جلالة الملك التقط الإشارة ووجّه.. هل نرى استجابة ؟!
ادت الأصوات النخبوية الداخلية في الأردن تتعالى مطالبة بالإصلاح الكامل والشامل، القائم على أساس عدالة التوزيع في الموارد وعدم الاقصاء، الأمر الذي اعتبره مراقبون 'تداعيا داخليا للأزمات الإقليمية'، التي تعد الازمة العراقية احدثها.
النخبة الاردنية السياسية والمفكّرة ما عادت تخفي اهمية إعادة احياء مشروعات إصلاحية ظلّت بأدراج صناع القرار منذ انطلاق الدعوات الاولى للاصلاح من الملك عبد الله الثاني مع بداية الربيع العربي.
مشروعات كـ 'الوحدة الوطنية' الداخلية، وتنمية المحافظات، التي عدنا نسمعها اليوم، باتت ملامحها جميعا معروفة حتى تكاد تكون 'نسخا عن بعضها'، بما في ذلك خطوات تطبيقها، الأمر الذي تحدث مبكّرا في سياقه مايسترو المبادرة البرلمانية الإصلاحية- التي تعد الأضخم في الفترة الماضية- الدكتور مصطفى الحمارنة لـ 'العرب اليوم' سابقا عن كون 'التشخيص' لا ينقص الواقع الأردني، فمشاكله معروفة، وانما ما ينقصه 'التطبيق'.
الدعوات التي تطلقها اليوم النخب للدولة بأن تبتعد عن 'الاقصاء' بين ابناء ذات البلد، بكل اطيافه وفي كل بقعة من بقاعه، إلى جانب تحفيزها لـ 'تنمية المحافظات'، وبالأخص تلك الحدودية التي قد تكون حيث 'تؤكل الكتف' الأردنية؛ الأمر الذي يراه محللون مدفوعا بـ 'الخوف' الذي قد يرقى لمستوى الرعب من اي انهيار للجبهة الداخلية.
اليوم، وتزامنا مع ارتفاع وتيرة العنف في العراق، وزيادة التخوف من استنساخ تجربة 'الفرق المسلحة' المتمثلة بتنظيم 'داعش' أو 'الدولة الاسلامية في العراق والشام'، أو أي من التجارب المطالبة بالانفصال، كان اول من التقط الحاجة الماسة للاصلاح 'مجددا' جلالة الملك عبد الله الثاني، في زيارته الأخيرة لرئاسة الوزراء.
الملك وجّه صراحة، للحفاظ على الجانب الاقتصادي في حياة المواطنين في الفترة المقبلة، إلى جانب أهمية 'تنمية المحافظات'، ومتابعة المسؤولين لاحتياجات الاشخاص على أرض الواقع، وهو ما ليس غريبا اجمالا على المشهد الأردني الذي كانت دوما دعوة الاصلاح فيه تنطلق برعاية ملكية.
الملك، التقط الإشارة القادمة من الشرق والشمال إلى جانب التهديدات من الغرب بضمّ الغور إلى الأراضي المحتلة؛ الإشارة يمكن ان تختصر بنقطتين: أولاهما تتحدث عن تنظيم 'مستشرٍ' في بلدان المنطقة، ولا دولة 'على رأسها مظلة' منه، والثانية تقول ان الانظمة الاقصائية تصبح الاكثر 'هشاشة' دوليا، الأمر الذي لا يرغب مواطن، أو مقيم في بلد 'الأمن والأمان' أن يجرّب منه ذرّة.
اليوم، لم يعد من المجدي إنكار الهوّة الكبرى التي باتت موجودة ومعمّقة بين أبناء الوطن الأردني الواحد، ورغم أن الدعوات المذكورة، وضعت يدها على مستودعات 'المتفجرات' حسب ما قال عنها احد المحللين الاستراتيجيين، مبينا ان على الدولة اليوم، وبعد ان امنت الملفات الاشكالية المتعلقة بالخارج الالتفات الى داخلها، إلا أن اجراءً رسميا 'جدّيا' لم يتم اتخاذه في السياق.
حديث الملك، والاستجابة المؤجلة، انسجم تماما مع ما تحدث عنه قبل أيام المفكر الدكتور عدنان ابوعودة، باعتباره مشكلة مستعصية، تحتاج تحليلا وتفكيكا، ثم اعادة تركيب لهيكلية الدولة الاردنية، بطريقة تحوي جميع الاطياف المجتمعية وبصورة عادلة.
أبو عودة أيضا ذهب للحديث عن 'إشكالية' الاصلاح، حين تحدث عن عناصره الثلاثة: الرغبة والارادة والاستجابة، الأمر الذي تحدث عن كونه يرى أول عناصره 'الممثلة بالرغبة الملكية الدائمة في الاصلاح'، معتبرا أن عنصر الارادة يأتي إن تكونت الاستجابات للرغبة؛ وفي هذه الجزئية تحديدا قال أبو عودة انه لا يرى 'استجابات' وانما 'طاعة' الامر الذي يفقد فعل الاستجابة مرونته ويفرغه من مضمونه المبدع الخلاق.
أبو عودة ختم حديثه، الذي قال فيه مطولا ان الاقصاء ليس حلا لأي من المشكلات بكونه يرى 'رغبة' ولا يرى 'إرادة' للاصلاح الداخلي في الاردن.
الاقصاء اليوم يمثل 'الرجل الاسود' الذي يقف خلف الدولة، والقابل للانفجار بأية دقيقة، فأبناء المحافظات يجاهرون بعدم رضاهم عن تعامل الدولة معهم، الأمر الذي لم يكتف عدد من أهالي معان، مثلا، بالمجاهرة فيه، وانما ذهب بعضهم لتأييد تنظيم خطير مثل 'داعش'، الأمر الذي لا يمكن إغفاله، أو عدم أخذه بالحسبان، عند القيام بأية إعادة هيكلة جديدة للدولة.
بعض المحافظات الأردنية، ومعان مثال صارخ عليها، قد تجد في التعامل الخشن للدولة مع أبنائها إلى جانب تهميشها خدماتيا، سببا في ديمومة اضطراباتها، ما سيشكل تحديا للدولة، إن هي عادت لتأجيل احتواء الازمة التي عمّقها التجاهل والحلول الانية حسب المراقبين.
تنمية المحافظات، لن تحدث ان لم يرافقها سلسلة من الاجراءات الاصلاحية كتطبيق مبدأ اللامركزية.
إلى جانب اللامركزية، يأتي تعديل قانوني الانتخاب والاحزاب بما يتلاءم مع المعايير الدولية كضرورة ليس منها مهرب للدولة الاردنية الحديثة، واللذين برأي المفكر الدكتور عدنان أبو عودة، لا إصلاح دونهما.
المطلوب أخيرا من الدولة الأردنية اليوم، خلق 'لغة مشتركة' بين كل عناصر وفئات الدولة الأردنية، بعد أن تعددت ثقافات ابنائها واتجاهاتهم نحوها، لغة قوامها سيادة القانون أولا وأخيرا، والعدالة بين الأفراد والمناطق، إلى جانب السعي نحو التنوير الفكري الثقافي من جانب، وتكافؤ الفرص من جانب آخر.
الأمر الذي لا يمكن في سياقه إغفال أي من مكونات المجتمع أو حتى الذهاب لـ 'شطبها'، وهو ما يقول فيه مؤسس منتدى الفكر الحر المحامي سائد كراجة 'إن بناء هوية وطنية بالتطهير العرقي او الديني فعل فاشل، ولنسأل التاريخ'.