الملك في حوار مع الحياة اللندنية : علينا مسؤولية حماية الأردنيين وال
لا يستطيع الاردن الابتعاد من حرائق المنطقة، فهي تشتعل على حدوده. صحيح انه تدرب على التعايش مع محيط مشتعل، لكن الصحيح ايضاً ان الاخطار الحالية غير مسبوقة. وهي أخطار تعنيه في أمنه واستقراره واقتصاده. الحريق السوري ملتهب ومرشح للتصاعد، والثمن الذي يدفعه الاردن قد يتخطى عبء استضافة اللاجئين. ثم إن الاردن جار الأنبار العراقية التي تشهد حالياً فصلاً صارخاً من القتال ضد «القاعدة»، اضافة الى الاقتتال الداخلي بنكهته المذهبية. وهناك الملف الشائك المزمن المتعلق بالمفاوضات الاسرائيلية - الفلسطينية.
عشية القمة العربية المقررة في الكويت، سألت «الحياة» الملك عبدالله الثاني عن ابرز هموم الأردن الحالية وهنا نص الحوار:
* جلالة الملك، يأتي هذا الحوار قبيل القمة العربية في الكويت. ماذا تحمل الأجندة الأردنية من أولويات إلى القمّة؟
- تأتي القمة في وقت يواجه فيه العالم العربي تحديات مصيرية في ظل تغيرات إقليمية وعالمية مستمرة، أبرزها التجاذبات والتنافس بين أبرز القوى الدولية، وتحديات اقتصادية وأمنية كبيرة. ومن الضروري توظيف هذا المنبر العربي المحوري، وكل المنابر العالمية الأخرى لتقريب المواقف العربية في التعاطي مع التحديات. ولنتذكر أن بعض القوى استغلت ضعف التضامن العربي للتأثير في الأزمات التي يواجهها العرب بما يخدم مصالحها.
عقد القمة يتزامن أيضاً مع حاجة الدول العربية الماسة الى استعادة زخم العمل العربي المشترك كإطار لمواجهة تحدياتنا. فالالتفات إلى الداخل والتركيز على المشاكل والأولويات الداخلية تسود أجواء العمل العربي، ونأمل أن تشكل هذه القمة فرصة لمعالجة هذه الحالة، والتركيز على التكامل العربي الذي يشكل الحل الحقيقي لتحدياتنا السياسية والأمنية والاقتصادية.
كما ستركز المشاركة الأردنية في القمة على مركزية قضية العرب والمنطقة، وهي القضية الفلسطينية، ودعم العملية السلمية وفقاً لمبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وبما يلبي طموح الشعب الفلسطيني الشقيق بإقامة دولته الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشرقية، وينهي النزاع في المنطقة، ويكفل في الوقت نفسه حقوق الأردن ومصالحه العليا المرتبطة بقضايا الحل النهائي.
كما سنركز على الأزمة السورية وتبعاتها على الأردن والإقليم والعالم، وضرورة إنجاح الحل السياسي الذي طالما ذكّرنا العالم بأنه الحل الوحيد الذي ينهي العنف وسيل الدماء ويُفضي الى الدخول في مرحلة انتقالية شاملة تنهي النزاع المسلح وتحتوي تداعيات الكارثة الإنسانية وتنامي التطرف، وهذه قضايا تمس مستقبل المنطقة والعالم.
* عقدتم اخيراً لقاء مطولاً مع الرئيس باراك أوباما؟ هل صحيح أن اهتمام الولايات المتحدة بمنطقتنا تراجع وأنها تعطي الأولوية لمفاوضاتها مع إيران متجاهلة مصالح حلفائها؟ وبماذا نصحتم أوباما في موضوعي سورية وفلسطين؟
- طول مدة اللقاء يعكس اهتماماً عميقاً من الجانب الأميركي بقضايا المنطقة، والرئيس أوباما كان واضحاً في تشديده على تاريخية وإستراتيجية العلاقة بين الولايات المتحدة وأصدقائها من الدول العربية، وحرصه على أمن المنطقة واستقرارها.
