هل يخالف مشروع قانون حقوق الطفل أعراف المجتمع؟
يتواصل الجدل في الأردن منذ أبريل/نيسان الماضي حول مشروع قانون حقوق الطفل بين مدافع يرى أنه يراعي خصوصية البلاد ويحمي الأطفال من الانتهاكات، ومنتقد يقول إنه مستورد من الغرب يكرس النزعة الفردية ويتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية وقيم المجتمع الأردني.
وكان مجلس الوزراء قد أقر في أبريل/ نيسان الماضي، مشروع قانون حقوق الطفل لسنة 2022، لتعزيز حماية الأطفال ورعايتهم من خلال إيجاد تشريع ينظم العلاقة وينسق ما بين الجهات العامة والأهلية والخاصة المعنية بالطفل، أو المكلفة بتقديم خدمات له وفقا للتشريعات النافذة، وتبعا لمصادقة المملكة على اتفاقية حقوق الطفل.
وقد ناقش مجلس النواب في 20 يوليو/تموز من عام 2022، مشروع القانون، وانتهت الجلسة بإحالته إلى لجنة نيابية مشتركة من لجنتي القانون والمرأة وشؤون الأسرة، مع توصيات من بعض النواب بالتأني في مناقشة مشروع القانون لضمان عدم مخالفته للقيم والثوابت المستندة إلى الشريعة الإسلامية.
وقد جاء ذلك بعد سنوات من محاولة صياغة قانون لحقوق الطفل بناء على التعديلات الدستورية في الأردن عام 2011 وتوقيع الأردن على اتفاقية حقوق الطفل الدولية عام 2006 متحفظاً على بعض موادها.
وأول مسودة لسنّ قانون يحمي حقوق الأطفال في المملكة، تعود إلى عام 1998.
في حين عرض أول قانون على البرلمان في 2004، لكنه ظل في رفوف مجلس النواب لسنوات عديدة، قبل أن تقوم الحكومة بسحبه في 2008.
وجدير بالذكر أن الأردن صادق على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1991. وتضمنت الاتفاقية ضرورة اتخاذ الدول الأطراف التدابير التشريعية والإدارية وغيرها من التدابير الملائمة، لإعمال الحقوق المعترف بها في الاتفاقية.
نصوص خلافية
تصاعد الجدل مجددا بعد حلقة نشرها الداعية الإسلامي الأردني الدكتور إياد قنيبي عبر قناته الرسمية على يوتيوب.
وقال الداعية الأردني:"إن مشروع القانون يستند إلى اتفاقية حقوق الطفل، والتي تتضمن العديد من الإشكاليات التي تتصادم مع الإسلام، مثل: حق الطفل في التعليم الجنسي الشامل، واعتبار ممارسة الجنس بدون زواج حقا من حقوقه، ومنح الطفل الحق في تغيير دينه واختيار الدين الذي يوافق هواه".
ويتضمن مشروع القانون نصا يمنع الضرب التأديبي للأبناء من الوالدين، وجاء فيه "لا تشكل صفة الوالدين أو الشخص الموكل برعاية الطفل، عذرا لارتكاب أي فعل من الأفعال الواردة والتي حددتها المادة السابقة بالحالات التي تشكل تهديدا للطفل"، ويقصد بالأفعال "تعريض الطفل للعنف وإساءة المعاملة والاستغلال".
وينص البند (أ) من المادة (7) على أن للطفل الحق في "التعبير عن آرائه، سواء بالقول أو الكتابة أو الطباعة أو الفن أو بأي وسيلة أخرى يختارها، وتُولى آراء الطفل الاعتبار وفقا لسنه ودرجة نضجه".
فيما ينص البند (أ) من المادة (8) على أن "للطفل الحق في احترام حياته الخاصة، ويُحظر تعريضه لأي تدخل تعسفي أو إجراء غير قانوني في حياته أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، كما يُحظر المساس بشرفه أو سمعته، مع مراعاة حقوق وواجبات والديه أو من يقوم مقامهما وفقا للتشريعات ذات العلاقة".
بينما يقرر البند (ج) من المادة (24) أنه "يُتاح للطفل الاتصال مع مقدمي خدمات المساعدة القانونية دون أي قيد".
المعارضون
اعتبرت الآراء المعارضة لمشروع القانون أنه يتضمن تجاوزات للشريعة الإسلامية والقيم المجتمعية، كما أعرب المعارضون عن مخاوفهم حول الهدف الأساسي من القانون والمتمثل في إباحة تبني الأطفال وحرية اختيارهم للدين، على حد تعبيرهم.
