قنابل صوتية .. الحكومة والنواب من أطاح بمن ؟

وكأن من كان يجلس على تلك المقاعد تحت قبة البرلمان يوم الثلاثاء الماضي لا علاقة لهم بمن شغروها صبيحة اليوم الثلاثاء "الموعود" ..
هو ثلاثاء موعود فعلاً، فبعد التهديد والوعيد والمطالبات بالجملة والاشتراطات والأصوات العالية والتحضير لحكومة قادمة، اصبح كل ذلك أثراً بعد عين وخبتت الأصوات، فكان رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة يصيح تحت قبة البرلمان "من مع التصويت على طرح الثقة؟" ولولا بعض الاصوات النيابية التي أيّدت التوجه لسمع الطراونة صدى صوته فقط تحت قبة المجلس.
الطراونة لم يوجّه سؤالاً مباشراً الى الحكومة إن كانت ترغب الاستمهال مُجدداً، فسعى نواب خصوم لها حجبوا الثقة عنها لاحقاً بتذكيرها بالدستور واحقيتها في منح الفرصة لأيام أخرى إلا أن الحكومة التزمت الصمت.
وكأن خيار طرح الثقة بالحكومة كان مستحسناً عند رئيس الوزراء عبد الله النسور، وربما تلقى ضمانات بذلك انتهت بمجازفة خطيرة اقدم عليها مجلس النواب بددت الصورة القويّة التي رسمها لنفسه الاسبوع الماضي، لينتهي الامر بتصويت أطاح بصورة مجلس النواب لا بإخراج حكومة النسور من المشهد السياسي.
في الساعات الأخيرة عشية انعقاد جلسة مجلس النواب وتحديداً في الزفير الأخير من مساء الإثنين، وصلت معلومات تفيد بأن هنالك توجهاً قوياً للتصويت على طرح الثقة بالحكومة، ولأن الساعة متأخرة لم يتم التوثق من تلك المعلومة للخروج بها الى العلن.
يبدو أن السيناريو السابق رُسم على نطاق ضيق، وقد بدأت ملامحه تتضح باستبعاد رئيس الحكومة عبد الله النسور الضليع بأحكام الدستور خيار إستمهال النواب عشرة ايام ، عززه اندفاع النائب مجحم الصقور رئيس كتلة الإصلاح النيابية المتحالفة مع الحكومة وهو يطالب بشدة الإحتكام إلى الدستور والتصويت على الثقة مباشرة.
نواب مقربون من الحكومة يبدو أنهم ليسوا في صورة الموضوع دافعوا عنها وطالبوا برفض خيار طرح الثقة، وكان مفاجئاً أن يعتلي النائب سعد هايل السرور لربع ساعة قدم خلالها مرافعة شرسة لرفض خيار طرح الثقة، كما أن النائب جميل النمري ادلى بدلوه لابعاد ما كان يظنه "شبح الاطاحة بالحكومة".
مصادر افادت قبيل جلسة مجلس النواب صباح الاحد أن هنالك استياء عالي المستوى من قضية ما وصفها ب"خِفة" النواب المفرطة في مسألة عرائض ومذكرات حجب الثقة، وربما كان الخيار الأنسب لكل تلك "المزاودات" التي جرت ترك الأمور لنصوص الدستور وفضح المستور والمواقف الحقيقية لكل نائب فكان التصويت علناً حسب الدستور.
"القنابل الصوتية" التي فجرها مجلس النواب لم تظهر ملامحها عند التصويت على الثقة ، فمنح معارضون شرسون للحكومة الثقة وامتنع آخرون، فيما بقي قلة من النواب ثابتين على موقفهم.
الغريب اندفاع بعض النواب للتصويت للحكومة بحماسة مبالغ فيها وهم يصرخون (ثقة) بأعلى صوتهم بل صرف نواب كلمات المديح للحكومة، والنائب عوض كريشان منح (20) ثقة والنائب سليمان الزبن البس الثقة "عباءة بدوية" كما اعلن ، حتى أن رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة لم يتحرج من القول للامين العام بالوكالة فراس العدوان "لم تناد على اسمي انا امنح الثقة" وعادة ما يختبىء رؤساء المجالس بعدم التصويت بالقول أن تدخله يكون كصوت مرجح اذا تساوت الاصوات.
الطراونة رفض "المزاودة على بعضنا" حينما حاول النائب محمد العلاقمة الحديث، قالها الرئيس وكأنه منزعجاً من كل ما وصلت اليه الأمور، وكان النائب احمد الجالودي أيضاً يريد الحديث إلا أن الطراونة قاطعه فلا يجوز الحديث أثناء التصويت انتهى الامر ب"امتناع" الجالودي عن التصويت لا الحجب .
نواب آخرون حجبوا الثقة تحسروا على ما جرى فحجبت النائب هند الفايز الثقة "كرامة للأردنيين" ووصف النائب بسام المناصير اليوم ب"الحزين" في تاريح المؤسسة البرلمانية فيما قال النائب خميس عطية " انا لله وانا اليه راجعون حجب"، أما النائب مصطفى شنيكات حجب الثقة وبرر ذلك بالقول " لتردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية ومن اجل فقراء الاردن"، أما النائب خلود الخطاطبة فاعتبرت أن الهدف من الجلسة هو تجديد الثقة للحكومة، أما النائب يحيى السعود اطلق "استقالة" مدوية بصوت مرتفع تحت القبة وسط دهشة ما جرى.
النسور لم يكن على درجة من التفاؤل لكي تجدد له الثقة في مثل هذا الطرف، بل أنه ضمن ثقة أعلى من حيث النسبة مقارنة بتلك التي نالها أول مرة، فمن حجب الثقة 29 نائباً بعد أن كانوا 66 أول مرة .
الأكثر مآساة لمراقبين ليس بقاء الحال على ما كان عليه قبل اليوم ووضع الحكومة في مواجهة قرارات صعبة ، بل أن المجلس اصبح شريكاً في عدم تبني التوصيات التي صوت عليها فلم تلغى معاهدة وادي عربة، ولم يطرد السفير الإسرائيلي من عمان وبقي السفير الاردني في تل ابيب، ولم يفرج عن الدقامسة.
الرئيس الطراونة طوى الصفحة كلها بمباركة لحكومة النسور بتجديد الثقة، الذي غادر القبة مسرعاً بعد اعلان النتيجة.