الإدارة الأميركية على تواصل مع إيران حالياً، ضمن مجموعة 5 +1، بهدف معالجة الملف النووي، وأنا لمست الجدية والحزم من الرئيس أوباما وأركان الإدارة في هذا الشأن، وهناك واقعية أميركية في منح الإيرانيين فرصة ووقتاً كافياً لإظهار الجدية وحسن النية وتغييراً في الأسلوب. والإدارة الأميركية واضحة في ربط موضوع الحوار مع إيران بسقف زمني محدد ووفق النتائج.
بالنسبة الى موقفنا في الأردن من الملف النووي الإيراني، فنحن نؤيد الجهود الديبلوماسية والحلول السلمية الساعية الى تجنيب المنطقة أي عمل عسكري وتبعاته، لكنني أؤكد ضرورة الوصول إلى شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، مع احترام حق الدول في برامج الطاقة السلمية. وهذا المبدأ، الذي طالما نادينا به، يجب أن ينطبق على جميع الأطراف في المنطقة. كما أن هناك ملفات عدة مرتبطة بعلاقات إيران مع الدول العربية، والتي تستوجب معالجتها بالطرق الديبلوماسية أيضاً. وفي ما يخص أمن الشرق الأوسط واستقراره، فإن الأردن حريص كل الحرص على أمن الأشقاء في دول الخليج العربية، فأمننا القومي متكامل ومصيرنا واحد ومشترك.
بالنسبة الى القضية الفلسطينية وعملية السلام، فحديثي شدّد على مركزية القضية الفلسطينية وارتباط أمن المنطقة واستقرارها وما هو أبعد منها بحل هذه القضية في شكل عادل وشامل. فالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي يشكل النزاع الأطول عمراً في المنطقة، بما يجسده من غياب للعدالة والظلم المستمر، وسيكون حلّه مدخلاً الى معالجة الكثير من تحديات الإقليم.
وفي إطار حديثي عن القضية الفلسطينية، والتي شغلت جزءاً مهماً من اللقاء الذي امتد لأكثر من ساعتين ونصف الساعة، أكدت أنه لا يوجد بديل منطقي وعملي لحل الدولتين، وأن نافذة هذا الحل لن تبقى متاحة إلى الأبد، فتغيّر الحقائق على الأرض في ما يخص التواصل الجغرافي لأراضي الدولة الفلسطينية يتطلب الإسراع في إنجاز السلام العادل والشامل تحت رعاية ومظلة أميركية تضمن تحقيق العدالة.
كما أكدت ضرورة ضمان المصالح الأردنية في قضايا الحل النهائي، فحتى تقوم الحلول العادلة والمستدامة يجب أن تُكفَل المصالح الأردنية العليا والمرتبطة بقضايا الحل النهائي، خصوصاً القدس، واللاجئين، والحدود، والأمن، والمياه.
أمّا بالنسبة الى سورية، فحديثي تمحور حول التحذير من خطورة استمرار الأزمة، التي دخلت عامها الرابع، وطول أمدها على المنطقة والعالم، خصوصاً ما يتصل بتصاعد التطرف والإرهاب، وما نلمسه من توسع للصراع الطائفي والإرهاب لبعض دول جوار سورية، وتزايد تدفق اللاجئين، والضغط الهائل على الأردن ودول الجوار السوري وعلى قدراتها ومواردها، وأهمية إيصال الدعم الإنساني والإغاثي إلى اللاجئين السوريين في الدول المستضيفة وإلى داخل سورية.
* هل تتوقعون نتائج مهمة من زيارة أوباما إلى السعودية بعد الفتور الذي ظهر في العلاقات بين البلدين؟
- نتوقع ذلك وندعمه، ونأمل أن تكون الزيارة نقطة إيجابية إضافية في سجل العلاقة التاريخية والإستراتيجية بين الولايات المتحدة وأشقائنا في المملكة العربية السعودية.
خلال لقائي الأخير مع الرئيس أوباما، لمست منه مدى تقديره لأهمية دول الخليج وقياداتها ومدى حرصه على تعميق العلاقة التاريخية والإستراتيجية بين الجانبين.
