صناعة الوهم وتسويقه في الاستحقاق الانتخابي للمقاولين الأردنيين

هوا الأردن -
هوا الأردن - كتب د. عزام العطاونة
في كل استحقاق انتخابي، تتجدد الوعود، وتتكرر الشعارات، وتُعاد صياغة الخطابات، لكن الحقيقة تبقى واحدة: هل ما يُطرح اليوم هو حلول واقعية، أم مجرد سراب يُباع للهيئة العامة تحت مسمى "الإنجازات"؟ لقد أصبح تسويق الوهم فنًا تتقنه بعض الأطراف، حيث تُوظَّف المنصة الانتخابية في رسم صورة زائفة للواقع، محاولةً إقناع الناخبين بأن الفشل لم يكن سوى سوء فهم، وأن الحل الوحيد يكمن في منح الوجوه ذاتها فرصة جديدة، رغم أنها كانت – ولا تزال – جزءًا من المشكلة.
اليوم، يقف المقاول الأردني بين خيارين لا ثالث لهما:
كتلة "التدوير" التي تُعيد إنتاج نفسها، وتُروِّج لذات الأسماء التي أثبتت عجزها عن تحقيق أي إنجاز ملموس، مكتفيةً بتغيير القوالب دون المساس بالمضمون.
كتلة "تقرير المصير" التي تؤمن بأن التغيير لم يعد ترفًا، بل ضرورة، وأن النقابة ليست إرثًا لفئة بعينها، بل لجميع المقاولين الذين يستحقون تمثيلًا حقيقيًا، لا استعراضًا إعلاميًا ولا وعودًا جوفاء لا تجد طريقها إلى التنفيذ.
انهيار المجلس وتسويق الوهم!
منذ انسحاب النقيب المنتخب وعدد من الأعضاء من المشهد القيادي للمجلس الرابع والعشرين، وجد ما تبقى من أعضائه أنفسهم أمام أزمة شرعية حقيقية، فاهتزت صورتهم، وسقطت الأقنعة، وتكشفت الحقائق. لكن، بدل الاعتراف بالفشل، لجأ المجلس إلى أساليب التجميل السياسي، محاولًا ترميم صورته، وإقناع الهيئة العامة بأنه "المنقذ"، وليس المتسبب في الأزمة!
تم ملء الفراغات بمن يوافقون على النهج ذاته، وبدلًا من تصحيح المسار، بدأ المجلس المرمَّم في تسويق الوهم، مستخدمًا الصور التذكارية مع أصحاب القرار كدليل على الإنجاز، ومحاولًا إقناع الجميع بأن العلة لم تكن فيه، بل في النقيب المستقيل والأعضاء المنسحبين!
وهكذا، بدلًا من الاعتراف بالتقصير أو البحث عن حلول جذرية، وُجِّهَت أصابع الاتهام إلى الجميع، باستثناء من كانوا – فعلًا – جزءًا من المشكلة. بل الأدهى، أن بعضهم بدأ يتحدث عن الإنجازات وكأنها واقع لا يُناقش، متناسيًا أن المقاولين هم الأدرى بحقيقة ما جرى، وهم وحدهم من يقررون إن كان ما يُسوق لهم حقيقة أم وهمًا منمقًا.
التدوير والترميم: الأسماء ذاتها.. والسياسات نفسها!
تعتمد كتلة "التدوير" على تكتيك إعادة إنتاج المشهد ذاته، مع تغيير طفيف في الوجوه، لكنها تُبقي على السياسات والأساليب نفسها. تحاول إقناع الهيئة العامة بأن التغيير الحقيقي غير ممكن، وأن الاستقرار – حتى لو كان فاشلًا – أفضل من المجهول.
لكن، هل هذا هو الاستقرار الذي ينشده المقاول الأردني؟
هل هو استقرار الأزمات التي أثقلت كاهله؟
أم استقرار القرارات العشوائية التي جعلته يواجه التعقيدات في كل معاملة؟
كم عدد العقود التي تمت المصادقة عليها خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة؟
وهل هي عقود حقيقية، أم مجرد تمرير لمشاريع تديرها عمالة أجنبية غير مصنفة وغير مرخصة؟
وماذا عن تعيين الموظفين في اللحظات الأخيرة من عمر المجلس؟ هل استفاق الضمير فجأة، أم أنها محاولة لتمرير قرارات تخدم فئة على حساب أخرى؟
هذه الكتلة تراهن على ضعف ذاكرة المقاولين، لكنها تغفل أنهم أصحاب تجربة، ويعلمون جيدًا أن من فشل سابقًا لن ينجح بمجرد تغيير الشعارات.
تقرير المصير: القرار بأيدي المقاولين
على الجهة الأخرى، تقف كتلة "تقرير المصير"، مؤمنةً بأن الهيئة العامة ليست مجرد أصوات تُحشد يوم الانتخابات، ثم تُنسى بعد ذلك. إنها كتلة ترى أن الحل لا يكون بإعادة تدوير الأسماء، بل بإعطاء الفرصة لكفاءات جديدة تمتلك رؤية واضحة لخدمة المقاولين، لا لخدمة المصالح الشخصية.
لقد أثبتت السنوات الماضية أن الأزمات لا تُحل بالخطب الرنانة، بل بالعمل الجاد، وأن النقابة ليست تركة يتقاسمها البعض، بل مؤسسة يجب أن تكون صوت المقاولين، لا عبئًا جديدًا يُضاف إلى همومهم.
اليوم، القرار بأيدي المقاولين أنفسهم: إما أن يبقوا في الدائرة ذاتها، أو يقرروا مصيرهم بأنفسهم، ويمنحوا الفرصة لمن يستحق.
هل يستمر تسويق الوهم؟
لن يستمر تسويق الوهم طويلًا، فالمقاول الأردني لم يعد تابعًا، بل هو صاحب قرار، وقادر على التمييز بين العمل الحقيقي والاستعراض الفارغ. من يظن أن المقاولين مجرد أرقام في صناديق الاقتراع، فهو واهم، ومن يعتقد أن المناورات الإعلامية يمكنها أن تُغطّي على الفشل، فهو لم يدرك بعد أن الوعي النقابي قد تطور، وأن الحقائق لم تعد تُطمس بالشعارات.
إن الانتخابات القادمة ليست مجرد سباق بين أسماء، بل بين نهجين:
نهج التدوير الذي يسعى لإبقاء الأمور على حالها.
ونهج تقرير المصير الذي يؤمن بأن التغيير لم يعد خيارًا، بل هو السبيل الوحيد لإنقاذ النقابة.
فإما أن يبقى المقاول رهينة الماضي، أو يصنع مستقبله بيده، ويختار من يمثله بصدق، لا من يسوّق له الوهم مجددًا.