ما دلالات توسع تكتل "بريكس" أفريقيا ..؟؟
تحولت مجموعة "بريكس" من تكتل اقتصادي أنشأته البرازيل وروسيا والهند والصين عام 2009 إلى قوة سياسية رئيسة خلال العقدين الماضيين، بتعزيز هدفها في خلق ثقل موازٍ للنفوذ الغربي في المؤسسات العالمية. وبرز توسع المجموعة في عام 2023 مجسداً ثقلها المتزايد، باستقطاب دول الجنوب العالمي بما فيها أفريقيا التي تتناغم دولها مع أهداف "بريكس". أُثقلت المجموعة بأعباء إضافية حول قضايا مثل الصراع الروسي- الأوكراني، في الوقت الذي تحاول فيه روسيا قيادتها خصوصاً خلال هذا العام، والعمل على تكثيف التركيز المناهض للغرب في الكتلة بتحدي القوة السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة وأوروبا.
وإن كان هذا التحرك يصب في الهدف الأساسي للدول المؤسسة للمجموعة، وهي البرازيل و روسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، كمجموعة غير رسمية من الاقتصادات الناشئة التي تأمل في زيادة نفوذها في النظام العالمي، وفقاً لفرضية مفادها بأن المؤسسات الدولية خاضعة لهيمنة القوى الغربية بشكل مفرط وتوقفت عن خدمة البلدان النامية، فإن التكتل يسعى أيضاً إلى تنسيق السياسات الاقتصادية والدبلوماسية لأعضائه، وإنشاء مؤسسات مالية جديدة، والحد من الاعتماد على الدولار الأميركي. ويسعى زعماء المجموعة منذ فترة طويلة إلى إلغاء الدولرة لمصلحة زيادة التجارة بالعملات المحلية أو حتى عملة مشتركة محتملة.
من شأن انضمام مصر وإثيوبيا إلى "بريكس" أن يعمل على تكثيف الأصوات الآتية من القارة الأفريقية، ويخدم ذلك العلاقات الاقتصادية الوثيقة لدول القارة مع الصين، إضافة إلى دولة جنوب أفريقيا هناك إثيوبيا شرق القارة، والتي ستكون علاقتها مع الصين واعدة باعتبارها ثالث أكبر اقتصاد في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ودخلت مع بكين في استثمارات بمليارات الدولارات مما يجعلها مركزاً لمبادرة الحزام والطريق. كما أن مصر تسعى إلى جذب المزيد من الاستثمارات وتحسين اقتصادها الذي تعرض إلى هزات عنيفة.
هنالك أيضاً نشوء العلاقات الأمنية والسياسية مع روسيا، فقد لعبت شركة "فاغنر" ثم "فيلق أفريقيا" دوراً في دول الصراعات.
تنسيق الجهود
بين أول قمة رسمية لمجموعة "بريكس" استضافتها روسيا عام 2009، وآخر قمة استضافتها أيضاً في أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، طرأت موجات توسع عالية، حيث انضمت جنوب أفريقيا عام 2010 بدعوة من الصين، لتشكيل مجموعة الدول الخمس لتكون المجموعة (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، واستمرت لأكثر من عقد من الزمان. وفي عام 2023، وجهت الدعوة لستة أعضاء جدد هم الأرجنتين ومصر وإثيوبيا والسعودية والإمارات وإيران. قبلت جميع الدول باستثناء الأرجنتين، التي أعلن رئيسها المنتخب حديثاً خافيير ميلي توجه البلاد نحو الغرب.
وجدت "بريكس" بوصفها كتلة فضفاضة من الاقتصادات غير الغربية، في الدول الأفريقية بغيتها وقد وضعت نصب أعينها هدف تنسيق الجهود الاقتصادية والدبلوماسية، لا سيما أن دول القارة السمراء تتشارك معها في وجهة النظر حول الهيمنة الغربية من خلال منظمات متعددة الأطراف مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومجموعة الدول السبع.