إن تعزيز العلاقات وتقارب وجهات النظر بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة مدخل مهم لاستقرار المنطقة وبلورة حلول ومبادرات كفيلة بتعزيز الأمن والاستقرار والازدهار، في ضوء الدور السعودي القيادي وقدرته على التأثير عربياً وإسلامياً بقيادة أخي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وما يتمتع به من حكمة وحنكة وسعيه الدائم الى حماية مصالح الدول العربية والمنطقة وشعوبها وأجيالها.
الأردن حريص على إبقاء قنوات التواصل بين الدول العربية الشقيقة والولايات المتحدة في أفضل المستويات، لنقل قضايا المنطقة وهموم شعوبها والتحديات الإستراتيجية وإبقائها على رأس الأجندة الدولية وحاضرة في عواصم القرار العالمي. ولمست دوماً من الطرفين السعودي والأميركي حرصاً على تجاوز أي سوء فهم أو تباين في وجهات النظر.
وآمل أن توفر زيارة الرئيس أوباما المقبلة نافذة لإحراز تقدم إيجابي في مسائل ترتبط بعملية السلام والوضع في سورية. ومن الضروري والمفيد استماع الإدارة الأميركية الى آراء ووجهات نظر الأشقاء في المملكة العربية السعودية، فهي الدولة العربية الأكثر تأثيراً.
* هل يمكن أن تتعايش الولايات المتحدة مع استمرار الحرب في سورية سنوات إضافية، وهل يستطيع الأردن التعايش مع وضع من هذا النوع؟
- هل يمكن أياً منّا أو حتى العالم أجمع التعايش مع نزاع مفتوح إلى الأبد! لا أعتقد ذلك. الشعب السوري الشقيق هو الخاسر الأول ومن سيدفع ثمن طول أمد النزاع. كما لا أعتقد بأن سورية قادرة على الاستمرار في نزاع بهذه الوتيرة من العنف والحدّة لسنوات طويلة، لأنه يهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي السوري، وبتدمير بنيتها ومؤسساتها، وبالانزلاق لا قدّر الله نحو سيناريو «الدولة الفاشلة».
الولايات المتحدة، كما غالبية المجتمع الدولي، تعي تداعيات الأزمة السورية على الأمن والسلم الدوليين، خصوصاً أمن الشرق الأوسط وسلمه. فقضايا الهجرة واللجوء، وصعود التطرف، وسيناريو الدولة الفاشلة، وتحول سورية إلى ساحة للعنف والإرهاب قضايا تقلق الجميع. وطول أمد النزاع يُهدد أيضاً بالوصول إلى حالة من التعب أو الإنهاك في التعاطف والاهتمام الدولي تجاه قضية الشعب السوري.
لذا يجب ألا نسمح لهذا النزاع بالاستمرار، وعلى كل الدول العربية ودول الجوار المعنية والمجتمع الدولي العمل في شكل جدي من أجل جوانب الصراع كافة، ومعالجة مأساة اللاجئين السوريين، وإنجاح حل سياسي يُفضي الى مرحلة انتقالية شاملة تتوافق عليه مكونات المجتمع السوري ويكفل وحدة سورية وسيادتها ويمثل جميع أطياف الشعب السوري، ويرتكز إلى عملية إعادة بناء نابعة من الداخل السوري.
وبالنسبة إلينا في الأردن، فموقفنا القومي والإنساني تجاه أشقائنا السوريين ثابت، والشعب الأردني فتح ذراعيه لأشقائه العرب في كل المحن، والأردنيون تقاسموا مواردهم مع أشقائهم العرب والسوريين، إلا أن الضغط الهائل على مواردنا بات يحد من قدراتنا.
