تجديد الخطاب الديني وإعادة اكتشاف الذات العربية الإسلامية
مراكش – سعيدة شريف
أكدت الباحثة المصرية المتخصصة في الفكر الصوفي هالة فؤاد أن الكيفية المثلى التي يمكن أن نحمي بها تراثنا هي أن نعرضه للهدم، من أجل بنائه من جديد، وأن نعيد النظر في التراث العربي الإسلامي، وخاصة التصوف، ولا ننظر إليه نظرة قداسة، أو نطرحه كبديل حالي في مقابل التيارات الإسلامية المتشددة، أو المؤسسات الرسمية.
ودعت هالة فؤاد، في مداخلة لها بعنوان "رؤيا العالم في الخطاب الصوفي ما بين التراثي والمعاصر"، أثناء الجلسة الثالثة صباح يوم الأحد 18 مايو (أيار) بمراكش، من فعاليات المؤتمر السنوي الثاني لمؤسسة "مؤمنون بلا حدود" حول "الخطاب الديني: إشكالياته وتحديات التجديد"، إلى إعادة طرح الأسئلة، والتفكير بصوت عال في التصوف العربي الإسلامي، من دون التفكير في أي حل، لأن التكور التاريخي الحتمي سيفرز حلوله بكل تأكيد.
وأول سؤال انطلقت منه هالة فؤاد هو أزمة الدراسات المعاصرة حول التصوف، التي تتناول الموضوع بكثير من الحيطة والقداسة، كما لو أن الموضوع منطقة اتهام، داعية إلى ضرورة استنباط رؤيا للعالم حول هذا المجال التصوفي ورجالاته، وإعادة النظر في الكثير من الخطابات القديمة، التي تعود إلى القرن الرابع للهجرة، وما يعاد إنتاجها إلى الآن بالطريقة نفسها.
وتساءلت هالة فؤاد أيضا، عن الرؤيا التاريخية عند الصوفية، هل هي رؤيا يمكن أن تعيدنا إلى رؤيا العالم أم أنها نظرة أصولية بجدارة؟ وما المفهوم الذي طرحه المتصوفة في العلاقة بالسلف الصالح؟ وهل هناك تناقض بين العقلانيين والمتصوفة فيما يخص العقل؟ وعن أي عقل يتحدث المتصوفة؟
وأشارت هالة فؤاد إلى أن "المتصوفة طرحوا مفهوما آخر للعقل، غير العقل الأرسطي، أكثر انفتاحا وأقل سلطوية"، وهو المفهوم الذي لا يوجد له أثر في الطرق الصوفية، على الأقل في بلدها مصر، كما قالت، لأن الطرق الصوفية فيه هي إعادة مشوهة للتصوف، استبدل فيه العقل بالخرافة.
ومن جهته، تساءل المفكر التونسي احميدة النيفر، عن إمكانية الضبط الزمني والإشكالي لظهور الخطاب التجديدي في الفكر العربي الإسلامي، مشيرا إلى أنه المدخل الأساسي لفهم هذا الفكر، والخطاب، وتتبع مساره وتحولاته في الفكر العربي الإسلامي.
واختار النيفر، رئيس "رابطة تونس للثقافة والتعدد"، في مداخلة له بعنوان "من التقليدين التحديثي والتراثي إلى خطاب التجديد الإسلامي"، الانطلاق من مقولة لياسين حافظ، التي يتحدث فيها عن الجذور الماركسية، موضحا أنه لا يمكن الحديث عن تجديد الخطاب الديني إذا لم يتم ربطه بمسألة التصور للتراث، كما أن التجديد الإسلامي، برأيه، ليس مناقضا للتحديث.
وأشار النيفر إلى أن العالم العربي الإسلامي عرف التجديد عبر ثلاثة مراحل، أثر فيها الاتجاه التراثي، والماركسي، والإصلاحي، وأبرزت أسماء ومحطات، توقف عند اسمين منها هما أمين الخولي، ومحمد إقبال، الذي رأى فيه أول لبنة من الجيل الثاني من التجديديين، الذي طرح هذا المفهوم من داخل الثقافة العربية الإسلامية.
وأوضح النيفر أن الجيل الثالث هو الذي سيتبنى فكرة وحدة التاريخ، ورؤية العالم، التي رأى فيها اختبارا للتجديد في الوقت الراهن، مشيرا إلى أن التجديد للأسف ظل منحسرا في رؤية الذات المسلمة، وعاجزا عن تجاوز المرجعية التقليدية.
وخلص النيفر إلى أن "تجديد الخطاب الديني هو إعادة اكتشاف الذات وفق الشروط المعرفية الجديدة، وتحول في البنية الفكرية والثقافية للمجتمعات العربية الإسلامية. إنه نهاية اغتراب الإنسان في العالم العربي الإسلامي".
أما الباحث التونسي حافظ قويعة، فأشار في مداخلة له بعنوان "مشاريع التجديد الديني في الثقافة العربية المعاصرة: نحو قراءة متفهمة"، إلى العديد من الشواهد المستمدة من المفكر المغربي عبد الله العروي، والتونسي هشام جعيط، والراحل محمد أركون، وبعض الباحثين والمفكرين الغربيين والعرب، وعلى رأسهم محمد عبده، ودعا إلى قراءتها من جديد، لان بها العديد من المفاتيح لفهم ما يجري اليوم في العالم العربي المعاصر.
وذكر أن الأزمة التي نعرفها اليوم أعقد بكثير من تلك التي كانت في القرن 19، رغم بعض المنجزات التحديثية.