والدة قصي الذي لقي حتفه على يد والده تدفع ثمن رفضها التنازل عن حقها الشخصي بوفاة طفلها
ما تزال والدة الطفل قصي، الذي لقي حتفه على يد والده، قبل ست أعوام، تدفع وأطفالها ثمن عدم تنازلها عن حقها الشخصي، في وقت أطلق فيه سراح الأب، بعد ثلاثة أعوام ونصف العام، من وفاة الطفل .
وتوفي الطفل قصي، ذي الـ(13) شهرا، في العام (2009)، إثر تعرضه لضرب مبرح من والده، إذ دأب الاب على ضرب طفله منذ ان بلغ الستة أشهر، كـ"وسيلة للتنفيس عن غضبه ومشاكله في العمل"، فيما كانت الأم تقف عاجزة عن حماية أصغر أطفالها، كونها هي الأخرى، "كانت تتعرض لأسوأ أشكال العنف" .
عجزت والدة قصي عن حماية طفلها في حياته، لكنها اخذت عهدا على نفسها أن لا تتنازل عن حق طفلها، وان تحمي اخوته الآخرين، هذا العهد تسبب بضغوط اجتماعية وأسرية واقتصادية عالية، وامتناع الأب وعائلته عن دفع النفقة والتكفل بمصاريف الابناء .
تقول الأم، التي تقطن في منزل متهالك في أحد الأحياء الشعبية شرقي عمان: "تعرض ابني لأسوأ اشكال العنف، وعلى مدار (7) أشهر من عمره القصير، كان والده العاطل عن العمل، يضربه بشكل يومي على سبيل التنفيس، لم يكن قصي الوحيد الذي يتعرض للضرب، بل واخوته السبعة وأنا كذلك، لكن كونه الاصغر سنا، لم يتحمل جسده الغض الالم ورحل عن الحياة" .
وتتابع: "دخل ابني للمركز الصحي (3) مرات قبل وفاته، في المرة الاولى لكسر في الكتف، ونتيجة لتهديدات زوجي لي، بررت للطبيبة ما حصل لابني بأنه حادث سقوط من السرير، وفي المرة الثانية تهتك في الركبة، على اثر ذلك تقدمت الطبيبة في المركز بشكوى لإدارة حماية الأسرة، وتم فتح تحقيق بالموضوع" .
وتزيد في المرة الثالثة والأخيرة، تعرض قصي لكسر في ساقه، حينها نقله زوجي لمستشفى قريب من المنزل، وأصر على أن الطفل سقط، في وقت رفض به الطبيب أقوال زوجي، وتم التحقيق معنا من إدارة حماية الاسرة، وتعهد زوجي بان لا يتعرض للطفل مجددا.
وحول يوم وفاة ابنها، تقول "كنت في المطبخ، وكان ابني مع إخوته، امسكه زوجي وقام بهزه وضرب رأسه بالأرض، وانهال عليه بالضرب بكافة انحاء جسده، حاولت ان اخذ الطفل من يده، وكنت اصرخ، تغير لون وجه قصي، وأصبح شكل عينيه غريبا، عرفت حينها ان الطفل قد ازهقت روحه".
وتبين: "تعرضت لضغوطات وتهديدات من عائلة زوجي، بأنه في حال تبليغي الشرطة، فإني وأبنائي سيتم إلقاؤنا في الشارع، وحذروني من تبعات الفضيحة، وكيف ستؤثر على بناتي مستقبلا". وزادت "التزمت الصمت لمدة شهر ونصف، لكن روح قصي لم تفارقني، عاود زوجي ممارسة العنف على أبنائي الآخرين، خصوصا شقيقة قصي التوام، تأكدت حينها ان سكوتي يعني كارثة أخرى وأن روح ابني لن تسامحني أبدا، توجهت للمركز الامني وقلت لهم حقيقة ما حدث والعنف الواقع، وأن طفلي لم يمت قضاء وقدرا، انما نتيجة لضرب مبرح كان يتم بشكل يومي".
وأكد تقرير الطب الشرعي "وجود كدمات في مختلف انحاء جسد الطفل، تركزت في منطقة الصدر والرأس، وكان سبب الوفاة نزيفا دماغيا".
خضع الأب للمحاكمة، وفقا لقانون العقوبات السابق، وحكم عليه بالإيذاء المفضي الى الموت، ونال الحد الادنى من العقوبة، وهي (5) سنوات.
وحسب الام، فقد مورست عليها ضغوطات من قبل عائلة الزوج، حتى تسقط حقها الشخصي بالقضية، لكنها رفضت، وخلال فترة تواجد الزوج في السجن حصلت على الطلاق.