فالتحدي الأبرز لانعكاسات الأزمة السورية ليس في امتدادات النزاع إلى الأردن، فليست لدينا تركيبة ديموغرافية كتلك التي في بعض دول الجوار الشقيقة التي قد تتأثر بتداعيات هذا الجانب. المشكلة الأساسية لدينا هي في أعباء موجات اللجوء. فالأردن يستضيف حالياً أكثر من 1.3 مليون من الأشقاء السوريين، نصفهم فقط مسجلّون كلاجئين، و80 في المئة منهم يعيشون في المدن الأردنية مستفيدين من دعم خدمات الصحة والتعليم والطاقة والسلع الأساسية. الضغط هائل على البنية التحتية والخدمات، خصوصاً أن 40 في المئة من السوريين المقيمين هم من الأطفال وبحاجة الى خدمات الرعاية. فكلفة الاستضافة على الاقتصاد الوطني تقارب الـ 3 بلايين دولار لهذا العام، وفق تقديرات مختلفة وبالتعاون مع هيئات الأمم المتحدة، وهي تتصاعد، والمساعدات الدولية لا تواكب التسارع في حجم الاحتياجات. فالدعم الدولي والعربي مقدر، لكن من الضروري أن يرتقي إلى حجم الأزمة التي نواجهها، بحيث يوجه ضمن ثلاثة محاور: إلى حكومات الدول المستضيفة للاجئين مقابل الخدمات المركزية التي توفرها، وإلى المجتمعات المحلية المستضيفة للاجئين السوريين لتمكينها ومساندتها، وإلى داخل سورية أيضاً حيث النازحون في أمسّ الحاجة إليه.
وها هو الأردن يعايش الأزمة السورية للسنة الرابعة، وأثبت مِنعته وصلابته، وصموده في وجه هذا الظرف الاستثنائي. فكون الأردن واحة أمن واستقرار على مرّ العقود، بتوفيق من الله وبوعي أبنائه وبناته، جعله موئلاً. والأردن قادر دوماً على التكيّف وتوجيه قدراته بما يضمن مواجهة أي تحدٍ، وهذا ممكن بفضل الأداء الوطني والمهني لمؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية والقوات المسلحة، وبفضل الدعم العربي والدولي.
لكن، كلما طال النزاع في سورية، تجذّر التطرف، وضعفت المؤسسات في سورية، وتمزق النسيج الاجتماعي السوري، وهذا خطر على العالم بأسره، وسيدفع الجميع الثمن. وكلما امتد أمد النزاع، تصاعدت تكلفة معالجته بكل أبعاده.
* هل هناك خطر جدّي بتقسيم سورية كأمر واقع؟ وهل فشل الحل السياسي في سورية؟ وما هي نصيحتكم للرئيس بشار الأسد في هذه المرحلة؟
- تحليلي ورأيي المبني على تاريخ المنطقة وعلى الواقع الفعلي على الأرض هو أن أي تقسيم لسورية سيخلق مشاكل خطيرة للشعب السوري وللمنطقة برمّتها.
كل سيناريوات التقسيم كارثية النتائج على سورية والمنطقة. وعلى رغم أن استمرار النزاع وطول أمده يفتحان مجالاً لتقسيم فعلي على الأرض كجزء من اقتسام المناطق بين الأطراف المتنازعة، إلا أنهما سيطلقان موجات لا تنتهي من العنف والتطرف والكراهية، ويهددان بتعميق الحرب الأهلية الطائفية العرقية، التي ستكون ارتداداتها عابرة للحدود وخطيرة على السلم الإقليمي والدولي. كما أن التقسيم والتفكك سيُنتِجان كيانات هشّة تشكل عبئاً أمنياً وبشرياً على جيران سورية، وقد يغذّيان توجهات انفصالية خطيرة في المنطقة.
حل الأزمة السورية سياسياً هو في ضمان وحدتها. العملية السياسية ستستغرق وقتاً، وقد تكون هناك جولات عدة من لقاءات دولية تعتمد صيغة «جنيف 1» و «جنيف 2» وقد يستغرق الأمر مدة تطول وتصل بنا إلى «جنيف 5» أو «جنيف 6»! إلا أن علينا الحرص على إنجاز حل سياسي وعملية انتقالية وسلمية شاملة بما ينقذ سورية ويجنّبها والمنطقة مزيداً من العنف والفتنة والخراب. فخيار الحل السياسي يجب ألا يسقط. لكن كلما تأخر هذا الحل، كانت الكلفة على سورية وشعبها أكبر.
