حقائق صادمة تشي بها دراسة «Covid-19 الأردنية»
في بداية شهر تموز الماضي تم الإعلان عن حصول دراسة حول الأجسام المضادة وقياس مناعة المجتمع الأردني على الموافقات الرسمية اللازمة من وزارة الصحة واللجنة الوطنية للأوبئة.
ويعتقد بأنها بدأت في الرابع عشر من الشهر ذاته حسب تصريح مديرة مديرية الأمراض السارية في وزارة الصحة، هديل السائح، والتي صرحت بأن الدراسة ستتم بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية على ثلاث مراحل، بحيث تستغرق كل مرحلة منها شهرا.
فوفق ما تم التصريح به، فإن الوزارة اعدت للمرحلتين الأولى والثانية ثمانية آلاف عينة، أربعة آلاف في كل مرحلة؛ تؤخذ على شكل عينات عشوائية من مختلف مناطق المملكة، وأن هدف الدراسة الكشف عن إصابات غير معروفة المصدر خاصة وأن نسبة كبيرة من مصابي فيروس كورونا المستجد لا تظهر عليهم الأعراض وهو ما يتيح معرفة مدى انتشار عدوى الفيروس في صفوف الأردنيين والمقيمين.
وكشفت معلومات أخرى أن مختبرا طبيا يتبع للقطاع الخاص قد أجرى هذا النوع من الدراسة في ذلك الوقت بالتعاون مع مركز أبحاث أمريكي.
وقد تزامن الإعلان عن هذه الدراسة إعلان مستشفى الجامعة الأردنية وفقا لمدير عام مستشفى الجامعة الأردنية، عبد العزيز الزيادات، عن نيته إجراء ذات الدراسة البحثية حول الاجسام المضادة في المجتمع بالتعاون مع المركز الوطني للسكري والغدد الصماء بالإضافة الى مستشفى آخر، بعد الحصول على الموافقات من وزارة الصحة.
وتتلخص فكرة الفحوصات في إطار مثل هذه الدراسات بانها تتم عبر الحصول على عينات من الدم ضمن فحص يسمى (الاختبار المصلي أو اختبار السيرولوجيا)، لتحديد ما إذا قام الجسم بتكوين أجسام مضادة للفيروس ينتجها الجهاز المناعي للإنسان.
وإذا أظهرت نتائج الاختبار أن هناك أجساما مضادة، فإن ذلك يشير إلى احتمال الإصابة بـ ”كوفيد 19″ فيما مضى؛ ما يعني ان المصاب قد اكتسب المناعة ضد المرض.
وفي الوقت الذي يعد فيه هذا النوع من الاختبارات مفيدا في تحديد عدد الأفراد الذين اجتازوا أو يجتازون المرض "في صمت” وحجم الإصابات غير المسجلة، إلا أن هناك فوائد أخرى مرجوة من إجراء اختبار الأجسام المضادة بدقة وهي أن الأشخاص الذين تعافوا من كوفيد 19 قد يكونون مؤهلين للتبرع بالبلازما لعلاج أشخاص آخرين مصابين بأعراض خطيرة وتعزيز قدرتهم المناعية على محاربة الفيروس.
حتى هذه اللحظة لم يتم الكشف عن النتائج الكاملة لهذه الدراسات المهمة جدا لتقييم الواقع الوبائي في الأردن واللازمة لبناء استراتيجيات التعامل مع الوباء وتصميم مصفوفاته، ما يثير التساؤل ويسجل في رصيد عدم الشفافية ويضفي ضبابية على المشهد الطبي في إدارة ملف أزمة كورونا.
أولى التسريبات عن نتائج دراسة وزارة الصحة حول الأجسام المضادة كانت في مقابلة الدكتور عبيدات في 17/8/ 2020 مع قناة CNN بالعربية عندما صرح ” أظهرت الدراسة بأن هناك أجساما مضادة لنسبة أكبر من عدد الإصابات التي سجلت؛ من الواضح أن هناك أشخاصا أصيبوا دون ظهور أعراض ودون تشخيص سابق”.
ليعود المتحدث باسم لجنة الأوبئة الدكتور عبيدات ليكشف لبرنامج صوت المملكة يوم الأربعاء الماضي عن نتيجة رئيسية من المرحلة الأولى لهذا المسح من خلال إجابته على أسئلة مقدم البرنامج التي ألح في طرحها حيث بدى عبيدات بأنه لم يخطط للحديث عن هذه الدراسة عندما صرح بما يشبه من يطلق وشاية "إن الأردن أجرى دراسة حول قياس الاجسام المضادة والمناعة المجتمعية، وقد انتهت المرحلة الأولى من الدراسة وسحبت عينات دم من 4500 شخص موزعين على مناطق مختلفة من الأردن وبشكل عشوائي، وبينت النتائج أن 2.5 شخص لكل ألف شخص قد أصيبوا بالفيروس، أي حوالي 25 ألف شخص”.
وأضاف عبيدات بإن الأردن يتأرجح بين المرحلتين الثالثة المتمثلة ببؤر عدة لفيروس كورونا المستجد والرابعة المتمثلة بالتفشي المجتمعي.
