التمييز تنقض الحكم بإلزام دائرة المخابرات بدفع تعويض للعين وجدان التلهوني ومنع معارضتها في ملكها
كانت محكمة استئناف عمان (برئاسة القاضي نهار الغزو وعضوية القاضيين محمد الطراونة و شجاع التل) وكانت محكمة بداية حقوق غرب عمان (هيئة القاضية لمى البكري) من قبلها قد قررتا الحكم بمنع معارضة المدعى عليها (دائرة المخابرات العامة) للمدعية (وجدان التلهوني – عضو مجلس الأعيان سابقاً) في منفعة قطعة الارض العائدة لها في حي الكرسي وازالة الحواجز التي تعيق وصول المدعية لأرضها موضوع الدعوى، كما قررت المحكمة الحكم بالزام المدعى عليها (دائرة المخابرات العامة) بأن تدفع للمدعية (وجدان محمد ياسين خليل التلهوني) مبلغ (74832) ديناراً أردنياً بدل أجر المثل لقطعة الأرض موضوع الدعوى عن ثلاث سنوات سابقة لإقامة الدعوى.
وقد جاء حكم محكمة الاستئناف هذا بعدما أقامت المدعية (وجدان التلهوني) دعوى بمواجهة المدعى عليها (دائرة المخابرات العامة) موضوعها منع معارضة وازالة التعدي ورفع قيود ملكية ومطالبة بالتعويض عن الضرر ونقصان قيمة عقار مقدرة لغايات الرسوم بمبلغ (200,000) دينار – مائتان ألف دينار – والرسوم والمصاريف والاتعاب والفائدة القانونية، وقد أسست دعواها على ما يلي:
أولاً: تملك المدعية (وجدان التلهوني) قطعة الارض رقم (93) حوض (5) الكرسي من اراضي دابوق والبالغة مساحتها (4) دونمات وثمانية عشر متر والواقعة على الشارع المسمى شارع الشعب.
ثانياً: قامت المدعى عليها الاولى (دائرة المخابرات العامة) بإنشاء مباني لها على ارض مقابلة للأرض المملوكة للمدعية ويفصل بينهما الشارع العام.
ثالثاً: اقامت المدعى عليها الاولى (دائرة المخابرات العامة) حاجزاً ثابتاً على الشارع العام يفصل بين عقاراتها وقطعة ارض المدعية (وجدان) ووضعت دورية امنية لمنع المرور بالشارع العام للجميع وتعذر على المدعية الوصول للأرض بطريق اعتيادي ودون الخضوع لإجراءات امنية.
رابعاً: ايضاً قامت المدعى عليها (دائرة المخابرات العامة) و (مجلس امانة عمان الكبرى) بتثبيت اشارة ممنوع المرور في الجهة الثانية من الشارع يحول دون امكانية المرور والوصول للأرض موضوع الدعوى من الجهة الشمالية لشارع الشعب.
خامساً: (مجلس امانة عمان الكبرى) وضع قيداً على حق المدعية باستعمال واستغلال والتصرف في ملكها يتمثل (بـشرط الحصول على الموافقة الامنية) وقد تم تثبيت القيد على مخطط الموقع التنظيمي للأرض.
سادساً: تعارض المدعى عليها (دائرة المخابرات العامة) المدعية في حقها باستغلال واستعمال والانتفاع بعقارها عن طريق منعها وتقيد حريتها في المرور في شارع الشعب وهو شارع عام ومعد لاستعمال كافة الناس وهذا الشارع قد تم احداثه بعد استملاك جزء من ارض المدعية وان هذه المعارضة الحقت ضرراً بالمدعية وحرمتها من ممارسة حقوق الملكية التي ضمنها لها الدستور والمدعى عليهم ملزمون بإزالة الضرر.
سابعاً: ان وضع قيود على حق الملكية في ممارسة حقوق الملكية على عقار المدعية عن طريق اشتراط الحصول على موافقة امنية لا تستند لسبب قانوني وتخالف القواعد الدستورية والقانونية وادى ذلك الى نقصان قيمة قطعة الارض العائدة لها والمدعى عليها ملزمة بضمان الضرر وهي ممتنعة عن ازالة الضرر والتعدي مما حدا بالمدعية لإقامة دعواها.
وكانت محكمة الاستئناف قد عللت قرارها وسببته على النحو التالي:
((وان محكمتنا وفي ضوء الوقائع المشار اليها آنفاً والثابتة بالبينة الخطية والشخصية والخبرة الفنية المعتمدة تجد ان المدعى عليها (المستأنفة) دائرة المخابرات العامة هي الجهة التي قامت بوضع الحواجز الامنية في شارع الشعب المحاذي لقطعة الأرض موضوع الدعوى وهو الشارع الوحيد الذي يمكن من خلاله الوصول الى تلك القطعة وهي الجهة التي منعت المدعية من الوصول الى قطعة الأرض العائدة لها وحرمتها من حق الانتفاع بملكها كما ان المدعى عليها هي الجهة التي قامت بوضع سياج امني حديدي على كامل واجهة قطعة الأرض على الشارع.
وعليه فان من حق المدعية مطالبة المدعى عليها دائرة المخابرات العامة بمنع معارضتها في الانتفاع بقطعة الارض وبالتعويض عن الاضرار التي لحقت بها جراء تلك الافعال وبالتالي فان الخصومة فيما بين المدعية والمدعى عليها (المستأنفة) دائرة المخابرات العامة قائمة ومتحققة)).