ونصيحتي لكل السوريين، خصوصاً القادرين على التأثير في مسار الأحداث، سواء أكانوا في السلطة أم في المعارضة، أن اتقوا الله في وطنكم وشعبكم، وتبنّوا حواراً حقيقياً من أجل سورية ومستقبل أجيالها ينهي النزاع المسلح، وينقذ الفسيفساء السوري الفريد والقائم على التنوع والتعدد.
* هل يخشى الأردن عودة الأردنيين الذين يقاتلون في سورية وهم من الجهاديين المتشددين؟
- في حقيقة الأمر، إن هؤلاء، وغالبيتهم من فئة الشباب، لم يكونوا في الأساس من حملة هذا الفكر المتشدد. ما يحدث هو أن معظمهم يعانون ظروفاً اقتصادية واجتماعية صعبة بسبب الفقر والبطالة، وعدم تكافؤ الفرص الاقتصادية والاجتماعية المتاحة لهؤلاء الشباب، ما يجعلهم أهدافاً سهلة لأشخاص يقومون بالتغرير بهم ونقلهم إلى مواقع النزاع، وهناك تبدأ عملية «غسل دماغ» وتحويلهم إلى متطرفين. هؤلاء الشباب هم في الحقيقة ضحية لهذه الظاهرة التي سببتها مجموعة تستغل الدين لتجنيد شبابنا واستخدامهم وقوداً في النزاع الدائر، ولا بد من محاربة الفقر والبطالة وترسيخ العدالة الاجتماعية لقطع الطريق على التطرف ومن يروّج له.
وعليه، فإن صعود هذا التيار ليس ظاهرة خاصة بالأردن. هناك أكثر من 60 جنسية تقاتل في سورية، فهذا التحدي تواجهه دول مسلمة وغير مسلمة. ما يجري في سورية يمثل وقوداً للتطرف ويهدد بضياع مستقبل جيل بأكمله، ولا بد من إنهاء النزاع الدائر هناك للنجاح في احتواء التطرف وعدم انتقاله إلى دول الجوار والعالم.
والأردن ملتزم ضبط حدوده بكل مسؤولية، كما أن قوانينا كفيلة بتجريم وردع أي عمل ذي أبعاد إرهابية وحماية مواطنينا وضمان أمنهم وأمانهم، ومؤسساتنا قادرة على التعاطي مع هذه الارتدادات ومعالجتها. ولكن يجب ألا ننسى أن المشكلة الأساسية هي في وجود ظرف قائم ومستمر في سورية أدى إلى صعود مثل هذه التيارات وبروز أيديولوجيتها.
للأردن نموذج إيجابي في التعامل مع التطرف ومعالجته وإعادة تأهيل ضحاياه، ومن ضمن هذه الجهود «رسالة عمّان» ومبادرات تبني على فكرها وتتصدى للمنابع الفكرية للتطرف، إضافة إلى سلسلة مستمرة من اللقاءات الدينية التوفيقية، مثل المؤتمر الأخير لمؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي، والتي تعرّي التطرف بالحجة والبرهان بهدف محاصرة هذا الفكر وإصلاحه.
ومن ضمن جهود الأردن في مجال التصدي للفكر المتطرف أيضاً حرصه على حماية الأقلية المسيحية العربية وهي مكوّن تاريخي أصيل في مجتمعاتنا، إذ احتضن الأردن اخيراً مؤتمر «التحديات التي تواجه المسيحيين العرب» للوقوف على هذه التحديات ومعالجتها مرتكزين إلى النموذج الأردني القائم على قيم تاريخية من التآخي والتراحم واحترام التنوع والاندماج التي تمنحنا الثقة والقوة في مواجهة التطرف.
* تستضيف المملكة حالياً سرباً من طائرات «إف 16» الأميركية وبطارية صواريخ «باتريوت». ما مدى استفادة الأردن من وجودهما؟
- علينا مسؤولية حماية الأردنيين، ويجب أن يكون شعبنا متأكداً من أننا نبذل قصارى جهدنا لحمايته، فالحيطة الآن أفضل من الأسف لاحقاً، لا قدّر الله.
وأستغرب حقيقة من يشكك في حق الأردن بحماية نفسه ! كيف يمكن أن نطمئن والإقليم من حولنا ملتهب! وواجبنا أن تكون هناك جاهزية عالية لحماية شعبنا.