وهذا التنسيق ما بين السياسة والاقتصاد، ليس وليد الأزمات الحالية، وإنما نتيجة للتجربة التي خاضتها دول المجموعة عندما ضرب الركود الاقتصادي العالم عام 2008، مما دفعها إلى التأكيد على التنسيق الاقتصادي بشأن قضايا مثل سياسة التعريفات الجمركية والقيود المفروضة على تصدير الموارد الحيوية والاستثمار. وبفضل هذا، تضاعفت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر السنوية للمجموعة على رغم تباطؤها في الأعوام الأخيرة، ولعب بنك التنمية الجديد دوراً في تنشيط التعاون بينها والحد من الاعتماد على مصادر التمويل التقليدية، وترتيب الاحتياطي الطارئ للمجموعة.
عالم مصغر
تتوافق مجموعة "بريكس" على مزايا تحاول بها الحصول على سيادة مستقلة، فهي من ناحية تجسد صورة مصغرة من العالم إذ تمثل أكبر المجتمعات الثقافية والدينية والأنظمة السياسية المختلفة. ولا تعد الدول المؤسسة للمجموعة مجرد اتحاد للدول النامية، بل هي أقطاب رئيسة للنظام الدولي متعدد الأقطاب. يبلغ عدد سكان المجموعة نحو 3.5 مليار نسمة، أو 45 في المئة من سكان العالم. وتبلغ قيمة اقتصادات الدول الأعضاء أكثر من 28.5 تريليون دولار (نحو 28 في المئة) من الاقتصاد العالمي. وبانضمام السعودية والإمارات وإيران، يصبح إنتاج المجموعة نحو 44 في المئة من النفط الخام في العالم.
تضم "بريكس" مؤسسات مالية، وتسعى إلى جعلها فاعلة كبديل للنظام المالي العالمي السائد منذ مؤتمر النقد الدولي المعروف "بريتون وودز" الذي أسسته الدول الصناعية في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ووفقاً لذلك صممت المجموعة بنك التنمية الجديد أملاً في أن يكون بديلاً للمؤسسات القائمة، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والتي ترى أنها فشلت في تلبية حاجات الدول الأكثر فقراً، خصوصاً في مجالات مثل تمويل مشاريع مواجهة تغير المناخ. ومع أن بنك التنمية لا يقارب هذه المؤسسات المالية الضخمة، ولا يُتوقع أن يحل محلها، لكنه يسعى إلى تغطية جزء من مهامها. ومن ضمن برامج القروض والضمانات المالية التي يوفرها البنك هي الإقراض للطاقة النظيفة ودعم المشاريع التي تسهم في التنمية المستدامة والبنية التحتية.
يُتوقع أن يتغلب البنك على عقبات نموه بمضاعفة التجارة بين بلدانه، وهو ما نشطت فيه دول "بريكس" بزيادة حجم تجارتها مع الدول الأفريقية، أكثر من تبادلها في ما بينها.
تحديات التمدد
يمكن أن يؤدي تزايد العضوية من دول الجنوب العالمي خصوصاً أفريقيا إلى مواجهة "بريكس" تحديات عدة، منها، الأول، تكثيف الرفض الغربي، خصوصاً أن كثيراً من هذه الدول لا تزال مرتبطة بدول استعمارها بشكل مباشر أو غير مباشر، ويزيد التحدي في ظل الصراع والتنافس على أفريقيا بين الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى.
والثاني، يتعلق بزيادة العضوية داخل الكتلة، وهو احتمال تعرضها لانقسامات حول العلاقات مع الولايات المتحدة من خلال سعيها لتقويض النظام الدولي الذي يقوده الغرب، وتباين مواقفها من الحرب الروسية- الأوكرانية. وكذلك التوترات التي تتعلق بالمصالح في ما بينها مثل التوترات بين الصين والهند بسبب نزاعهما الحدودي المستمر منذ عقود، إضافة إلى المنافسة المتزايدة بينهما على الزعامة الاقتصادية والجيوسياسية للجنوب العالمي، أو تقاطع مصالحهما. مما يستلزم توحدها على الساحة العالمية، لا سيما أنها تقف في وجه قوى غربية كبرى، بحسب خبراء. اندبندنت