دور التربية الإسلامية في تعزيز الإنتماء الوطني

تنظر التربية الإسلامية إلى الوطنية على أنها صفة فطرية في الإنسان، فهو مفطور على حب الوطن والحنين إليه، والتربية الإسلامية تسعى من خلال الأحكام الشرعية إلى تفعيل هذا الشعور الفطري عند الشخصية المسلمة وتحويله إلى واقع ملموس، من خلال حثها على الوفاء بمتطلبات الوطنية وواجباتها، قال الزرقاني :"جبلت النفوس على حب الوطن والحنين إليه"

ويمكن  بيان بعض واجبات ومتطلبات الإنتماء الوطني بالآتي :

١_ عدم التأمر على الوطن وخيانته :

حيث ان أولى الواجبات وأهمها ان لايخون المواطن وطنه بأن يتأمر عليه مع ابناء وطن آخر، ذلك أن الخيانة تلحق بالوطن أعظم الأذى وتعرضه لأفدح الأخطار، والذين يقترفون هذا الجرم الشائن تنبذهم اوطانهم ويحتقرهم مواطنوهم، وتنزل بهم حكوماتهم أشد العقوبات لتجعلهم عبرة لسواهم، قال القرافي :إذا كان الجاسوس مسلما، فقيل يقتل، واختلف في قبول توبته، وقيل :ان ظن منه الجهل لمرة واحدة نكل، وان كان معتادا قتل، وقيل :" يجلد جلدا  منكلا يطال سجنه بمكان بعيد "، وقال العبدري : "أرى أن تضرب عنق الجاسوس".

٢_عدم تحقير الوطن والانتقاص من انجازاته.

 

على الشخصية الوطنية ان لاتحقر انجازات الوطن وتمتهن كرامته في الداخل والخارج، لأن ذلك طريق واضحة نحو التراجع والنكوص والهزيمة على جميع الأصعدة وفي كل المجلات، وكل تصرف من هذا القبيل يعد جحودا وكفرا بنعمة الوطن ويقابل بالاشمئزاز والاستنكار الشديدين.

 

وقد التفتت التربية الإسلامية إلى هذا النوع من الشخصيات (الشخصيات المرجفة والمخذلة) وأوجبت عزلها عن جميع المواقع المؤثرة مادية كانت أم معنوية إلى حين علاجها، وذلك لأن لهذا النوع من الشخصيات الكثير من الآثار السلبية التي قد يصل ضررها إلى مقام الوطن، وهو مقام عظيم لايسمح بتجاوزه والاعتداء عليه تحت أي ظرف، قال البهوتي :في إشارة إلى ضرورة عزل هذه الشخصيات.. " ويمنع مخذلا للهزيمة  فلا يصحبهم _ولو للضرورة_وهو من يحدث بقوة الكفار وبضعفنا، لأن هؤلاء مضرة على المسلمين، فلزم منعهم إزالة للضر".

 ٣_طاعة القانون واحترام النظام.

 

إن التربية الإسلامية تؤمن بأن المجتمع لا يمكن أن ينعم بالراحة والاستقرار ويسير بمدارح السمو والرفعة إلا إذا كانت اليد الطولى فيه للنظام في الظاهر والباطن، وذلك لأن الإخلال بالنظام هو صفة من صفات الشخصيات العبثية البدائية، قال أبو اسحق الشاطبي : "فكيف يستجير العاجل تحريك الفتنة وتشويش النظام وتفويت أصل المصلحة؟ ".

 ٤_ تأدية المستحقات المالية :

من حقوق الدولة على المواطنين ان يتقدموا بتأدية جميع الفروض المالية المترتبة عليهم للدولة، ومن واجبات الدولة تدوير هذه الأموال في مشاريع تنموية شاملة هدفها خدمة الموطنين على جميع المسارات والاتجاهات العامودية منها والأفقية.

 

إن هذه العلاقة التبادلية (علاقة تدوير الأموال) بين الموطنين والدولة من شأنها ان تسهم بإيجاد شخصيات مدنية (الشخصيات المستغنية عن الشيء) قادرة على المحافظة على مدنية المجتمع المسلم ورقيه، وذلك من خلال ابعاده عن الأمراض المادية والمعنوية التي قد تصيب المجتمعات المدنية.

٥_تلبية واجب الوطن :_

 إن الوطن لا يكون مهاب الجانب عزيزا منيعا إلا إذا بذلت الأرواح رخيصة في سبيله، ودفاعا عن شرفه ومكانته، ذلك أن تلبية واجب الوطن بالدفاع عنه من أولويات المواطنة الصادقة.

  ٦_ الاهتمام بتطوير النفس وتحسين الأداء

 

إن اهتمام المرء بتحسين نفسه وتطوير ادائه من الواجبات الوطنية الأولى التي ينبغي للمواطن ان يعيرها عنايته واهتمامه، وذلك لأن ثمار هذا التطوير سينعكس إيجابا على مسيرة الوطن التنموية.

إن التربية الإسلامية لا تقبل  بأن يكون الشخصيات المحترفة بعيدة عن مواقع العمل والإنتاج، وذلك لأن قبول هذه الشخصيات بالمواقع السفلى يعرقل مسيرة الوطن ويقف حجر عثرة في طريق تقدمه، لذلك فهو يوجب عليها الانخراط في سلك التنمية كلٌ حسب طاقته وقدرته، قال المرداوي : "وتلزم الفقير المحترف الحرفة التي تقوم بكفايته كل سنة"، وقال البهوتي : "فإن كان له حرفة لم تجب نفقته بغير خلاف لأن الحرفة تعينه ونفقة القريب لا تجب إلا مع الفقير".

٧_الولاء والانتماء.

 

إن التربية الإسلامية تؤمن بأن الإنتماء للوطن أمر فطري مجبولة عليه نفوس الشخصيات الشريفة،  و تؤكد على أهمية تفعيل مبادىء الإسلام وقيمه داخل المجتمع، وذلك لأن هذا التفعيل هو الضابط الحقيقي لولاء الشخصية وانتمائها،قال ابن تيمية : " النفس تحن إلى الوطن إذا لم تعتقد أن المقام به محرما أو به مضرة وضياع دنيا".

إن التربية الإسلامية تؤكد ان الانتساب الحقيقي للوطن فكرا تجسده الجوارح عملا، وذلك لأن هذا الانتساب هو محور وجود الأمة وهو اساس وحدة أبناءها وتماسكهم، وغياب مثل هذا الانتساب( الولاء والانتماء والاعتذار) لا يؤدي إلى تمزق الأمة وتشققها وتفتتها فحسب بل وإلى انهيارها وضياعها وزوالها.

 

*عميد كلية العلوم التربوية في جامعة إربد الأهلية