أمن الأردن يشكل ركناً أساسياً لاستقرار الإقليم. والأردن قادر على حماية أرضه وشعبه بقدراته. وأصدقاء الأردن وشركاؤه الدوليون حريصون على أمنه وسيدافعون عن استقراره، وجيشنا العربي مشهود له بالخبرة والمهنية وقدرته في الذود عن الوطن يعرفها القاصي والداني.
الأردن يتعايش مع الأزمة السورية وانعكاساتها للعام الرابع على التوالي. خطر انفلات السلاح الكيماوي، الذي كنّا من أوائل من حذّر منه، ما زال حاضراً في الماضي القريب. التفاهمات الدولية تهدف إلى معالجته، ولكنّ برنامجاً من هذا القبيل يتطلب الوقت. وإلى أن يتم ذلك وفي شكل مطمئن، فمن حقنا، بل من واجبنا اتخاذ كل الاحتياطات والتدابير لحماية شعبنا، وهذا ما نفعله وسنفعله، فأمن الأردن يتقدّم على كل شيء آخر.
* ما هو رأي جلالتكم في التوتر الحالي بين أميركا وروسيا إثر الأزمة في أوكرانيا، وهل تتوقعون أن تكون لتصاعد التوتر بين البلدين انعكاسات على الأزمة السورية؟
- أوّد هنا التذكير بموقف الأردن الداعي الى احترام سيادة أوكرانيا، واحترام المواثيق والالتزامات الدولية بين مختلف الأطراف المعنية بالأزمة، وتغليب الحوار والتفاهم، إضافة إلى احترام حقوق الإنسان والأقليّات داخل أوكرانيا، وهو موقف عبّر عنه الأردن من موقعه في مجلس الأمن. فاحترام سيادة الدول وإرادة الشعوب هو جوهر السياسة الخارجية الأردنية، وهو ما أكسبنا الاحترام والثقة الدولية.
القضايا والمصالح الدولية مترابطة، ولا شك في أن تقويم المواقف والسياسات بين الدول الكبرى يتم في شكل كلي لا جزئي. ولذلك، تواصل الأردن منذ بدايات تصاعد الأزمة الأوكرانية مع أصدقائنا الأميركيين والروس والأوروبيين، متسائلاً عن أثرها على استمرارهم بالعمل معاً لأجل حل الأزمة السورية، لنذكّر بأن أي إهمال للأزمة السورية أو تباطؤ في معالجتها سيزيد من تعقيداتها وستصبح أكثر صعوبة وخطورة وسيدفع المجتمع الدولي بأسره الثمن.
* يتحرك وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، لإنجاز إطار للتفاوض بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. هل أنتم على اطلاع تام على التفاصيل؟ وهل يقبل الأردن فكرة وجود قوات إسرائيلية أو أميركية على الجانب المقابل لحدوده الغربية؟
- نحن مطلعون على هذه التفاصيل، وكما قلت، فإن السلام المستدام يتطلب انخراط الأردن وضمان مصالحه العليا، ولن نقبل بأي شكل من الأشكال بحل على حساب الأردن وشعبه.
بالنسبة الى جزئية الحدود التي ذكرتها، فهي ضمن قضايا الوضع النهائي المتداخلة والمرتبطة بقضايا الحدود والترتيبات الأمنية، وهذه سيتم توضيحها في مفاوضات الوضع النهائي. فالجانب الأميركي سيقترح إطاراً للتفاوض، وإذا وافق عليه الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، فإنه سيكون بمثابة الأسس التي يرتكزان عليها في التفاوض على قضايا الحل النهائي. في ما يتعلق بالحدود، فالأردن سيدعم الصيغة التي سيتوصل إليها الفلسطينيون والإسرائيليون تحت الرعاية الأميركية، وبما لا يمس سيادة الأردن بالتأكيد، وبما يضمن السيادة الفلسطينية الكاملة على أراضيها.
تلوح اليوم فرصة حقيقية لإيجاد حل سلمي عادل وشامل، والأردن يقوم بدور بنّاء في تقريب وجهات النظر والوصول إلى حلول تكفل حق الفلسطينيين في إقامة دولة ذات سيادة وفق مبادرة السلام العربية، وتوفر الضمانات الأمنية الضرورية لأمن كل دول المنطقة واستقرارها.
