التعديل الوزاري «لم يحدث فارقاً» ومزايا «الجنسية» لا تغري المستثمرين في الأردن

هوا الأردن -
هوا الأردن - بسام البدارين
يصر وزير المالية الأردني عمر ملحس على ان المبالغة في الحديث عن تراجع الواردات للخزينة بعد سلسلة الإجراءات الاقتصادية الخشنة الأخيرة لا يحاكي الواقع. رقمياً لم تعلن الحكومة عن أي شيء محدد يسقط تلك النظرية التي بدأت تطفو على السطح السياسي والبرلماني وتقول بان التصعيد الضريبي والتسعيري انتهى بانكماش السوق وتقليص غير متوقع في عائدات الخزينة من بند الضرائب والأسعار.
ففي اجتماعات لجنة التنمية التي تضم وزراء الخدمات والمطبخ الاقتصادي في الحكومة وكذلك في مهامسات جانبية مع النواب المختصين يؤكد الوزير ملحس أن عائدات خزينته من الضرائب ومع قرب نهاية الربع الأول من العام 2018 في معدلها السنوي لا بل تزيد في بعض التفصيلات. ما يريد ان يقوله ملحس هنا بسيط وهو ان الانكماش صغير ومحدود والتقديرات التي تأسست عليها ميزانيته المالية للعام الحالي دقيقة إلى حد بعيد.
الوزير نفسه يندد بفكرة التجار والصناعيين ودافعي الضرائب حول ضعف الواردات العائدة للحكومة ويريد ان يثبت أن ما يحصل في السوق المحلية بعد إجراءات التصعيد الضريبي طبيعي وضمن المعدل المتوقع والمحسوب رغم ان بعض الاصوات ومن داخل الادارة البيروقراطية في الدولة تتحدث عن أرقام غير مشجعة وتحذر من الاستمرار فيما يصفه رئيس اللجنة المالية الأسبق في البرلمان يوسف القرنة بأنه إجراءات تنطلق من قواعد المحاسبة المالية والرغبة في جباية المال فقط وليس من قواعد الفكر الاقتصادي.
قناعة لا يصادق عليها
في كل حال تلك قناعة لا يصادق عليها الرئيس الحالي للجنة المالية أحمد الصفدي الذي تواري قليلاً عن الأنظار وخفف من قواعد الاشتباك العلني ومن التعليق على المجريات بعدما وصف في نقاش سابق وتفصيلي عن الميزانية التي أنجزها مع الحكومة وأقرها البرلمان بانها كانت اضطرارية.
لافت جداً في السياق ان الادارة المالية في الحكومة تنكر وجود تأثير سلبي يتحدث عنه الخبراء في البرلمان وخارجه لإجراءات التصعيد الضريبي وتحديداً على المساحة المخصصة لبند واردات الخزينة.
ولافت أكثر ان حديث وزير المالية عن سقوط نظرية تقلص عائدات الخزينة جراء التصعيد الضريبي لا تسانده أرقام أو إفصاحات حكومية في الوقت الذي يتتبع فيه الاعلام بعض المؤشرات والتي تقول وقبل أيام قليلة فقط من انتهاء الربع الأول المالي للعام الحالي أن المصادقة والتسجيل على معاملات سيارات الكهرباء تحديداً بعد مضاعفة جماركها أربع مرات وصل إلى النقطة صفر حيث لم تسجل ولا مركبة واحدة جديدة، الامر الذي ضرب سوق هذا النوع من السيارات.
يبدو أن تأثيرات تقلص العائدات قد تطال ايضاً قطاعات من بينها أيضاً الصناعية وقطاع تسجيل الأراضي في الوقت الذي اعلن فيه وزير التخطيط عماد الفاخوري بان الحكومة بصدد اقتراض نحو مئات الملايين من الدولارات مما يعني ان إجراءات التشدد الاقتصادي الخشنة الأخيرة وبالرغم من زيادة واردات الخزينة بعدها بسبب رفع الاسعار لم توفر الحماية بعد للمواطن الأردن من الإقتراض الخارجي بعد استنفاد الإقتراض الداخلي.
في كل حال وبالنتيجة ووفقاً للقرنة ورفاقه وخبراء عديدين لا يريد الطاقم الذي يدير الأمور الإقرار بتقلص عائدات الخزينة وهو امر يؤدي في حالة التوقف رسمياً عنده إلى تسليط الضوء على خطأ الحسابات الحكومية وهو ما لا يريده في كل الأحوال رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي.
إنكار الحكومة
الرد على إنكار الحكومة في هذا الاتجاه ممكن عبر الإشارة إلى تراجعها عن بعض القرارات والتخبط في ادارتها الاقتصادية وعدم ملامسة أي فارق عملي بعد التعديل الوزاري الموسع الأخير الذي زاد كمية وزراء الاقتصاد وقلص كثيراً من عدد وزراء السياسة في محاولة للإشراف مباشرة على تفاصيل من الواضح انها تفلت من يدي الطبقة التكنوقراطية التي تحكم الأمور وفقا لذهنية وعقلية الجباية وبدون تعمق وتأمل في فهم اعماق أنماط الاستهلاك والثقافة الاجتماعية للأردنيين.
النائب المخضرم خليل عطية لفت النظر وأكثر من مرة إلى ان الذهنية التي تدير الإجراءات الاقتصادية على أهميتها تسقط من اعتباراتها بشكل ملموس ذلك الجزء المتعلق بفهم طبيعة المواطن الأردني والشرائح الاجتماعية لأن النتيجة الطبيعية لغلاء الاسعار وارتفاع الضرائب هي ترشيد الاستهلاك وعلى اهمية هذا الترشيد في البعد الوطني لا بد من ان تقدر الحكومة تأثيرات مثل انماط الترشيد الاضطرارية على تقديراتها في مسألة العوائد.
وهنا تقدم الحكومة أدلة على تراجعات حصلت يومياً فقطاع الإسكان مثلا يشتكي وبعنف والمزايا المعلن عنها تحت بند الجنسية والاستثمار لم تغرِ الكثيرين وبعد التراجع عن ضريبة الدواء يبدو ان الإصرار على ضريبة مدخلات الانتاج الزراعي سيؤدي إلى مشكلات معقدة ذات بعد له علاقة بالأمن الغذائي لاحقًا.
كما يبدو ان الحكومة تبحث عن طريقة للتخلص من وصفتها السابقة في مجال ضريبة فرضت على السيارات حسب وزنها.
مجمل هذه الإشكالات يصمت عنها الوزراء في فريق الملقي وسط الإصرار على تبرير الإجراءات التي تتسع قاعدة من يتحدثون عن اخطاء في حساباتها ووسط – وهذا الأهم – التوسع الأفقي في ثقافة الإنكار المربكة.