كما جاء أيضاً في تعليل وتسبيب محكمة الاستئناف ما يلي:
((إن ما قامت به المستأنفة (دائرة المخابرات العامة) والمتمثل في وضع الحواجز الامنية الدائمة في شارع الشعب المؤدي الى قطعة الأرض العائدة ملكيتها للمدعية (وجدان التلهوني) مما حرم الاخيرة من الوصول الى قطعة الأرض والانتفاع بها بالإضافة الى وضع سور حديدي على واجهة القطعة يشكل مساساً واعتداء على حق الملكية الذي كفله الدستور والقانون الذي يعطي المالك وحده السلطة الكاملة في ان يتصرف في ملكه تصرفاً مطلقاً عيناً ومنفعة واستغلالاً وفقا لما تقضي به المادتان (1018و1021) من القانون المدني.
وعليه فان ما قامت به المستأنفة (دائرة المخابرات العامة) على النحو الذي اوضحناه انفا يشكل تعدياً على حق الملكية ويأخذ حكم الغصب بالمعنى المقصود في المادتين (279و287) من القانون المدني وهو أحد صور الفعل الضار وبالتالي فان المستأنفة ملزماً قانوناً بأداء التعويض للمستأنف ضدها (وجدان التلهوني) جراء هذا التعدي والذي استقر الاجتهاد القضائي على تسميته بأجر المثل وملزمه كذلك بإزالة هذا التعدي)).
وأضافت محكمة الاستئناف:
((إنه وإن كانت المستأنفة (دائرة المخابرات العامة) ووفقاً للمادة الثامنة من قانونها (قانون المخابرات العامة لسنة 1964 وتعديلاته) مكلفه بالقيام بالمهام والعمليات الاستخبارية في سبيل أمن المملكة الاردنية الهاشمية وسلامتها فان ذلك كله مقيد بمبدأ المشروعية وفي نطاق سيادة القانون واحترام حقوق الافراد ومن ضمنها حق الملكية الذي كفله الدستور والقانون ومقيد كذلك بعدم الاضرار بالغير بأي وجه من الوجوه وبخلاف ذلك فإنها تكون ضامنه لما يلحق بالغير من)).
لكن محكمة التمييز (برئاسة القاضي محمود البطوش وعضوية القضاة محمد عبيدات، و”محمد علي” الزعارير، وعلي المصري، ونزار المومني) كان لها اجتهاد آخر ومناقض، فبعدما ميزت (دائرة المخابرات العامة) الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف، قررت محكمة التمييز نقض الحكم الاستئنافي وإعادة الأوراق إلى مصدرها لإجراء المقتضى القانوني، وقد عللت محكمة التمييز قرارها وسببته على النحو التالي:
((وباستعراض البينات المقدمة والمستمعة بالدعوى نجد أنها تثبت قيام المميزة (دائرة المخابرات العامة) بوضع حواجز على الشارع العام (شارع الشعب) مقابل قطعة أرض المميز ضدها (العين وجدان التلهوني) ومنعت المرور بالاتجاه المقابل المؤدي للوصول الى قطعة المميز ضدها وأثبتت دورية عند الحاجز تقوم بتوقيف أي شخص ولا تسمح بعبوره للحاجز ومواصلة طريقه إلا بعد التدقيق عليه أمنياً والتحقق من وجهته.
ولا نجد فيها أي بينة تثبت أن المميزة وضعت يدها على قطعة أرض المميز ضدها أو قامت بأي فعل اعتداء على أي جزء من مساحتها أو منعت المميز ضدها من المرور والانتفاع بأرضها واستغلالها والوصول إليها بل إن الثابت بشهادة الشهود كل من علي محمد علي عمايرة رئيس قسم التنظيم في منطقة وادي السير ومحمود عوض محمود أبو عمري ومعتز أحمد إبراهيم أبو زيتون ورندة إبراهيم خالد جراح وباسل زاهي طالب دروزة حصول الراغبين بالبيع وبالبناء من أصحاب قطع الأراضي المجاورة على موافقات للبيع والشراء وتراخيص للبناء وبدون معارضة المميزة وأنها لا تمنع السكان وزوارهم من المرور بالشارع وفي كل الأوقات.
وحيث إن وضع نقاط التفتيش والحواجز بالشوارع العامة للتدقيق الأمني يعتبر إجراء من إجراءات الضبط الإداري التي تملكها المميزة بمقتضى قانونها باعتبارها مكلفة بحماية الأمن والنظام ومراقبة الطرق وإن انطوى الإجراء على تقييد لحرية المرور بشرط عدم مصادرتها ويهدف لحماية الأمن والنظام العام بالمنطقة المحيطة بمبناها والمحافظة على سلامة العاملين فيه وحماية المجاورين من إخطار الاعتداءات التي قد تستهدفهم وممتلكاتهم ولا يصادر الحق بالمرور من الشارع بل يسمح به بعد التدقيق الأمني ولا يمنع المميز ضدها من الانتفاع بقطعة أرضها واستغلالها على النحو المقرر بالمادة (1018) من القانون المدني ولا يشكل مساساً بحق ملكيتها ولا غصباً لأي من حقوقها ولا ما يساويه بالحكم الأمر الذي تكون معه دعواها بمطالبة المميزة بالتعويض وبمنع المعارضة فاقدة لأساسها القانوني ومستوجبة الرد.
وحيث إن القرار المميز توصل لخلاف ذلك فيكون مشوباً بعيب الفساد بالاستدلال والقصور بالتعليل والتسبيب والأسباب المتقدمة ترد عليه وتوجب نقضه)).