* هل تجددت المخاوف مما يروج له البعض والمسمى بـ «الوطن البديل»؟
- كان لي أخيراً حديث مطوَّل في هذا الشأن ووصفته بأوهام الوطن البديل، وأريد هنا أن أوضح بعض النقاط.
لقد علّمنا تاريخ عملية السلام أنه كلّما اقتربنا من بوادر الحل، تعلو قلة من الأصوات التي تسعى الى تقويضه، وحديث الوطن البديل هو تجسيد لهذا الأمر.
إذا كان المقصود بالوطن البديل الأوهام التي يروج لها متشددون إسرائيليون يتوهمون بإمكانية إفراغ الأراضي الفلسطينية من أهلها وإقصائهم إلى الأردن، فهذه فعلاً أوهام. الظرف الدولي، والموضوعي، والوطنية الأردنية، والدولة الأردنية بمؤسساتها الراسخة، والوطنية الفلسطينية، كلها ستكون الصخرة التي ستتحطم عليها هذه الأوهام.
أمّا إذا كان الحديث عن الوطن البديل هو مدخل لبث سموم المحاصصة السياسية في الأردن وفرز الناس وشحنهم على أساس الأصول والمناطق، فالهوية الوطنية الأردنية جامعة، والشعب الأردني بكل مكوناته كفيل بردع مثل هذا الخطاب الهدّام. وعلى مدار سنوات النزاع العربي-الإسرائيلي، وبعد إقرار معاهدة السلام مع إسرائيل، التزم الأردن مواقف وسياسات داعمة للشعب الفلسطيني ولاستمراره في وجوده على أرضه بحرّية وكرامة ولحقّه في إقامة دولته المستقلة.
وأريد هنا التأكيد أن حق العودة هو من ثوابت الدولة الأردنية، وهذا لا يتعارض بتاتاً مع اعتبار مبدأ المواطنة، بما تمثله من حقوق وواجبات، الإطار الناظم لعلاقة الدولة بالفرد وبالمجتمع.
أمّا في ما يخص مستقبل العلاقة بين الشعبين الأردني والفلسطيني، وكما ذكرت مراراً، فهو أمر ينتظر إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة الكاملة على التراب الوطني الفلسطيني، ليقرر الشعبان والدولتان شكل العلاقة التي تحقق مصالحهما المشتركة. ومن يعرف مدى عروبية الشعبين الأردني والفلسطيني يطمئن إلى أن العلاقة بينهما ستضرب مثالاً متقدماً في التعاون والتكامل.
* هل الانفتاح العراقي على الأردن اقتصادي (خط الغاز والنفط) أم سياسي أيضا؟
- الأردن من حيث المبدأ منفتح على الجميع، ونفتخر بعلاقاتنا المميزة مع مختلف الأشقاء والأصدقاء. ونعتبر مبدأ حسن الجوار من معززات العمل العربي المشترك.
الأردن حريص جداً على استقرار العراق ووحدته وانسجام مكوناته، ونحن نقف على مسافة واحدة من جميع أطراف الطيف والمشهد السياسي، وتعاملنا مع العراق يتم عبر قنوات مؤسسية رسمية تثريه علاقات اجتماعية وطيدة بين الشعبين.
ليس من مصلحة أحد إحياء العنف في العراق، أو تسرب العنف من سورية إلى العراق واتساع دائرته لا قدّر الله. ونريد للعراق الشقيق أن يكون شريكاً فاعلاً وقوياً في محيطه العربي يضطلع بدور بنّاء داعم للقضايا العربية والإسلامية، وأن تكون كل مكونات الشعب العراقي شريكة في بناء الدولة وجهود التنمية الشاملة.
الأردن والعراق في أمسّ الحاجة الى تعميق التعاون الاقتصادي الثنائي، والتقدم المنجز في بعض مشاريع الطاقة يأتي ضمن الانفتاح الذي وصفته، كما أن تنويع مصادر الطاقة هو ضمن إستراتيجيتنا الوطنية، والأردن بوابة اقتصادية حيوية للعراق، وترجمة هذا الطموح إلى ازدهار فعلي تعيشه الشعوب تحتاج إلى أجواء من الهدوء والاستقرار، وهذا ما نتمناه.