ويركز المعارضون في نقاشهم على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، واتفاقية "سيداو" التي وقع الأردن عليها في بداية التسعينيات من القرن الماضي.
يخشى كثير من المحافظين من تمرير بنود تلك الاتفاقيتين ضمن القانون الجديد، خاصة تلك المتعلقة بحق حرية الفكر والدين والصحة الجنسية و التبني، وغيرها.
ويرى كثيرون أن تلك الاتفاقيات تتعارض مع الضوابط الدينية وتؤسس لفكرة استقلال الطفل فكريا وعقائديا عن أسرته.
وخلال مناقشة القانون في البرلمان الأردني في يوليو/تموز الماضي، قال النائب صالح العرموطي إنه يرفض وصاية أي جهة أجنبية أو فرض أية أجندة أجنبية على الأردن، مؤكدا أن مثل هذه القوانين لا يكفي أن تناقش في دورة استثنائية.
وأضاف قائلا إن هذا القانون لا يجب أن يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية مما يقتضي تعديلات كثيرة عليه.
كما اعترض أيضا على مشروع القانون النائب أحمد القطاونة الذي قال إنه لا يشعر بالارتياح للقانون ككل، مشيرا إلى أنه "عندما تقرأ القانون تشعر وكأنه لا يوجد شريعة إسلامية، وكأن تلك المنظمات الدولية هي التي تريد أن تصنع وتربي الأجيال علما بأن الشريعة الإسلامية والقرآن الكريم هو من تكفل بذلك".
وأضاف قائلا إنه عند قراءة القانون "تشعر بأنه يمنع على الوالدين الرقابة على الطفل بشكل كامل حيث سيكون من حق الطفل أن يشكو والده لو فتش هاتفه، ويحق له أن يسجن والده".
المؤيدون
خلال جلسة تشريعية لمجلس النواب لمناقشة قانون الطفل في يوليو/تموز الماضي، قالت وفاء بني مصطفى وزيرة الدولة للشؤون القانونية، إن المشروع المطروح "يراعي الخصوصية الأردنية"، مشيرة إلى أن "الأردن متحفظ على المواد 14 و20 و21 من الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل، وهذه المواد تتعلق بالتبني وحرية اختيار الدين".
واستدلت الوزيرة بالمادة الخامسة من مشروع القانون التي تنص صراحة على أن " التنشئة السليمة للطفل تحترم الحرية والكرامة والإنسانية والقيم الدينية والاجتماعية".
وأضافت بأن الحكومة سبق أن أبدت تحفظها على مواد عديدة في اتفاقية حقوق الطفل الدولية، خاصة المادة 14 المتعلقة بالحق في اختيار الدين أو تغييره.
ومضت تقول: "كما جاء بالأسباب الموجبة أن هذا التزاما بالتعديلات الدستورية والتي أقرها مجلس النواب والتي تتكلم عن حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة من جميع أشكال الإساءة والاستغلال وأيضا، التزاما من الأردن بالإيفاء بالتزاماته الدولية المتعلقة بالاتفاقية الخاصة بحقوق الطفل لعام 2006".
كما وصف محمد المقدادي الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة مشروع قانون حقوق الطفل حينئذ بأنه "دستور شامل لحقوق الأطفال" يتضمن تشريعات كفيلة بأن تصبح أداة رقابية تحقق لجميع أطفال الأردن القدرة على التعبير عن رأيهم والحصول على تعليم جيد وتغذية جيدة وصحة جيدة.
وفي سلسلة تدوينات على تويتر، أكدت مديرة مركز العدل للمساعدة القانونية، هديل عبد العزيز في يوليو/تموز الماضي أن نص القانون المقترح لا يتعارض مع الدين، خلافا لما يشاع.
ووصفت عبد العزيز النقاش الدائر حول مشروع القانون بالمحزن، مضيفة أنه "استند إلى نصوص غير صحيحة وغير موجودة في القانون".
ويقر كثيرون بأن تمرير القانون وتقبله داخل المجتمع الأردني لن يكون سهلا، نظرا لطبيعة "النظام العشائري" والأعراف التي تحكم المجتمع الأردني.
ووفق دراسة نشرتها اليونسيف في عام 2021، تُقدر نسبة الأشخاص دون سن 18 عاما بأكثر من 40 في المئة من سكان الأردن، أي حوالي 4.2 مليون طفل.
وقالت الدراسة إن حوالي 50 في المئة من الأطفال تعرضوا للإيذاء الجسدي من قبل الوالدين أو الأوصياء القانونيين ومعلمي المدارس والأشقاء، ناهيك عن تزايد التنمر على شبكة الإنترنت.
بي بي سي