333 محكوماً استبدلوا الزنزانة بعقوبات مجتمعية
استطاع 333 محكومًا بجرائم جنحوية بسيطة من مغادرة الزنزانة السَّالبة للحرية، والمحافظة على مصدر رزقهم والبقاء مع عائلاتهم، بعدما قرَّرت المحكمة استبدال عقوبة الحبس بخدمة اجتماعية في عدد من مؤسسات الدولة، جاءت منسجمة مع الأعراف والمواثيق الجنائية الدَّولية.
تعديلات قانونية على قانون العقوبات الأردني، أتاحت للمحكمة، بناء على الحالة الاجتماعية وموافقة المحكوم عليه فيما خلا حالة التكرار بأن تقضي بإحدى بدائل الإصلاح المجتمعية أو جميعها، عند الحكم بوقف تنفيذ العقوبة الأصلية للمحكوم، في تعديل تشريعي ضمن مسيرة الإصلاح التي يتبعها المشرِّع الأردني منذ سنوات.
أرقام وزارة العدل التي حصلت عليها وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، تشير إلى أنَّه ومنذ بدء سريان العمل بالعقوبات المجتمعية وحتى تاريخ 31 آب من العام الحالي، بلغ عدد قرارات الأحكام القضائية القاضية بهذه العقوبات 333 قرارا، تم تطبيق العقوبات على 133 حالة، من بينها 19 حالة في شهر آب الماضي، و114 حالة مدورة منذ العام 2018 - 2020.
وتبين أرقام الوزارة أنَّ 130 حالة هي لأشخاص أعمارهم أقل من 25 عامًا، و156 حالة تراوحت أعمارهم بين 26 – 45 عامًا، بينما كان هناك 47 حالة أعمارهم تجاوزت الـ47 عامًا، وأنَّ 310 حالات مستفيدة كانت لأشخاص يحملون الجنسية الأردنية، بينما 23 حالة لجنسيات أخرى، توزعت على 307 حالات لذكور، و26 حالة إناث.
وتوزعت الحالات المستفيدة على مختلف مناطق المملكة، حيث كانت 87 حالة في الشمال، نُفذ منها 40 حالة ،وما زالت 47 حالة قيد التنفيذ، وفي وسط المملكة كان هناك 220 حالة، نفذ منها 78 حالة، وما زالت 142 قيد التنفيذ، أمَّا في جنوب المملكة فاستفادت 26 حالة من العقوبات المجتمعية، تم تنفيذ 15 حالة بينما ما زالت 11 حالة قيد التنفيذ.
وقال وزير العدل الدكتور بسَّام التَّلهوني لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، إنَّ بدائل الإصلاح المجتمعي تهدف إلى تجنب الآثار السلبية للعقوبة السَّالبة للحرية بإعطاء المحكوم عليه بالجرائم البسيطة فرصة للبقاء ضمن النسيج الاجتماعي، ومعالجة الاكتظاظ في مركز الاصلاح والتأهيل، وما يترتب عليه من عبء مالي على خزينة الدولة، ويمنع اختلاط المحكومين المبتدئين بالخطيرين، وانتشار العدوى والسلوك الجرمي.
وأضاف إنَّ هذا نابع من الرؤية الملكية السَّامية في الورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، والتي جاءت تحت عنوان "سيادة القانون أساس الدولة المدنية"، وبناء عليها تم إدخال بدائل الإصلاح المجتمعي ضمن التعديلات الأخيرة التي تمت عام 2017، لقانون العقوبات، حيث تمَّ إضافة المادة "25 مكرر"، والتي نصت على بدائل الإصلاح المجتمعي، والمادة "54 مكرر ثانيا" والتي نصَّت على شروط تطبيقها.
وأشار الى أنّه ووفقَ التعديلات القانونية الأخيرة على قانون العقوبات بهذا الخصوص، يحق للمحكمة عند الحكم في جناية أو جنحة أو الحبس مدّة لا تزيد على سنة واحدة أن تأمر في قرارها إيقاف تنفيذ العقوبة، وفقاً للأحكام والشروط المنصوص عليها في هذا القانون، إذا رأت أنَّ من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سِنِّه أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنّه لن يعود إلى مخالفة القانون.
ولفت إلى أن مخالفة القانون تكون في بعض الأحيان بسبب ثورة غضب أو اضطراب في السلوك وبالتالي جاء قرار الأردن بإيجاد بديل يؤهلهم عبر دورات سيطرة على الغضب.
