وليد عبيدات مهام منصبه في تشرين الأول (أكتوبر) في العام ذاته، ليحل مكان السفير السابق علي العايد، الذي كان قد استدعي إلى عمان احتجاجا على الحرب العدوانية في القطاع أواخر 2008 وأوائل 2009، ولم يعد، في وقت كان القائم بأعمال السفير يدير السفارة منذ ذلك الحين.
النائب الأسبق ممدوح العبادي اعتبر أن "على الحكومة سحب السفير الأردني في تل أبيب، كإشارة احتجاج وموقف أكثر وضوحاً للموقف الأردني، تجاه ما يحدث من اعتداء وحرب على أهلنا في غزة".
ورأى العبادي أن "سحب السفير لا يعني أبداً قطع العلاقات الدبلوماسية، ولا إلغاء معاهدة السلام، ولا إخلاء موظفي السفارة في تل أبيب"، موضحا أن "بإمكان طاقم السفارة خدمة مصالح الأردن وأبناء الضفة والقطاع".
وأشار العبادي إلى أن الشارع الأردني "بحاجة لموقف رسمي أكثر وضوحاً تجاه الأشقاء في فلسطين، إذ يجب أن تبقى الأضواء مسلطة على ما ترتكبه القوات الإسرائيلية من عدوان وجرائم في القطاع".
وتابع "نجد دولاً في أميركا اللاتينية سحبت سفراءها من إسرائيل احتجاجاً على العدوان الإسرائيلي، ولا يجوز أن تكون تلك الدول أكثر تقدماً منا في الموضوع".
ويعد عبيدات السفير الأردني الخامس للمملكة في تل أبيب منذ توقيع معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية العام 1994، بحيث تعاقب على تمثيل الأردن لدى الجانب الإسرائيلي خمسة سفراء هم، إضافة إلى الحالي عبيدات، كل من: مروان المعشر، عمر الرفاعي، معروف البخيت وعلي العايد.
من جهته، وصف نقيب المهندسين السابق، رئيس لجنة شريان الحياة الأردنية وائل السقا، صمت الدول العربية إزاء الوضع في غزة بـ"المخجل"، معتبراً أنه يزيد من جبروت إسرائيل.
واعتبر السقا أن "سحب السفير الأردني، والتهديد بإلغاء معاهدة وادي عربة، يشكل ضغطا على إسرائيل، لوقف حربها الإرهابية على الشعب الفلسطيني في القطاع".
وأكد السقا، وهو قيادي في الحركة الإسلامية، أن الضغط بقطع العلاقات "سيخدم الشعب الفلسطيني أكثر مما تخدمه بوجود السفير في تل أبيب".
وقال السقا إن "العلاقات المتميزة بين الشعبين الأردني والفلسطيني، تستوجب موقفاً واضحاً تجاه العدوان الهمجي"، مشدداً على أن "المطلوب اليوم من الأردن إسناد غزة سياسياً من خلال سحب السفير والتهديد بإلغاء معاهدة وادي عربة".
وأكد السقا أن ما يحدث في غزة "أمر مرفوض بكل المقاييس ولا يقبل استمرار هذا الاعتداء"، مبيناً أن "سحب السفير في النهاية، ورقة سياسية تؤثر بشكل كبير على إسرائيل لوقف عدوانها على أهلنا في غزة".
واعتبر السقا أنه لم ير حتى اللحظة "أي موقف سياسي رسمي جاد وحازم" إزاء الهجمة الشرسة التي يتعرض لها القطاع.
وكان مجلس النواب صوت بالأغلبية في شباط (فبراير) الماضي على قرار يقضي بطرد السفير الأسرائيلي من عمان، وسحب السفير الأردني من تل أبيب، ردا على ما يقوم به الكنيست الإسرائيلي من مناقشات لإلغاء الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، بخاصة المسجد الأقصى، وردا على جريمة اغتيال القاضي رائد زعيتر، إلا أن الحكومة لم تلتزم بالتوصية النيابية، لذات الأسباب.
من جهته، اعتبر وزير الإعلام الأسبق نبيل الشريف أن سحب السفير من تل أبيب، في هذا التوقيت "ليس في مصلحة المملكة، ولا مصلحة القضية الفلسطينية"، موضحاً أن السفير "موجود لخدمة مصالح الشعب الفلسطيني ومصالح الدولة الأردنية".
وبين الشريف أنه يتفهم موقف الحكومة حول قضية سحب السفير، مشيراً في نفس الوقت إلى إمكانية قيام الحكومة باستدعاء السفير لعدة أيام، الأمر الذي يشكل روقة ضغط على الحكومة الإسرائيلية.