أحداث العراق تعصف بمشروع خط النفط
تخيم الأحداث المتسارعة في العراق بظلالها على العديد من القطاعات التجارية والاقتصادية في المملكة، التي تترقب وتنتظر نهاية لا تبدو سريعة للأزمة المتفاقمة هناك.
وأعرب العديد من ممثلي القطاعات التجارية والاقتصادية في المملكة عن مخاوفهم على مصالحهم مما يجري خلف الحدود الشرقية للمملكة، والتي أغلقت منذ بداية الأحداث تقريبا، الأمر الذي كبد تلك القطاعات خسائر يومية لم تحص قيمتها بعد، لاسيما وأن نزيف الخسائر ما يزال مستمرا مع تعقيدات الوضع العراقي المتصاعدة.
ويؤكد العديد من ممثلي القطاعات أن قطاعات مثل التخليص والصناعة والاستثمار والتجارة والتصدير والنقل والترانزيت قد تضررت جراء إغلاق الحدود المشتركة بين الأردن والعراق.
المخاوف لم تقتصر على المصالح المتبادلة والتي أصابتها الأحداث بأضرار كبيرة، بل على المشروعات المستقبلية والتي كان الأردن والعراق يعتزمان القيام بها بشكل مشترك، سواء على مستوى خط الأبنوب النفطي بين البصرة والعقبة أو النقل السككي.
المفارقة، أنه لا يبدو أن القطاع النفطي الأردني من بين القطاعات المتضررة بشكل مباشر، في ظل توقف إمدادات النفط العراقي إلى المملكة منذ أواخر العام الماضي، لكن الأحداث الجارية هناك ستؤثر على مؤشر أسعار النفط عالميا، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على المملكة التي ستزيد عليها الفاتورة النفطية، وما يعنيه ذلك من زيادة العجز في الميزان التجاري، ناهيك عن انعكاس ذلك على زيادة نزيف خسائر شركة الكهرباء الوطنية، وارتفاع أسعار السلع والخدمات على المستهلك الأردني.
قطاع التخليص
نقيب أصحاب وشركات ومكاتب التخليص، عبدالمنعم العزايزة، أكد أن 50 % من التخليص حاليا متوقف مع أحداث العراق الأخيرة وإغلاق الحدود.
وأشار الى أن جميع القطاعات التي تصدر للعراق متوقفة حاليا سواء من معدات أو سيارات أو مواد غذائية الى حين فتح
الحدود وإيجاد حل.
وتوقع العزايزة تكدس بضائع الترانزيت التي كانت متجهة للعراق في ميناء العقبة وساحات الجمارك بكميات كبيرة.
قطاع الصناعة
عضو مجلس إدارة غرف صناعة عمان، المهندس موسى الساكت، أكد أن أحداث العراق الأخيرة ستنعكس بشكل كبير على القطاع الصناعي، خصوصا أن العراق هي أكبر دولة حاليا يتم التصدير لها من قبل الصناعيين الأردنيين.
وأشار الى أن المشكلة ستنعكس بشكل أكبر خلال الأيام المقبلة، وخصوصا على الصناعيين الجدد الذين يصدرون الى العراق حديثا، وذلك لأنهم لا يعرفون ناقلين ذوي خبرة كما هو الحال بالنسبة للمصدرين القدماء.
وأوضح الساكت أن هناك صناعيين سيترددون حاليا للتصدير للعراق، وخصوصا "أولئك الذين ليس لديهم باع طويل في التصدير للعراق".
وألمح الساكت الى أن 235 مليون دينار هو حجم الصادرات الى العراق خلال الثلث الأول من العام الحالي، حيث إن حجم
الصادرات الكلي كان قد قدر بما يزيد على المليار دينار لكل الدول.