وبين أنَّ هذه العقوبات البديلة لها فوائد كبيرة على المجتمع والمحكوم، حيث إنَّ المحكوم لن ينقطع عن مصدر رزقه والذي سيشكل انقطاعه عبئًا على عائلته وأطفاله، ومن أجل ذلك وقعت الوزارة مذكرات تعاون مع وزارة الزراعة والأوقاف والشباب والإدارة المحلية والتربية والتعليم وأمانة عمَّان الكبرى، مع مراعاة النوع الاجتماعي وذوي الإعاقة، وتوفر بدائل تتناسب مع فئاتهم وخصوصيتها.
وقال إنَّ العقوبات المجتمعية أصبحت جزءًا مهما من نظام العدالة الجنائية، وتم إدراجها في العديد من مذكرات الأمم المتحدة وأخذت بها معظم التشريعات الدولية والإقليمية، لأثرها الإيجابي الكبير على المجتمع والفرد والدولة.
واوضح أن تطبيق العقوبات بعد عامين ترك أثرا لدى العديد من العائلات والمستفيدين من هذا النظام وبدأ العديد منهم تنفيذ العقوبات وتتم متابعة التنفيذ وفق آلية واضحة ومحكمة وشفافة عبر ضباط ارتباط محددين لهذه الغاية في المحاكم؛ لتمكينهم من الإشراف ومتابعة تطبيق العقوبات المجتمعية بالتنسيق مع مديرية العقوبات المجتمعية في الوزارة.
من جانبها، اشارت استاذة علم الاجتماع في الجامعة الأردنية الدكتورة ميساء الرواشدة لـ(بترا) الى أنَّه كلما كانت الفئة العمرية المستهدفة صغيرة، كلما كانت نتائجها على المجتمع أكبر، فالمحكوم بجناية أو جنحة بسيطة وتنطبق عليه العقوبات البديلة، يكون الأثر الإيجابي عليه كبيرا جدًا.
وأضافت إنَّ العقوبات البديلة من الأفضل أن تكون قبل تنفيذ العقوبة الأصلية بحق المحكوم، وعليه فإنَّ تنفيذ خدمة مجتمعية عامة تجعل المحكوم ينخرط بشكل أكبر في المجتمع، فمن يعتدي على سبيل المثال على كبار السن تكون خدمته في دور المسنين، أو من يلقي النفايات في أماكن ممنوعة، يكون تنفيذ الخدمة بالنظافة العامة، ومن يعتدي على حقوق النساء تكون خدمته في أماكن مشابهة، حتى يتولد لديه شعور بأهمية الذنب الذي قام به، وأن لا يقوم بتكراره مرة أخرى.
وبينت أنَّ فعالية العقوبات المجتمعية تتناسب طرديا مع الجدية في تنفيذها والرِّقابة عليها، ومتابعة المحكوم بشكل صارم حتى يكون الأثر منها كبيرا، فمتابعته بالحضور والانصراف والعمل بساعات الخدمة العامة يجب أن يمتاز بالتنفيذ الفعلي الكامل، بمعنى ان لا يقوم أحد بالتوقيع عنه أو التستر على قيامه بالعمل والتساهل معه.
واوضح المحامي الدكتور صخر الخصاونة لـ(بترا)، أنَّ العقوبات المجتمعية استحدثت في قانون العقوبات الأردني، وهي جديدة على المستوى المحلي، لكنها موجودة منذ عقود طويلة في الدول الغربية، وهي ضمن سياسة الإصلاح التي يتبعها المشرع الأردني لمنح المحكوم عليهم فرصًا لإصلاح أنفسهم وخدمة المجتمع والمحافظة على مصادر رزقهم.
وقال إن عدد القرارات الصَّادرة حتى الآن ليس بالمستوى المأمول، متمنيًا أن يكون التنفيذ أسرع وأشمل، حتى يستفيد أكبر عدد من المحكومين بهذه الجرائم الجنحوية البسيطة من هذه العقوبات وهذا المدخل التشريعي الهام.
وأكد أنَّ الفئة العمرية التي تتراوح بين 20 عاما و50 عاما وصدر بحقها عقوبات أصيلة، هي بحاجة لمثل هذه العقوبات غير السالبة للحرية، فإن تم تنفيذ العقوبات المجتمعية عليهم فإنَّ الفائدة كبيرة وعظيمة على المحكوم والمجتمع.
ويُعرِّف القانون الخدمة المجتمعية بأنَّها إلزام المحكوم عليه بالقيام بعمل غير مدفوع الأجر لخدمة المجتمع لمدة تحددها المحكمة، لا تقل عن 40 ساعة ولا تزيد عن 200 ساعة، على أن يتم تنفيذ العمل خلال مدَّة لا تزيد عن سنة، وتتم المراقبة المجتمعية لمدة تحددها المحكمة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد عن 3 سنوات. بترا