3 سنوات في "الصندوق" وصفات قاسية ونتائج محبطة
بالتزامن مع انتهاء برنامج الاستعداد الائتماني مع صندوق النقد الدولي وقدوم البعثة للزيارة لا تظهر مؤشرات الاقتصاد الأساسية تعافيا، كما كان منشودا وفقا للأهداف التي أعلن عنها عند تنفيذه.
وبحسب قراءة لنحو 14 مؤشرا للاقتصاد الوطني في الفترة (2012-2015) فإن المديونية بارتفاع كرقم مطلق ونسبة للناتج المحلي الاجمالي، وتراجعت معدلات النمو عما كانت عليه قبل بدء البرنامج، ومعدلات البطالة بارتفاع بنسبة 1 %، فيما تظهر أرقام السياسة النقدية أفضل حالا باستثناء الاستثمار المباشر حتى نهاية الربع الثالث من 2015.
وكانت بعثة صندوق النقد الدولي وصلت أمس في زيارة للمملكة في إطار التباحث بالمؤشرات الاقتصادية وسبل التفاهم على اطار لبرنامج اصلاحي جديد مع الحكومة
وتواجه البعثة بعد أن طبقت الحكومة على مدار 3 سنوات من الوصفات في الفترة (2012-2015)، ضمن برنامج الاستعداد الائتماني أرقاما لا تختلف كثيرا عما كما كانت عليه عند بدء البرنامج فلا العجز بلغة الأرقام المطلق وصل إلى الحدود الآمنة المنشودة رغم "الاصلاحات" وتخفيف الدعومات التي مارستها الحكومة، ولا المديونية رغم تنبؤات الصندوق بتقارير سابقة ببدء تراجعها، ما يشي بسوء تقديراته لمعدلات النمو للاقتصادي وانحرافها عن الواقع.
وباستثناء ما نفذته السياسة النقدية بارتفاع الاحتياطيات وانتهاجها سياسة توسعية عبر سلسلة من التخفيضات لأسعار الفائدة رغم مخالفة الصندوق ورئيسة بعثة النقد الدولي كريستينا كوستيال لتلك الإجراءات، فعندما بدأ البرنامج كانت الاحتياطيات الأجنبية لدى المركزي الاردني 6.1 مليار دولار ومع نهاية 2015 بلغت 14.1 مليار دولار.
وبحسب أرقام الموازنة العامة لسنة 2015، فإن سياسة البنك المركزي أسهمت بتقليص عجز الموازنة بمقدار 80 مليون دينار مقارنة بالأرقام الأولية التي بنيت عليها فرضيات الموازنة.
ومع بدء البرنامج انتهجت الحكومة سياسة ترمي الى تخفيض الدعم عن السلع، فكانت النتيجة أن العجز بعد المنح كان عند 1.8 مليار دينار في العام 2012، وفي نهاية العام الماضي بلغ 928 مليون دينار والذي يعود جله الى قرار تحرير أسعار المحروقات وبيعه وفقا لتحركات الاسعار العالمية، علما بأن رقم العجز هو أعلى من الأرقام التأشيرية التي بنيت عليها موازنة 2015 والتي كانت تفترض 468 مليون دينار إلا أن ذلك الرقم لم ينجز جراء ضعف تقديرات الايرادات المحلية والمنح الخارجية.
وحصلت المملكة على مدار الـ3 سنوات الماضية، على 2 مليار دولار ضمن برنامج الاستعداد الائتماني كقرض من النقد الدولي.
وارتفعت المديونة العامة منذ بدء البرنامج في العام 2012 وحتى نهاية العام الماضي بمقدار 6.3 مليار دينار؛ اذ كانت ببداية عمر برنامج الاستعداد الائتماني 16.58 مليار دينار لتصل بنهاية العام الماضي 22.8 مليون دينار وهو الرقم الذي يمثل الصافي بمعنى أنه مطروح منه ودائع الحكومة، فيما الاجمالي يبلغ 24.8 مليار دينار أو ما نسبته 91 % من الناتج المحلي الاجمالي المقدر، والبالغ 27 مليار دينار وفقا لأرقام النقد الدولي.
وتعزو الحكومة ارتفاع المديونية نتيجة كفالتها مديونية شركة الكهرباء الوطنية (نيبكو) جراء انقطاع امدادات الغاز المصري منذ نهاية 2010 بالتزامن مع بداية الربيع العربي وما تلاه من احداث سياسية واقليمية في المنطقة.