تقول: "خلال فترة تواجد طليقي في السجن، كنت احصل على معونة وطنية، قدرها (145) دينارا، بعد خروجه من السجن انخفضت الى
(40) دينارا، وحكمت المحكمة الشرعية بنفقة للأبناء مقدارها (180) دينارا، لكن طليقي يرفض التنفيذ، انتقاما مني لعدم اسقاطي الحق الشخصي، ولا أتلقى أي دعم معنوي او مالي من والدي طليقي لإعالة الأبناء".
تسكن عائلة قصي في بيت متهالك، يتكفل بدفع إيجاره، البالغ (100) دينار، اشقاء الأم، في حين تتلقى مساعدات من فاعلي خير لإعالة الأبناء، لكن تلك المساعدات بالكاد تغطي الاحتياجات الأساسية.
وحول توجهها للحديث إلى الإعلام، بعد ست سنوات من وفاة طفلها، تقول الام: "لدي رسالة.. غالبا ما توافق الامهات على اسقاط حقهن الشخصي، نتيجة لضغوطات اجتماعية شديدة، وأخرى ذات ابعاد اقتصادية، في حالتي كان ثمن رفضي إسقاط الحق الشخصي باهظا جدا".
وتتابع: "اتمنى أن يلغى بند اسقاط الحق الشخصي في هذه القضايا، اولا لتحقيق العدالة، وضمانا لحقوق الضحايا، وثانيا لتجنيب الاهالي، تحديدا الامهات، الضغوطات التي من الممكن ان يتعرضن لها".
من جانبها، تقول المحامية لينا سلامة، والتي تابعت قضية طلاق والدة قصي وقضية النفقة، "للأسف عادة ما تخضع النساء لضغوطات اجتماعية واقتصادية هائلة، لإجبارهن على التنازل، وفي حالات اخرى تضطر النساء لعدم التبليغ عن الاساءات، التي يتعرض لها اطفالهن نتيجة لذات التهديدات".
وتتابع: "غالبا ما تتعلق تلك التهديدات بجوانب اجتماعية، كالخوف من نظرة المجتمع للأسرة، وبالتالي التأثير على فرص الزواج للفتيات في الأسرة، او تعريض النساء لضغوطات اجتماعية، كالانقطاع عن دفع نفقة الابناء، وعدم تقديم المساعدة المالية والمعونة للام، من قبل عائلة الزوج".
وتزيد: "من هذا المنطلق، ونظرا الى جانب آخر يتعلق بتضارب المصالح بين الضحية والجاني، يتوجب إلغاء البند المتعلق بإسقاط الحق الشخصي، في حالات الجرائم داخل نطاق الاسرة".
وكانت قضية وفاة قصي، والتي تبعتها بأشهر قليلة وفاة الطفل يزن (5) سنوات على يد زوج خالته، قد اثارتا الرأي العام الاردني، وغضبا ملكيا، وعلى اثر الحادثتين شاركت جلالة الملكة رانيا العبد الله، في تجمع شعبي في نيسان (ابريل) (2009)، حدادا على وفاة قصي ويزن، وتأكيدا على رفض جميع اشكال العنف والإساءة ضد الأطفال.
وفي العام (2010)، خضعت المادة (330) من قانون العقوبات، والمتعلقة بالإيذاء المفضي الى الموت، الى تعديل، غلظ من العقوبة، اذ رفع الحد الأدنى للعقوبة، ليصبح (7) سنوات، بدلا من (5) سنوات، أما إذا ما كان المجني عليه، قاصرا، لم يتم الخامسة عشرة من عمره، أو كانت أنثى، مهما بلغ عمرها، فتشدد العقوبة لتصبح الحبس (12) عاما.
لكن حقوقيين يرون ان المادة، وحتى بعد التعديل عليها، ما تزال متساهلة مع الجاني، داعين الى تشديد العقوبات، بشكل اكبر في القضايا التي يكون بها الضحية قاصرا، من نفس العائلة، فضلا عن ضرورة الغاء بند الحق الشخصي في الجرائم العائلية.
ويرى مستشار الطلب الشرعي، الخبير لدى مؤسسات الامم المتحدة د. هاني جهشان ان حرية الاختيار في اسقاط الحق الشخصي في الجرائم داخل الأسرة هو أمر يشوبه التشكيك، والريبة، لدرجة تشويه قانونيته، لتداخل العلاقات الأسرية والاجتماعية، ولدوافع نفسية ومصالح اقتصادية، تحاول حماية المعتدي وتخفيف العقوبة عليه، مما يشكل افلاتا من العقاب، تحت غطاء قانوني، وبالتالي انتهاكا لحق الطفل بالحياة.
كما يطالب جهشان باستثناء العنف القاتل ضد الأطفال، داخل الأسرة، من تطبيق المادة القانونية المتعلقة بالإيذاء المفضي للموت، وان يتم اعتبارها جرائم قتل، فضلا عن ضرورة تشديد العقوبات، بنصوص واضحة، لأي عنف ضد الأطفال، داخل الأسرة.