* هل تخشون على الوضع في لبنان في حال استمرار الحرب السورية؟
- طالما حذّرنا من تداعيات الأزمة السورية واستمرارها على دول الجوار. وكنا دائماً إلى جانب لبنان في كل المحافل العربية والدولية لحشد الدعم الإغاثي، وتمكينه من التعامل مع التبعات الإنسانية للأزمة السورية.
الوضع الأمني والسياسي في لبنان دقيق، ويحاول لبنان جاهداً النأي بنفسه عن الانجرار إلى الأزمة السورية. فتركيبة لبنان لا تحتمل من أي طرف لبناني أن يتدخل في الأزمة السورية، فيقحم كل لبنان في تبعات هذه الأزمة.
هناك مؤشرات مقلقة حقاً مثل سلسلة التفجيرات والاشتباكات المسلحة على خلفيات طائفية، وقصف لبلدة لبنانية حدودية، وتجاذبات داخل المشهد السياسي نتيجة انغماس بعض الأطراف في النزاع في سورية.
ومن باب الحرص على أمن لبنان واستقراره وسيادته ووحدته، نؤكد ضرورة عدم التدخل غير البنّاء من أي من الأطراف اللبنانية في النزاع السوري.
قلبنا على لبنان ومعه لأنه الأكثر تأثراً بالأزمة السورية في ظل تركيبته الديموغرافية. ويجب أن يكون هناك وعي بدقة الوضع في لبنان وتبعات موجات اللجوء على استقراره.
* كيف تنظرون إلى الوضع الحالي في مصر، وإلى مستقبل هذا البلد العربي؟
- نحن لا نتدخل في الشأن الداخلي لأي من أشقائنا العرب، وهذه من ركائز السياسة الخارجية الأردنية، ولكن تحليلي للوضع في مصر يرتكز على أهمية عودة الأمن والاستقرار، فلا يمكن تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط من دون مصر، ومن يدّعي غير ذلك فهو لا يعرف المنطقة وتاريخها، فهي أكبر بلد عربي من حيث السكان، إذ تشكل وحدها 25 في المئة من المجتمع العربي، واستقرارها وأمنها ودورها المحوري تنعكس إيجاباً على المنطقة ككل.
العرب والمسلمون بحاجة الى مصر لتعود قوية وفاعلة وتحمي كل مكونات الشعب المصري. فهي في قلب العالم العربي والإسلامي، وحلقة الوصل بين آسيا وأفريقيا، ودورها محوري في نشر الأمن والاستقرار والاعتدال.
يجب النظر إلى فترة الولاية الرئاسية المقبلة في شكل شامل، فهي محطة مهمة لمستقبل مصر تتطلب قيادة قوية تتمتع بثقة غالبية المصريين وحكيمة وقادرة على قيادة مصر ومؤسساتها الراسخة الى بر الأمان خلال هذه الفترة، وللتصدي للتحديات الأمنية الداخلية وللمساهمة في استعادة الاستقرار في الدول المحيطة بمصر والمهمة لنا جميعاً في الدول العربية.
نحن ندعم مساعي مصر للعودة الى الاستقرار والأمن الكامل والتصدي للإرهاب ونبذه، ونعوّل على استمرار الدور التاريخي للأزهر الشريف في الدفاع عن صورة الإسلام الحنيف وتعزيز قيم الوسطية والاعتدال والتآخي والتعايش.
من الضروري أيضاً المضي قدماً بخريطة الطريق التي تحظى بتوافق الغالبية في مصر، بما تتضمنه من محطات إصلاحية وديموقراطية في هذه التحولات الدقيقة، وسنحترم دائماً خيارات الشعب المصري الشقيق، وندعم من يختاره ويثق به ليمثله ويحمي مصالحه. والشعب المصري سيقرر والتاريخ سيبيِّن من عمل لمصر ومن عمل ضدها. الحياة اللندنية