وأشار الى أن أكثر القطاعات التي يتم تصديرها هي الصناعات الكيماوية ومستحضرات التجميل وذلك بنسبة 25 % تليها الصناعات التعدينية بنسبة 20 %، ومن ثم الصناعات الهندسية والكهربائية بنسبة 14 % والصناعات العلاجية بنسبة 13.7 % و10 % صناعات التعبئة والتغليف.
قطاع الاستثمار
وأكد رئيس الجمعية الوطنية لحماية المستثمر، الدكتور أكرم كرمول أن الاستثمار الأردني داخل العراق سيتأثر بالأحداث التي تشهدها، متوقعا أن يكون هناك تحول من قبل المستثمرين الأردنيين هناك الى مناطق أخرى أكثر أمنا أو إيقاف استثماراتهم.
وأشار كرمول الى أنه وفي حال كان المستثمرون منضمين الى مؤسسة ضمان الاستثمار العربية الإقليمية فإنهم قد يخاطرون بالبقاء ولو لفترة داخل العراق بحكم أن هذه المؤسسة قد تعوضهم عن خسائر قد تحدث نتيجة للحروب والأوضاع الأمنية.
وأشار كرمول الى أن الاستثمارات الأردنية غالبا ما تخرج من العراق، خصوصا أن المستثمرين باتوا يتكبدون خسائر منذ فترة.
القطاع التجاري
وفيما يتعلق بتأثير الأحداث المتوترة في العراق على القطاع التجاري، قال ممثل قطاع المواد الغذائية في غرفة تجارة الأردن، محمد العبداللات، إن خسائر قطاع المواد الغذائية من اللحوم المبردة والدواجن، بالإضافة إلى البيض وصلت إلى قرابة مليون
دينار بسبب إغلاق الحدود العراقية.
وأكد العبداللات أهمية السوق العراقي باعتباره منفذا مهما لولوج البضائع الأردنية والصادرات الوطنية والتي تعتمد بشكل
كبير على المستهلك العراقي.
وبين العبداللات أن إغلاق الحدود العراقية أمام الصادرات الوطنية سيؤدي إلى زيادة العرض من المواد الغذائية في السوق المحلية، وما يتبع ذلك من انخفاض أسعارها، مشيرا إلى الخسائر الكبيرة التي ستلحق بالمزارعين والتجار بسبب ذلك.
وطالب العبداللات الحكومة بالنظر إلى التجار بعين الرحمة والعمل على تخفيض ضريبة المبيعات المفروضة على البيض، بالإضافة إلى تخفيض الرسوم والضرائب المفروضة على المواد الغذائية الأخرى.
قطاع التصدير
من جهته، قال رئيس جمعية المصدرين، المهندس عمر أبو وشاح، إن أحداث العراق أدت إلى امتناع جمعية المصدرين عن التصدير جراء الأحداث الحاصلة في العراق، في الوقت الذي يعتبر فيه التصدير إلى العراق فرصة كبيرة لانسياب بضائعهم.
وأشار أبو وشاح إلى أن أحداث العراق حرمت المملكة من تصدير ما قيمته 33.6 مليون دينار في أسبوعين.
وبلغ مجموع الصادرات الوطنية الى العراق العام الماضي 883 مليون دينار، وعند قسمتها على عدد أيام السنة يكون المعدل اليومي للتصدير 2.4 مليون دينار، ما يجعل مجموع الصادرات الممكن ولوجها للسوق العراقي نحو 33.6 مليون دينار.
قطاع النقل والترانزيت
وفيما يتعلق بحركة التصدير إلى العراق عبر الشاحنات الأردنية، قال نقيب أصحاب الشاحنات الأردنية، محمد خير الداوود، إن حركة التصدير إلى العراق متوقفة بسبب إغلاق الحدود العراقية جراء الأحداث الحاصلة في العراق.
وأكد الداوود تحذيرات النقابة المستمرة للسائقين بعدم التوجه إلى الحدود العراقية خوفا على أرواحهم.
