سمية تحمل في جسدها 100 حرقة سجائر خلال عام من زواجها المبكر
أكثر من 100 ندبة، مجموع حروق السجائر، على جسد “سمية”، الطفلة البالغة من العمر 16 عاما، والتي دأب زوجها على حرق جسدها بأعقاب السجائر على مدى عام كامل.
سمية (وهو اسم مستعار)، هي إحدى ضحايا زواج القاصرات، بعد أن أجبرت الظروف المادية القاسية أسرتها على تزويجها، في سن الـ15، من شاب يكبرها بتسعة أعوام، ظنا منهم أنها ستتخلص بزواجها من فاقة الفقر المدقع.
بعد مضي عام على زواج “الطفلة سمية” عادت إلى منزل ذويها، تحمل بين ذراعيها رضيعا، بالأشهر الأولى من عمره، وندوبا منتشرة على كافة أنحاء جسدها الغض، تحكي قصة تعذيب وعنف أسري.
لم تلتحق سمية يوما بالمدرسة، فهي تجهل القراءة والكتابة. والدها مقعد، وغير قادر على العمل، في وقت تتحمل به الأم مسؤولية الأسرة كاملة.
صغر سن سمية، وجهلها بحقوقها وكونها ضحية للزواج المبكر، جعلها تعتقد أن العنف الذي يمارسه عليها الزوج “هو أمر عادي، بل وحق من حقوق الزوج على زوجته”، وما كانت لتمانع بهذا النوع من الحياة، لولا تقدم الزوج بشكوى شقاق ونزاع، بحق زوجته، وممارسة ضغوطات عليها، بهدف التنازل عن كافة حقوقها الشرعية، بما فيها حضانة الطفل.
وبعد أن قرر الزوج إنهاء زواجه، بدون إعطاء زوجته أدنى حقوقها الشرعية، توجهت الطفلة مع والدتها إلى عيادات الطب الشرعي، لتثبيت العنف الأسري وآثاره الذي وقع على الابنة.
ويقول اختصاصي الطب الشرعي الدكتور رجائي الشوحة إن “مجموع آثار حروق السجائر على جسد هذه الطفلة، تجاوز 100 حرق، تنتشر في كافة أجزاء جسدها، وتمت على فترات مختلفة”.
ويتابع أن “سمية ضحية مركبة لنوعين من العنف الأسري، هما العنف الجسدي والزواج المبكر”، موضحا أن “القاصرات هن أكثر عرضة للعنف الجسدي من قبل الأزواج”.
وحول الإحصاءات والأرقام المتعلقة بضحايا العنف الأسري، من الزوجات القاصرات، يوضح الشوحة أنه “ليس هناك إحصاءات دقيقة في هذا المجال، وكطب شرعي لا تصلنا هذه الحالات إلا عند تقدم الزوجة بشكوى ضد الزوج، أو عند قرارها الانفصال”.
ويتابع: “التبليغ عن العنف الأسري محدود جدا، ولا يعكس الواقع، وعادة ما يكون الخيار الأخير للزوجة بعد استنفاد كل الفرص للعيش حياة طبيعية”.
ويرى الشوحة في العنف الأسري، أنه “عنف طويل الأمد، نتيجة للظروف الاجتماعية المتعلقة بطلب الأسرة من ابنتها الصبر أو محاولة تغيير طباع الزوج، أو التعود عليها، في حين يبقى العامل الأكثر تأثيرا وجود أطفال في الأسرة”.
سمية توجهت إلى مركز العدل للاستفادة من المساعدة القانونية. وبينت المديرة التنفيذية للمركز هديل عبدالعزيز أن “قضية سمية، مركبة، وتتمثل في العنف الجسدي، الذي كان يمارسه الزوج، فضلا عن أنها ضحية زواج مبكر”، لافتة إلى أن المركز سيرفع قضيتين، شرعية وجزائية، لضمان حصول الزوجة على حقوقها الشرعية بالنفقة وحضانة طفلها، فضلا عن حقوقها الجزائية”.
وتتابع أن “قضية سمية تؤكد مرة أخرى ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة بقضية زواج القاصرات، لضمان الحد من هذه الظاهرة”.
ويشترط قانون الأحوال الشخصية، لمن يرغب بالزواج، أن يكون كل منهما قد أتم الثامنة عشرة سنة شمسية، إلا أنه يجوز للقاضي أن يأذن بزواج من لم يتم منهما هذا السن، إذا كان قد أكمل الخامسة عشرة، وكان في مثل هذا الزواج مصلحة، تحدد أسسها تعليمات يصدرها قاضي القضاة لهذه الغاية.
وترى عبدالعزيز، أن القانون يعطي غطاء شرعيا لزواج القاصرات، ولم يساهم فعليا في الحد منه.
وتلفت إلى أن “المعنفات تتضاعف مشكلتهن عندما يكن قاصرات، إذ يتضاعف العجز والإقصاء لهن”.
من ناحيتها، توضح المحامية هالة عاهد أن “حالة سمية تعكس القصور في قانون الحماية من العنف الأسري، وصعوبة وصول الخدمات إلى الفئات الأكثر ضعفا، فضلا عن الآثار السلبية للاستمرار في تشريع زواج القاصرات”.
وتتابع “ما تزال الأسباب الاقتصادية مبررا للسماح بزواج القاصرات، وانتزاع طفولتهن، ولا يتم الأخذ بعين الاعتبار بتبعات هذا الزواج، لجهة ارتفاع مخاطر تعرض الفتاة للعنف الأسري، وعدم قدرتها على إدارة شؤون الأسرة، وارتفاع نسب الطلاق، وما ينجم عليه من تبعات اجتماعية ونفسية على الطفلة المطلقة، وتزداد المشكلة تعقيدا في حال وجود الأطفال”.
وتلفت عاهد إلى الإشكالية المتعلقة بعدم توفير الخدمات لمستحقيها، لجهة ضمان حق الفتيات في التعليم الإلزامي، وتوفير معونة وطنية لائقة وكافية للأسر العفيفة، وتقديم خدمات التوعية والإرشاد للأسر، لتحذيرها من خطورة الزواج المبكر وكيفية حماية بناتهن من العنف”.
ووفقا لإحصائيات العام 2012، وصلت حالات الزواج المبكر إلى 7598، من أصل 56570 عقد زواج، وكانت أكثر نسب الزواج المبكر في العاصمة عمان، بواقع 2832 حالة.