ويلاحظ بأن رئيسية بعثة النقد الدولي للاردن سابقا كريستينا كوستيال ذكرت في بيانات نشرت على موقع النقد الدولي وتحديدا في آب (أغسطس) 2012، أن "هدف البرنامج تخفيض الدين العام.."، علما بأنها انهت مهمتها وتزور الاردن في اطار تسليم المهمة لسلفها من المؤسسة الدولية.
وعلى الرغم من النداءات لمساعدة المملكة بمسألة اللاجئين السوريين وتدفقهم والذين يقدرون بـ 1.3 مليون نسمة عبر تقديم المنح فتقول ان لغة التفاوض من قبل النقد الدولي وعلى رأسهم رئيس البعثة الجديد ينظر الى أن الوعود العالمية هي تمويلات ميسرة وقروض وليست منحا وعلى أساسها يتم التفاوض مع المسؤولين الحكوميين في الاردن".
وعلى الرغم من كل تلك المسببات وما أدت الى نتائج، فإن الارقام الرسمية تشير الى فشل برنامج الاستعداد الائتماني بالحد من ارتفاع المديونية حيث قفزت منذ بداية البرنامج بنهاية 2012 من 75.5 % للدين العام نسبة الى الناتج المحلي الاجمالي الى 84.2 % في نهاية 2015، بينما ترتفع هذه النسبة في حال تم أخذ رقم الدين كإجمالي الى 91.7 % بنهاية العام الماضي .
كذلك، وبالنظر الى نصيب الفرد من الدين العام، منذ بدء تطبيق برنامج الاستعداد الائتماني مع صندوق النقد الدولي، يظهر أن حصة الفرد في 2012، بلغت 3439 دينارا ارتفعت لتصل الى 3811 دينارا بنهاية 2014، بمعنى أن حصة الفرد من الدين العام ارتفعت بمقدار 400 دينار.
وتحدث برنامج الاستعداد الائتماني صراحة عن نمو جيد في المدى القصير والمتوسط، مشيرا إلى أن الاجراءات التي تتخذ لا تضر الطبقات الاجتماعية والتي تمت باكورتها في نهاية 2012، بتحرير معظم أسعار المحروقات، بل أيضا تقاضي رسوم وضرائب على البنزين (90) و (95) والسولار والكاز حتى باتت مصدرا لرفد الخزينة؛ حيث أن التقديرات لتنفيذ ذلك القرار وفر للخزينة قرابة 800 مليون دينار.
على أرض الواقع يعاني الاقتصاد الوطني من ضعف في معدلات النمو ودون 3 %، فيما معدلات البطالة ارتفعت بنسبة 1 %، وتعالت شكاوى القطاع الخاص من الاجراءات والقرارات الحكومية في ظل الظروف الصعبة التي تؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني. فمعدلات البطالة بنهاية 2012، كانت عند 12.2 % وبنهاية العام الماضي 13.1 %.
وبتفصيل أكثر، يلاحظ أن نصيب الفرد من الدين العام خلال برنامج الاستعداد الائتماني زاد بمقدار 483 دينارا، وهو مؤشر يعتمد قسمة الدين العام على اجمالي عدد السكان والبالغ 6.7 مليون نسمة، بينما نجد حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي ارتفعت بمقدار 548 دينارا.
وعلى ضوء تلك المعطيات، فإن الاجراءات التي اتخذت ادت الى اضعاف القدرات الشرائية، وربما أن القدرات الشرائية كانت ستكون أضرارها أكبر لو لم تثمر التطورات الخارجية بانخفاض اسعار النفط وهبوط اليورو واجراءات البنك المركزي عبر تخفيض أسعار الفائدة عدة مرات في اطار سعيه لتنشيط الاقتصاد، وهو ما خالف به مرات عديدة صندوق النقد الدولي وقد اثبت صحة رؤيته.
وتأثرت كذلك أرقام الاستثمار المباشر؛ حيث كانت في نهاية 2012 ما مقداره 1.063 مليون دينار إلا أنها حاليا حول 465 مليون دينار مع انتهاء عمر البرنامج والاجراءات التي اتخذت خصوصا فيما يتعلق بالكهرباء.
ويعتبر تقليص العجز في الحساب الجاري من بين المؤشرات الايجابية؛ حيث استفاد من هبوط أسعار النفط بشكل رئيسي؛ إذ كانت نسبته قبل البرنامج 3.3 مليار دينار أو ما نسبته 15 % أمن الناتج المحلي الاجمالي ومع نهاية العام الماضي تقلص الى 7 % من الناتج المحلي الاجمالي.