انتخابات الاتحاد الأوروبي شكلت انتصاراً للديمقراطية
رغم أن مستوى ظهور الناخبين في مراكز الاقتراع كان قليلاً في العديد من الأماكن، وأن الشعبويين اليمينيين سجلوا مكاسب مهمة، كانت انتخابات البرلمان الأوروبي نهاية الأسبوع قبل الماضي مهمة تاريخياً. لقد حولت ميزان القوى في أوروبا لصالح الناخبين.
* * *
للمرة الأولى في تاريخ الاتحاد الأوروبي، قدمت الأحزاب الأوروبية الرئيسية في البرلمان الأوروبي مرشحين من المراتب العليا، والذين خاضوا حملاتهم للفوز بمنصب رئيس المفوضية الأوروبية، وألقوا خطابات أساسية في الكثير من أنحاء أوروبا، في تجربة أثرت على أكثر من 400 مليون ناخب.
كان الهدف من تقديم المرشحين الرئسيين هؤلاء هو تأسيس سمة أساسية فيما يشكل أساساً انتخابات وطنية، بالإضافة إلى إضفاء الصفة الشخصية على الحملات وتكثيف ظهور موضوع الانتخابات على شاشات التلفزة. وكان الأمل أن يؤدي ذلك إلى زيادة مشاركة الناخبين في يوم الانتخابات بما يكفي لإبقاء اليمين الشعبوي بعيداً في معظم البلدان. لكن التجربة لم تنجح بالقدر الذي أمل الكثيرون بأن تحققه.
خاض جان كلود يونكر حملته نيابة عن المسيحيين المحافظين الديمقراطيين، وخاض مارتن شولز حملته لصالح الديمقراطيين الاجتماعيين من يسار الوسط. وقد أخذ المرشحان على عاتقهما مهمة جعل الانتخابات أوروبية حقاً، وعملا إلى درجة الإنهاك. وخلال كل ذلك، ترتب عليهما أن يعالجا عدداً من العوائق الصغيرة والكبيرة، مما وضعهما في كثير من الأحيان تحت ضغوط هائلة.
الناخبون يصفون الحسابات
رغم جهودهما، لم يستطع الرجلان أن يزيدا حجم مشاركة الناخبين بشكل كبير. وقد حققا قدراً أكبر من النجاح في هذا المسعى في البلدان التي يبلي فيها الاقتصاد بلاءً حسناً نسبياً، مثل ألمانيا. ومع ذلك، لم تنجح حملتاهما في دول مثل فرنسا، وبريطانيا، والنمسا واليونان، في خضم المناظرات والحساسيات المحلية المهيمنة. وبدلاً من ذلك، عمد الناخبون في تلك البلدان، من اليسار واليمين، إلى استغلال الانتخابات لتسوية حساباتهم مع حكوماتهم. وبالنسبة لهؤلاء، كانت الأحزاب المناهضة للاتحاد الأوروبي بمثابة وسائل لتحقيق غايات، وطغت الاعتبارات الوطنية على القضايا الأوروبية. وكما حدث في الماضي، جرى استخدام التصويت لمعاقبة الأحزاب الوطنية.
في هذه المسألة، شكلت تجربة إيفاد مرشحين رئيسيين إخفاقاً. ومع ذلك، ظلت هذه الانتخابات مهمة تاريخياً. وربما لا يكون هذا واقع الحال في ألمانيا، لكنها سوف تثير أمواجاً في السياسات المحلية في بعض الدول الأعضاء، وستهز الوضع القائم. وفوق كل شيء، أشرت هذه الانتخابات على أن ميزان القوى قد تحول في أوروبا -مقدماً أشياء إضافية يعتد بها للبرلمان الأوروبي والناخبين على حد سواء.
عن طريق شخصنتهما للانتخابات، قدم المرشحان الرائدان بعض الحقائق التي سيكون من الصعب تغييرها. من الصعب جداً تصور أن يتمكن قادة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من منع المنتصر كان كلود جونكر من أن يصبح الرئيس المقبل للمفوضية الأوروبية في حال قامت أغلبية في البرلمان بدعمه. وفي هذه المرة، سيكون "التحالف الكبير" التقليدي في البرلمان الأوروبي بين المسيحيين الديمقراطيين المحافظين (حزب الشعب الأوروبي) وحزب الاجتماعيين الديمقراطيين من يسار الوسط (الاشتراكيين والديمقراطيين)، تحت قيادة المحافظين، ويرجح أن يحقق ذلك الأغلبية المطلوبة. وما يعنيه ذلك في النهاية هو أنه سيترتب القادة من أمثال المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي كانت قد قالت إن الفائز لن يصبح بشكل أتوماتيكي رئيساً لمفوضية الاتحاد الأوروبي، أن يخضعوا لرغبات الناخبين. ومع أن القادة سيظلون أحراراً في اختيار المرشحين لمناصب مهمة أخرى في الاتحاد الأوروبي، بما فيها الأعضاء الآخرين للمفوضية، فإن منصباً مهماً جداً يرجح أن يكون قد سُلم الآن لتقدير الناخبين. ذلك هو ما يجب أن تكون عليه الأمور، وهو يشكل تطوراً إيجابياً.
رغم أن التجربة مع فكرة الدفع بمرشحين بارزين لم تسفر عما أمل به الناس، فقد تبين مع ذلك أنها مسعى جدير بالاهتمام. وحتى لو أن ظهور الناخبين في مراكز الاقتراح لم يكن كبيراً كما كان يمكن أن يكون، فقد جعلت هذه الانتخابات أوروبا أكثر ديمقراطية مع ذلك.