بعد هذا التصريح الأخير سارعت المواقع والقنوات الإخبارية بتناقل هذا الخبر كخبر عادي دون التوقف عند تبعاته ومحاذيره ودلالاته وتفسيراته العلمية، ودون أن ينبري أي من المتخصصين وأطباء علم الفيروسات دائمي الحضور على الفضائيات والمحطات الإذاعية بتناول هذه المعلومات بالتحليل العلمي وإسقاطها على الواقع الوبائي في الأردن الذي يبدو مختلفا كليا عن كل ما يدلى به من قراءات وتصريحات على المستويين الرسمي وغير الرسمي والأكاديمي ايضا.
الخبر بما وشى به من معلومات ليس عاديا بكل المقاييس العلمية والمنطقية والموضوعية، فمن بديهيات الحقائق عن هذا الفيروس أنه سريع الانتشار ما يعني بالضرورة أن الأعداد التي كشفت الدراسة على أنها قد أصيبت ستتسبب بنقل العدوى لغيرهم من الأشخاص ولا ينتهي المرض عندها، بل سيواصل الانتشار بمتوالية هندسية تقود إلى حالة التفشي (المرحلة الرابعة) والتي أعتقد أننا قد وصلنا إليها مع بداية شهر آب الماضي.
فبحسبة بسيطة لكنها غاية بالعلمية والمنطق، فإن طبيعة هذا الفيروس سريع الانتشار وينتشر بمعدل انتشار (أو تكاثر أو تفشي) كبير كفيل بمضاعفة عدد المصابين المقدر حسب نتائج الدراسة (26800 شخصا تقريبا في شهر تموز الماضي وهو فترة الدراسة).
ويمكن تقدير عدد المصابين بعد فترة بسيطة، أسبوعا مثلا، حيث سيصل عدد من سيصيبهم المرض 107 ألاف مصاب تقريبا؛ بافتراض أن معدل الانتشار (Reproduction Rate (Ro)) هو 3؛ وهو المعدل العالمي له (أي أن كل شخص يتسبب بعدوى ثلاثة أشخاص أخرين).
ويمثل هذا الأثر المباشر الأول دون احتساب نتائجه المترتبة بطريقة المتوالية الهندسة في الفترات التالية.
ولا أرغب صراحة في إجراء هذه الحسبة البديهية كوني لا أرغب بأن أصدم بنتيجة ستثير الذعر حتما، وأترك أمر احتسابها لذوي الاختصاص.
لا شك بأن نتيجة هذه الدراسة تشي بكثير من الاستنتاجات وتؤشر على كثير من الأمور الصادمة والخطيرة وتفسر أسباب تطور الوضع الوبائي الحالي ولماذا وصلنا إليه وتتوقع ما سيكون عليه الوضع في الفترة القادمة من انتشار واسع تدل عليه أعداد الإصابات هذا اليوم.
إلا أن ما يشكل صدمة أخرى ويثير التساؤل والحيرة هو امتناع أدارة ملف كورونا عن الكشف عن هذه النتائج منذ فترة طويلة نسبيا، منذ بداية شهر آب تقريبا، وكذلك أيضا عن نتائج دراستي الجامعة الأردنية والمختبر الخاص. كما تثير عديد التساؤلات وتلقي بالشكوك حول ادعاءات خلو الأردن من كورونا او عدم وجود أصابات محلية وتوجيه الأنظار إلا أن الفيروس مستورد ولا يأتي إلا من خلال عابري الحدود إلينا، وتحميل وزره للمغتربين اللذين أوصدت الأبواب في وجوهم دون المواطنين المحليين.
كما أن تغييب حقيقة وجود كورونا مستوطنا فينا ساعد في قرارات فتح القطاع تلو القطاع بينما بقينا نسمع ادعاءات اختلافنا عن محيطنا وعن العالم وأننا الأوفر حظا للحصول على أول شهادة عالمية بأردن أمن وخالٍ من كورونا تشجع على عودة السياحة الخارجية والعلاجية.
ربما مثلي كما غيري قد أكون شعرت بالاستغراب من تحذير هيئة الصحة الأمريكية من خطورة الوضع الوبائي في الأردن وتصنيفه بالدرجة الثالثة ومن الاتحاد الأوربي الذي أبقي الأردن ضمن القائمة الحمراء وذلك في وقت مبكر أي في السادس من آب الماضي، وأظن أنهم ما كانوا ليقدموا على هذه الخطوة لولا علمهم واطلاعهم الوثيق على نتائج هذه الدراسة وتداعياتها وربما على نتائج الدراستين الأخريتين.
ليس الهدف من هذا المقال إثارة الذعر ولا جلد الذات ولا دعوة لمحاسبة أحد، لكنه دعوة للاعتراف بالواقع الوبائي المرير بكل شفافية وصراحة دونما تجميل او تبرير ليكون منطلقا لتقييم شامل وجريء لوضعنا الوبائي اليوم ووضع استراتيجية جديدة وجريئة تضمن المضي بنا إلى بر الأمان وتضمن للوطن منعته وسلامته وسلامة أبنائه وتدفع المواطن لكي يكون شريكا فاعلا في محاربة هذه الجائحة من خلال تزويده بالوعي الذي تولده هذه المصارحة الشفافة، لا بالتخويف والتهويل.
الأمر ليس صعبا؛ فنماذج النجاح في التعامل مع الوباء حاضرة في كثير من دول العالم والجوار، ويكفينا استلهامها حالا دون إبطاء.