سورية: تصعيد صهيوني وعبث بالورقة الدرزية
استغلال الفراغ السياسي والعسكري ودعم الأقليات ومحاولة تفكيك الجارة الشمالية

هوا الأردن -
في الوقت الذي هزت فيه غارة جوية صهيونية محيط القصر الرئاسي في دمشق فجر أول من أمس، معلنة فصلا جديدا من التصعيد والتدخل الإسرائيلي في سورية، رأى مراقبون أن الاحتلال يسعى لاستغلال الفراغ السياسي والعسكري في سورية لفرض رؤيته، سواء عبر تقسيم البلاد أو إضعاف الإدارة الجديدة، واستخدام ورقة الأقلية الدرزية، إلى جانب الضربات العسكرية المكثفة.
وقال هؤلاء المراقبون إن هذا القصف يعكس إستراتيجية صهيونية تهدف إلى إعادة رسم خريطة المنطقة لصالح إسرائيل، موضحين أن هذا المخطط يواجه تحديات كبيرة، على رأسها مقاومة الحكومة السورية، ورفض الدروز أنفسهم للانجرار إلى مشروع انفصالي، إضافة إلى تعقيدات المواقف الإقليمية والدولية.
وجاء القصف بعد تهديدات علنية من إسرائيل بضربات انتقامية، إذا فشلت الحكومة السورية بحماية الأقلية الدرزية، في خطوة أثارت تساؤلات حول الأهداف الحقيقية الصهيونية ومدى ارتباطها بمخطط أوسع لإعادة تشكيل المشهد السوري.
تغيير قواعد اللعبة
في هذا الإطار، يرى رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور خالد الشنيكات، أن الاحتلال يحاول تغيير كل قواعد اللعبة في المنطقة، ويستخدم الضربات الوقائية والاستباقية لفرض الواقع كما يريده، تحت دعاوى عدم التسامح مع تعريض أمنه للخطر، وبأنه سينتهك سيادة الدول الأخرى بغض النظر عن الموقف والقانون الدوليين.
وأضاف الشنيكات: "لذلك فإن سورية الموحدة القوية هي أمر غير مقبول صهيونيا، وستدعم إسرائيل الأقليات وخاصة الأكراد والدروز، حيث أعلن سموتريتش عن ذلك بوضوح حينما قال نريد سورية مفككة، وبما يتماشى مع الأمن الصهيوني الذي يتضمن فرض الهيمنة الكاملة على المنطقة، والحيلولة دون عدم بروز أي دول قوية أخرى في المنطقة".
وتابع: "يبدو أن السياسة الصهيونية لم تتغير تجاه إضعاف كل دول المنطقة، حيث عملت لانهيار نظام الأسد، وتدمير قدرات الجيش السوري كاملة وإضعافه إلى أقصى حد بهدف إبقاء سورية تحت مظلتها، وكل من يقاوم ذلك سيتم تهديده وجوديا".
وزاد: "تنفيذا للسياسة ذاتها، فإن سورية على الأرجح تواجه تحديا حقيقيا فيما يتعلق بوحدتها مع تزايد التدخل الصهيوني في الجنوب السوري، حيث فرضت إسرائيل خطا أحمر على دخول أي قوات من دمشق إلى الجنوب، بهدف إبقاء الدروز قوة مستقلة تمتلك سلاحها بيدها، وبحيث تكون هذه الأقلية الذراع القوية لإسرائيل في سورية، كما يمكن أن تتحول هذه الأقلية إلى حليف طبيعي لإسرائيل وواجهة لصد أي قوة كبرى تبرز في المنطقة".
واستكمل: "هذه السياسة ستجر إسرائيل إلى التورط في سورية، وقد تتحول إلى صراع دائم مع السوريين، خاصة وأن السوريين لهم عمق تاريخي واعتداد قومي بهويتهم ويرفضون أن يبقوا تحت الاحتلال الصهيوني، وبالتالي ربما تنشأ مقاومة مسلحة، هذا عدا احتمالية نشوب صراع بين إسرائيل وتركيا حول سورية".
لغز المروحية
من جهته، يرى الخبير العسكري والإستراتيجي نضال أبو زيد، بأن القصف الصهيوني الأخير يعد الأكبر على سورية، حيث شمل 20 غارة جوية، مشيرا إلى أن اللافت هو هبوط مروحية إسرائيلية في السويداء، الأمر الذي يشير إلى ما يبدو، أنه بالتزامن مع الجهد العملياتي هناك جهد استخباراتي يتم التحضير له.
