الاقتصاد الأخضر .. فرصة لخفض معدلات البطالة
الأردن ضمن الدول العربية الأكثر تقدما بـ"الطاقة المتجددة"
تواجه سوق العمل الأردني مرحلة دقيقة تجمع بين ارتفاع معدلات البطالة، وضعف المشاركة الاقتصادية، واتساع نطاق العمل غير المنظم، في وقت يتقاطع فيه الوضع الاقتصادي مع تحديات بيئية ومناخية تضغط بدورها على القطاعات الإنتاجية وفرص التشغيل.
وتكشف ورقة حقائق حديثة لمنظمة العمل الدولية عن صورة مركّبة تظهر اتساع الفرص في الاقتصاد الأخضر، ما يجعل السنوات المقبلة حاسمة لمسار التنمية وفرص العمل في المملكة.
اختلالات هيكلية
وتشير البيانات، إلى أن المشاركة الاقتصادية في الأردن ما زالت من الأدنى في المنطقة، مع تسجيل معدل عام لا يتجاوز 34.1 % عام 2024، نتيجة فجوة واسعة بين الجنسين، فمشاركة الرجال بلغت 53.4 % مقابل 14.9 % فقط للنساء، وهي فجوة تعكس تحديات اجتماعية واقتصادية تعيق دمج المرأة في الأنشطة الإنتاجية.
وبينما ترتفع البطالة بين البالغين إلى مستويات مقلقة، فإنها تصل لدى الشباب إلى واحدة من أعلى النسب عالميًا بواقع 46.6 %، ما يعني أن نصف الداخلين الجدد إلى سوق العمل تقريبًا غير قادرين على إيجاد وظيفة، وهو ما يضغط على معدلات الفقر ويضع تحديات إضافية أمام النمو الاقتصادي.
ولا يقف الأمر عند ذلك؛ إذ تبلغ نسبة العمل غير المنظم أكثر من نصف إجمالي العاملين، وتبرز المشكلة بقوة بين اللاجئين الذين يشكلون نحو ثلث السكان، ورغم إمكانية حصول عدد كبير منهم على تصاريح عمل، إلا أن جزءًا واسعًا يبقى في السوق غير الرسمي بسبب ضعف الطلب على العمالة وغياب الفرص الملائمة.
بيئة طبيعية هشّة
على الرغم من أن الأردن ليس من الدول الأكثر عرضة للتغير المناخي مقارنة بدول المنطقة، فإن شح الموارد الطبيعية، خصوصًا المياه، ينعكس مباشرة على القطاعات التشغيلية، خاصة الزراعة والسياحة والصناعة.
ويُعد الأردن ثاني أكثر دولة في العالم معاناة من شح المياه، حيث يغطي الدعم الحكومي نصف تكلفة إيصال المياه للمستهلكين، ما يفرض أعباءً كبيرة على المالية العامة.
وتشير الإستراتيجية الوطنية للمياه 2030–2040 إلى خطط واسعة للحد من الفاقد المائي، وتحسين البنية التحتية وتعزيز إعادة الاستخدام، وهي خطوات ضرورية للحفاظ على استدامة القطاعات التي توفر فرص عمل لآلاف الأردنيين.
تحديات مناخية وفرص متنامية
على الرغم من التحديات، يُظهر التقرير جانبًا أكثر إيجابية يتمثل في الفرص المتاحة للتحول نحو الاقتصاد الأخضر؛ إذ ارتفعت نسبة الطاقة المتجددة إلى
24 % من إنتاج الكهرباء عام 2022، لتضع الأردن ضمن الدول العربية الأكثر تقدمًا في هذا المجال.
وترى منظمة العمل الدولية أن هذا التحول قد يخلق أكثر من 100 ألف وظيفة جديدة بحلول 2030، إذا ما تم تطبيق الخطط والمشاريع المعلنة، وتشمل هذه الوظائف قطاعات الطاقة الشمسية والرياح، وإدارة النفايات، والمياه، والنقل النظيف، وغيرها من الأنشطة ذات الطابع المستدام.
ويعمل في قطاع الطاقة المتجددة حاليًا نحو 33560 شخصًا، 80 % منهم في الطاقة الشمسية وحدها، فيما تعتمد المملكة على مشاريع ضخمة مثل مشروع "بينونة" للطاقة الشمسية، ومزرعة "الطفيلة" للرياح التي تشكل نموذجًا رياديًا عربيًا في إنتاج الكهرباء النظيفة.
وتستورد المملكة 93 % من حاجتها للطاقة، وهو ما يشكل عبئًا اقتصاديًا كبيرًا ويعرّضها لتقلبات الأسواق العالمية، ولذلك تُعد مشروعات الطاقة المتجددة والتخزين الكهربائي خيارًا إستراتيجيًا لخلق وظائف وتقليل فاتورة الطاقة.
وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الطاقة مشروعًا ضخمًا للتخزين الهيدروليكي بقدرة 450 ميغاواط في سد الموجب، وهو مشروع سيؤدي عند تشغيله إلى تعزيز استقرار الشبكة وزيادة قدرة الأردن على دمج الطاقة المتجددة، فضلًا عن خلق فرص تشغيل مباشرة وغير مباشرة.
تداخل الاقتصاد والبيئة
تُظهر ورقة الحقائق أن العلاقة بين البيئة وسوق العمل ليست منفصلة كما قد تبدو، فالمخاطر البيئية، من الجفاف وحرائق الغابات إلى تلوث الهواء، تؤثر على القطاعات الأكثر تشغيلًا للعمالة، وتُضعف الإنتاجية، وتزيد الأعباء الصحية.
وفي المقابل، فإن الاستثمارات البيئية، كالطاقة المتجددة وكفاءة استخدام المياه، قادرة على خلق فرص عمل جديدة وتحسين قدرة الاقتصاد على مواجهة الصدمات.
ويقدّم التقرير خلاصة واضحة، قوامها أن الأردن يواجه سوق عمل تعاني من تحديات بنيوية عميقة، لكنها ليست بلا حلول، فالتحول الأخضر، إذا حظي بالتمويل الكافي والتنفيذ الفعّال، يمكن أن يشكل رافعة للتشغيل والنمو.
ومع اتجاه المملكة نحو توسيع مشاريع الطاقة المتجددة، وتحسين إدارة المياه، وتعزيز الحماية البيئية، فإن السنوات المقبلة قد تشهد انتقالًا تدريجيًا لسوق العمل من حالة الضغط إلى حالة الفرص، خاصة للشباب والنساء.





















































