مشاهد من جامعة مؤتة
هوا الأردن -
«المشروع « .. وصف ما زلنا نسمعه على لسان كثير من الكركية ، وتراه عنوانا لمرحلة بدء تشييد جامعة
مؤتة في منتصف ثمانينيات القرن الماضي،وكما يبدو فان الجامعة في «ذهنية الكركية» لم تتغير صورتها لتصبح صرحا علميا وأكاديميا بالمعنى المعاصر لأصطلاح «الجامعة».
على الطريق صوب الجامعة « أرض جرداء « نبتت بها مراكز تجارية وسكنية متوحشة، خرجت من
بين بقع مكسوة بالخضرة تم ازالة اشجارها واقتلاعها، وتبدو الجامعة وأنت متجه صوبها كأنك تواجه خيوطا من «يباب « بالنفس والعقل.
«اصطلاح المشروع « لم ينبت في ذهن الكركية من فراغ أو عبث، احلال وتجديد مرتبك، يعتمد على
خيار «الباطون والاسمنت « لا غير، وما حدث مع مؤتة لا يختلف عما وقع لصروح جامعية عديدة دفنت تحت اركام «خرافات التنمية المفقودة والمشوهة «.
***
ممنوع الدخول الى الجامعة، عبارة يقولها لجميع زوار الجامعة وطلابها حراس يقفون على بوابة الجامعة، ويحملون على جانبهم «عصا كهربائية «واسلحة اخرى، ويبدون أقوياء وحاسمين ومتهئيين لعنف قادم من المجهول، وترى ذلك يبرق من عيونهم. الحرس يرتدون ملابس تحمل شعار ورمز الجامعة.
وكانت الصورة الفاضحة لطالب يدرس الدكتوراة ويحمل رتلا من الكتب والاوراق والابحاث يريد الدخول الى حرم الجامعة ونسى أثباته الجامعي، فما كان الا أن وقعت «مشاجرة عويصة» بين الطالب والحرس، حيث أن الاول كان على عجالة يريد الالتحاق بالمحاضرة بموعدها، فيما الحرس يصرون على منعه بالقوة.
واقعة تفضح «هستيريا « الامن الجامعي. وطالب «الدكتوراة» شعر بالخزي والعار لانه يحمل كتبا ويريد الدخول لحرم الجامعة، فلا هو يحمل بين يديه سيفا أو عصا أو مسدسا، كتب واوراق تشير دون أدنى شك الى أن حاملها طالب علم لا غير.
ولأنه كما يبدو وصلت حالة الهستيريا الامنية بالجامعات لهذا المستوى المنحدر، وأقفال الجامعات بالحراس وتحويلها الى قلاع و»ثكنات «، فما يشغل البال هو سؤال : لماذا دشنت الجامعات في مدن الاطراف ؟ سؤال سهل، يمكن أي شخص أن يتصدى للأجابة عنه، ولكن يبدو أن هذا السؤال ما زال عالقا في عقل الحكومة.
***
جامعة مؤتة كما غيرها، فانها ترزخ تحت وطأة «خصخصة» متدرجة وبطيئة لخدمات التعليم الجامعي،فـ»مطاعم وكافتيريا « الطلبة تم تأجير اكثر من نصفها لمستثمرين من القطاع الخاص،وحتى « ساندويشة الطلاب « فهي الاخرى خضعت لحسابات «الربح والخسارة».
وأخر الاخبار تشير الى أن الجامعة قررت زيادة سعر « سندويشات «بنسب تتراوح ما بين 20 الى 35 %، تصيب بقرارها هذا شريحة واسعة من الطلبة الفقراء وذوي الدخل المحدود الذين انعدمت أمكاناتهم المادية بشراء «ساندويشة» بعد صدور هذا القرار الفاجع.
المشهد لم يعد يطاق، وهذا الامر واقعي، اذ أن مئات الطلبة الفقراء يحضرون «سندويشات « في حقائبهم من باب توفير ثمنها، وعدم قدرتهم البتة على شرائها،ويكفي فقط أجراء جولة سريعة داخل حرم الجامعة والتمعن في وجوه الطلبة فهي كافية بفضح فضاعة ما يعانون.
سياسات الخصخصة ورفع الاسعار، تعني باحتصار نبذا اجتماعيا واقتصاديا لشريحة واسعة من الاردنيين، وتحرمهم من الامل والحرية والحق بعيش كريم، وتنزع منهم روح وقيم الانتماء الى المجتمع الكبير الواحد بمنحهم حقا طبيعيا بالمساواة والعيش الكريم.
من هنا تلمع فكرة التصدي لسياسات خصخصة التعليم والتي تصر قوى نافذة على أحكام أقرارها رغبة في تحويل الجامعات الى قلاع وغابات للاستهلاك، ولا مكان فيها الا لمن يملك المال والنفوذ الجبار لا غيرهما.