وأشار أبوزيد إلى أن السر يكمن في المروحية التي يبدو أنها إما قامت بإنزال معدات، وهو الخيار الأضعف، لأن بالإمكان القيام بإسقاط هذه المعدات من الجو دون حاجة للهبوط، أو أن الهبوط يعني حمل أشخاص أو معدات ضمن جهد استخباراتي صهيوني في المنطقة.
وأوضح أن القصف تزامن مع الانسحاب الأميركي من 6 قواعد في سورية، ما يعني أن إسرائيل تريد ملء الفراغ الجيوستراتيجي الذي كانت تشغله القوات الأميركية في سورية، مرجحا أن الهدف الإستراتيجي من التصعيد الصهيوني تجاه سورية يكمن في أن نتنياهو يريد أن يستثمر سياسيا في الملف السوري، من خلال محاولة إجبار الحكومة السورية الجديدة الذهاب إلى السلام مقابل الأمن فقط.
وحول طبيعة الأهداف قال أبو زيد إن الغارات استهدفت جبل الشعرة عند الحدود الإدارية بين محافظتي حماة واللاذقية شمال غربي سورية، بالإضافة إلى الفوج 41 التابع للجيش السوري في محيط مدينة حرستا بريف دمشق، وجبل قاسيون في محيط دمشق، كما شمل القصف قدرات الدفاع الجوي والصاروخي لسورية، حيث استهدف الكتيبة الصاروخية الواقعة قرب قرية موثبين في ريف درعا الشمالي، وغارة أخرى استهدفت الفوج 175 قرب مدينة إزرع بريف درعا الشرقي جنوبي سورية.
وأوضح أنه، ومن خلال تتبع جغرافية الضربات الجوية وطبيعة الأهداف، يمكن الاستدلال على أن هدف العمليات تشكيل قوس جغرافي يمتد من حماة إلى دمشق إلى درعا مجرد من القدرات الجوية والدفاع الجوي في هذه المنطقة، الأمر الذي يدل على أن هناك مرحلة لاحقة ستعقب مرحلة التجريد، عبر سيناريوهين، فإما أن تتوسع إسرائيل بريا من المنطقة العازلة باتجاه ريف درعا جنوبا لتطبيق خطة ممر داود، أو أن إسرائيل تريد الاستمرار بإضعاف القدرات السورية بالتزامن مع محاولة استنساخ نموذج جيش لبنان الجنوبي، وتشكيل مليشيا مسلحة من بعض الفصائل الدرزية الموالية لها.
إضعاف سورية
بدوره، أكد المحلل السياسي الدكتور صدام الحجاحجة، أن الأحداث الأخيرة تكشف عن إستراتيجية إسرائيلية قديمة-جديدة تهدف إلى إضعاف سورية كدولة موحدة، منذ سقوط نظام الأسد، إذ كثفت عملياتها العسكرية، عبر تنفيذ مئات الغارات على مواقع عسكرية سورية، مدمرة ما بين 70 % إلى 80 % من قدرات الجيش السوري، بما في ذلك مطارات ومستودعات أسلحة، كما توغلت بريًا في المنطقة العازلة بمحافظة القنيطرة وجبل الشيخ، تحت ذريعة إنشاء منطقة أمنية، في خرق واضح لاتفاقية فك الاشتباك لعام 1974.
وأضاف الحجاحجة: "يأتي هذا التصعيد في ظل ديناميكيات إقليمية معقدة، فتركيا، الحليف الرئيسي للإدارة الجديدة في دمشق، ترى في سورية الموحدة ضرورة جيوسياسية، وتخشى أن نجاح إسرائيل في فرض تقسيم سورية سيؤثر على مصالحها، كما أن الولايات المتحدة، التي بدأت مفاوضات مع الشرع، تبدو حذرة من التصعيد الإسرائيلي، مما يضع إسرائيل في مواجهة تقاطعات مصالح معقدة".
وتابع: "يبدو أن إسرائيل تسعى لاستغلال الفراغ السياسي والعسكري في سورية لفرض رؤيتها، سواء عبر تقسيم البلاد أو إضعاف الإدارة الجديدة، واستخدام ورقة الأقلية الدرزية، إلى جانب الضربات العسكرية المكثفة، ما يعكس إستراتيجية تهدف إلى إعادة رسم خريطة المنطقة لصالح إسرائيل".
واستدرك: "لكن هذا المخطط يواجه تحديات كبيرة، من مقاومة الحكومة السورية، ورفض الدروز أنفسهم للانجرار إلى مشروع انفصالي، إلى تعقيدات المواقف الإقليمية والدولية". الغد