نشتري الآخرة بالدنيا .. "إن الله يحب أن تؤتى رخصه"
هوا الأردن - كتب اسلام العياصرة
مشاعر وروحانيات جياشة ومطالب لاعادة فتح المساجد تطفو على واجهة منصات التواصل الإجتماعي بعنوان افتحوا المساجد والتي جاءت بالتزامن مع قرارات حكومية باستئناف العمل في عدة قطاعات ضمن شروط صحية وتدبير احترازية مشددة .
هذه المطالبات التي انطلقت من روحانية دينية معتادة في شهر رمضان الفضيل لم تكن بالمستوى المطلوب من التناغم مع قرارات الحكومة التي ما تزال ترى أن التباعد الجسدي والعمل على الوقاية هي ضرورة في وقت تجتاح فيه الكورونا عدة دول ، ولا اخفي عليكم ان عدم التزام فئة قليلة من المواطنين بالتدابير واستهتارهم بحياة الناس هو منبع الخوف لدى الحكومة من اعادة فتح المساجد ، والتي ما تزال ترى ان الوقت مبكر للحديث بهذا الصدد رافضة الانصياع لرغبات البعض وان كانت مواقع التواصل تضج بالمطالبات لاعتقاد البعض ان السيطرة على المساجد ومرتاديها سيكون سهلاً كما حدث في بعض القطاعات التي تم استئناف العمل بها.
وانطلاقا من نص الحديث النبوي "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه" ومن منطلق هذا الحديث النبوي الذي رواه الامام احمد وابن حبان ، حيث جاء لتسليط الضوء ولفت الانتباه الى ان الاحكام الشرعية التي جاء ما شُرِع فيها أصالة للظروف العادية، وما شُرِع منها للحالات الاستثنائية تخفيفاً على المكلف، فما شرع للحالات العادية يسمى عزيمة، وما شرع للحالات الاستثنائية يسمى رخصة ، هو ما يقودنا الى التفكر في استغلال هذه الرخص واعادة الروحانيات الى منازلنا واقامة العبادات فيها واستغلال وقتنا بالشكر والحمد على نعمة السلامة ، وتطبيق فضائل الشهر المبارك ، فالعبادة لم تقتصر على المسجد يوما وانما يمكننا اقامتها في كل مكان وزمان وهذا دليل على رخص ممنوحة من العلي القدير للمؤمن بانه مؤكل باداء الفروض اعمدة الدين بشتى الطرق والاوقات والخير باق فينا الى يوم يبعثون.
المشهد لا يخلو كالعادة من صائدي الماء العكر لاثارة البلبلة واظهار الحكومة على انها الحادية تعمل ضد الاسلام ، وسط اصرار حكومي على عدم الخضوع لهذه المطالبات والتي باتت تثير زوبعة من الانتقادات نحو حكومة الرزاز التي نجحت باقتدار في ادارة ملف جائحة الكورونا بالأردن ، الا ان العبادة لا تتوقف باغلاق المساجد او فتحها وانما يمكننا التوحد خلف مصلحة عامة وهي الوقاية ودرء الخطر ، وقد ينتاب البعض ان هذا المقال ضد فكرة اعادة المساجد وهو ما انكره جملة وتفصيلا ، ولكنه اقرار بان الهدف من إغلاق المساجد ليس لمنع الصلاة كما يدعي البعض، بقدر ما هو منع للتجمعات التي تساعد على نقل عدوى المرض كما اعلنت وزارة الاوقاف واكدته تصريحات وزيرها فضيلة الدكتور محمد الخلايلة والذي اعرفه معرفة شخصية لابل انني على يقن بان الرجل لن يبيع اخرته ليشتري الدنيا مهما بلغ الثمن ، فهو الزاهد والمثابر لنصرة الدين ومنابر الوسطية والاعتدال ، وقد قصدته في عدة قضايا لا يسعني ذكرها لاحقاق الحق ونصرة الايتام وازالة التشوهات من امام عدد من بيوت الله ، ليفاجئني بتواجده الميداني في موقع كل ملاحظة ومتابعته لادق التفاصيل ، فهل ننكر على الرجل دينه وتقواه .
عدم الالتزام وخوف لجنة الأوبئة من اعادة تفشي المرض وظهور حالات جديدة ، هو السبب ، ولا اعتقد ان الوزير الخلايلة سيكون اقل حرصا من اي شخص فينا على ان تعاد اقامة الصلاة في المساجد ، الا ان القرار ما يزال صعبا ً في ظل رصد صور من عدم الالتزام .
وقد يتناسى البعض ان الأردن .. بلد هاشمي .. يرعاه قائد فذ من نسل طاهر لا يقبل المساس بالدين ولعل هذا الملف اخطر ما قد يوضع على طاولة الملك في اي وقت كان ، والذي تحدث صراحة خلالة كلمة وجهها للأردنيين عن امله في أن تنار القباب وتفتح المساجد ودور العبادة قريبا ، إلا ان إعلا قيمة الصحة وحماية الناس كانت عنوان العمل في جائحة الكورونا .
وزارة الأوقاف وهي تقيس في جميع أمورها المصالح والمفاسد ، ومعلوم أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ، وأن المفسدة اليسيرة قد تحتمل لأجل تحقيق مصلحة عظيمة ، لن تتوانىء عن اتخاذ قرار صائب بهذا الشان حال زوال الموانع .
وانا على يقين وثقة مطلقة أن وزارة الأوقاف ووزيرها الخلايلة يتمنى ويرجو أن تفتح المساجد اليوم قبل الغد لكن الظرف استثنائي بإمتياز وندعو الله أن يرفع الكرب وتعود المساجد إلى ذكر الله.
فزوال العلة وانحصار المرض واتباع الأردنيون للإجراءات الوقائية بشكل سليم هو الضامن لاتخاذ قرار اعادة فتح المساجد .. فهل نفعلها بالتزامنا حتى تعود البهجة الى منابرنا ومساجدنا في القريب العاجل . والله من وراء القصد .