هل كان انهاء اتفاقية "الباقورة و الغمر" رداً على محاولة إرضاخ الاردن للضغوطات الامريكية والاسرائيلية؟

هوا الأردن -
أعلَن الملك عبد الله الثاني الثاني قبل يَومَين وَقفَ العَمل بالمُلحَق الخاص بمُعاهَدة وادِي عربة الأُردنيّة الإسرائيليّة بتَأجيرِ أراضِي مِنطَقتيّ الباقورة والغمر لإسرائيل، وهِي خُطوةٌ رَفَضتها السُّلطات الإسرائيليّة، وهَدّدت على لِسان أوري أرئييل، وزير الزراعة، بتَقليصِ ضَخِّ المِياه إلى العاصِمَة الأُردنيّة مِن أربَعةِ أيّامٍ إلى يَومين كإجراءٍ انتقامِيٍّ.
هَذهِ الخُطوة الأردنيّة التي تَحظَى بدَعمٍ شَعبيٍّ كاسِحٍ جاءَت في الوَقتِ المُناسِب داخِليًّا وخارِجيًّا، وتَحمِل رِسالةً قويّةً تُفيد بأنّ القِيادة الأُردنيّة دوماً تَستجيبُ لمَطالِب الشَّعب الأُردنيّ، وتَرفُض جميع الضُّغوط الأمريكيّة والإسرائيليّة التي تُمارَس عليها للرُّضوخ لمُحاوَلات التَّهميش، والقُبول بصَفقةِ القرن، وأبرز عَناوينها التَّنازُل عَن الوِلاية الدينيّة الهاشميّة على مَدينة القُدس المُحتلَّة والأماكِن المُقدَّسة، المسيحيّة والإسلاميّة فيها.
الأُردن يَمُر بظُروفٍ اقتصاديّةٍ صَعبَةٍ، ويُواجِه عُقوقًا ماليًّا مِن قِبَل الدُّوَل الخليجيّة التي نَكَثَت بالعُهود والوعود، ولذلِك قرَّرت حُكومته اللُّجوء إلى الشَّعب مِن خِلالِ فَرضِ الضَّرائِب، وسَحبِ الدَّعم عَن العَديد مِن السِّلع الأساسيّة، وكانَ لافِتًا أنّ هذا الشَّعب لن يَخذِلها، خاصَّةً إذا اتَّخذت القَرارات والسِّياسات التي تُلَبِّي مَطالبه الوطنيّة وأبرزها الوُقوف في خَندق القضيّة الفِلسطينيّة، ورَفضِ صفقة القرن التي تُريد تصفيتها بالتَّقسيط، وتَحويل الأُردن إلى وَطنٍ بَديلٍ في إطارِ صِيَغٍ مَلغومةٍ مِثل الكونفدراليّة التي تَهدِف إلى تَحويلِ العِبئ السُّكّانيّ الفِلسطينيّ في الضِّفَّة إلى كاهِل الأُردن، وإلغاءِ حق العَودة، بِما يعني تَوطين مَلايين الفِلسطينيين، وطَمْسِ حُقوقِهم.
أحَد الذين التقوا الملك عبدالله أخيرًا، أكَّد لنا أنّه مُتمَسِّكٌ بحَل الدَّولتين ، وقِيام الدولة الفِلسطينيّة المُستَقِلَّة وعاصِمتها القدس، و لن يَقبَل مُطْلقًا الدُّخول في أيِّ مُفاوضاتٍ حول الكونفدراليّة إلا بعد قِيام هَذهِ الدولة على حُدود عام 1967 كامِلةً، وقال هذا المَصدر أنّه سيَتمسَّك بكُل ما وَرَدَ في خِطابِ العَرش حول مُحارَبة الفَساد، والقَضاء المُستقل، ووضعِ حَدٍّ للتَّرهُّل الإداريّ وُصولًا إلى الدولة المُنتِجة، لأنّه لا يُوجَد أي بَديلٍ آخَر لإنقاذِ الأُردن وأمْنِه واستقرارِه.
لا يُمكِن النَّظَر إلى هَذهِ الخَطوة الأُردنيّة الجَريئة، والمُخالِفة للتَّوقُّفات التي كانَت مُطمَئنّةً دائِمًا لرُضوخٍ رَسميٍّ أُردنيٍّ لمَطالِب أمريكا وإسرائيل وإملاءاتِهما، إلا مِن خلال خُطوة أُخرى تَصُب في التَّوجُّه نَفسِه، وهِي فتح معبر جابر نصيب الحُدوديّ مع سورية، والتَّحسُّن الكَبير والمُتسارِع في العلاقات بين البَلدين الجارَين.
الضُّغوط الأمريكيّة الإسرائيليّة ستتعاظَم في الأسابيع والأشهُر المُقبِلة لحَثِّ الأُردن للتَّراجع عَن قَرارِه بإنهاءِ العَمل باتِّفاق تأجيرِ أراضي مِنطَقتيّ الباقورة والغمر، سِواء بَشَكلٍ مُباشِرٍ، أو بطَريقةٍ التفافيّةٍ، ومَن غير المُستَبعد أن يتم إشهار سيف المَعونات الأمريكيّة، والتَّهديد بقَطعِها في ظِل سيطرة الحُكومة الإسرائيليّة على إدارة ترامب عبر صِهره جاريد كوشنر المُستشار الخاص، ولذلِك فإنّ الأمر يتَطلَّب دَعْمًا شَعبيًّا للحُكومة لإقدامِها على هَذهِ الخُطوة، وكُل الخُطوات الأُخرَى المُماثِلة التي تأتِي في زَمنِ التَّطبيع العَربيّ المُتزايِد، والحُلول الرَّامِية لتَصفِيَة القَضيّة العَربيّة المَركزيّة الأُولى والمُقدَّسات الإسلاميّة والمَسيحيّة.
رُبّما يَكون الأُردن ضَعيفًا مِن النَّاحِيةِ الاقتصاديّة ولكنّه قَويٌّ بمَكانَته، وخُطورَة البَدائِل له التي تَعنِي الفَوضى وعَدم الاستقرار، مِثلَما هو قَويٌّ بشَعبِه الوَطنيّ العَربيّ الأصيل الذي لم يُفَرِّط مُطلقًا بقَضايا أُمّته، وكانَت بُوصَلته تُؤشِّر دائِمًا نَحو فِلسطين، وحتميّة عَودَة تُرابِها، كُل تُرابِها، ومُقدَّساتِها لأهلِها المُرابِطين المُقاوِمين.
وَقْف العَمل بالمُلحَق الخاص المُتعَلِّق بتأجير أراضي الباقورة والغمر لإسرائيل يَجِب أن يكون مُقَدِّمةً لإلغاءِ مُعاهَدة وادي عَربة بِكُل بُنودِها، أو هكذا نأمَل ونَتَمَنَّى.. ولعَلَّها البِدايَة. رأي اليوم