وبين الداوود أن قطاع النقل البري يتحمل خسائر كبيرة بسبب الأوضاع الحاصلة في العراق، بالإضافة إلى سورية، فضلا عن حرمان سائقي وأصحاب الشاحنات من مصدر عيشهم، لافتا إلى أن السفر إلى الحدود وتحميل البضائع يعتبر مصدر
رزقهم الوحيد لتأمين لقمة العيش لأسرهم.
وقال الداوود إن نحو 2000 شاحنة عاملة على الخطوط الأردنية العراقية تكدست نتيجة الأوضاع المتوترة الحاصلة في العراق، ما يعني أن 2000 أسرة على الأقل فقدت مصدر رزقها.
القطاع النفطي
لا يبدو القطاع النفطي الأردني من بين القطاعات المتضررة بشكل مباشر، لاسيما أن إمدادات النفط العراقي إلى المملكة متوقفة منذ أواخر العام الماضي، حسبما يؤكد الرئيس التنفيذي لشركة مصفاة البترول الأردنية، المهندس عبدالكريم العلاوين.
وقال العلاوين أمس إن المصفاة لم تستلم أي كمية تذكر من هذا الخام منذ مطلع كانون الأول (ديسمبر) الماضي، مشيرا إلى أن تلك الفترة كانت تشهد بدايات الاضطرابات في مناطق غرب العراق وما تبعه ذلك من تأثيرات على أمن النقل إلى المملكة.
أما بخصوص المشاكل المتعلقة بعقد ناقل النفط من الأراضي العراقية إلى المملكة، فقال العلاوين إن تلزيم أي ناقل محلي لإيصال الكميات إلى المملكة وطرح العطاءات والإجراءات الخاصة بذلك من مسؤولية وزارة الطاقة والثروة المعدنية وحدها.
وبين العلاوين أن المصفاة كانت تستلم نحو 10 آلاف برميل يوميا قبل ذلك التاريخ ترتفع في بعض الأيام إلى 15 ألف برميل، مشيرا إلى أنه يتم خلط النفط العراقي مع السعودي (بنسبة 15 % إلى 20 % من النفط العراقي والباقي سعودي) حتى تستطيع معدات المصفاة التعامل مع نوعية النفط التي تردها من العراق.
وقال وزير النفط العراقي، عبدالكريم لعيبي في تصريح إلى خلال زيارته للمملكة في آذار (مارس) الماضي إن العراق رفع الخصم الممنوح للمملكة على سعر برميل النفط إلى 20 دولارا أقل من السعر العالمي بدلا من 18 دولارا، مؤكدا أن بلاده مستعدة لرفع الكميات الموردة إلى الأردن في أي وقت، غير أن الاستيراد متوقف من الجانب الأردني بسبب انتهاء عقد الناقل وانتظار طرح عطاء لتعيين ناقل جديد.
يشار إلى أن الاتفاق بين البلدين يتضمن مد الأردن بـ10 آلاف برميل يوميا من النفط الخام ترتفع إلى 15 ألف برميل، لتتم زيادتها مستقبلا إلى 30 ألف برميل، بالإضافة إلى 1000 طن من الوقود الثقيل في وقت كان يصل إلى 18 دولارا للبرميل عن السعر العالمي و78 دولارا لطن الوقود الثقيل، غير أن مقدار هذا الخصم يتقلص إلى 5 دولارات للبرميل بسبب ما يتحمله الجانب الأردني من تكاليف نقل وتأمين.
من جهته، رأى وزير الطاقة والثروة المعدنية السابق، مالك الكباريتي، إن الاضطرابات الأمنية التي تؤثر على العراق حاليا ستعطل من إجراءات سير المشاريع المشتركة بين البلدين ومنها مشروع خطوط النفط والغاز.
وأوضح أن هذه الاضطرابات ستؤخر على الأقل تنفيذ المشروع وإنجازه في الموعد المقرر، فيما تضاف إلى هذه الاضطرابات مشكلة أخرى وهي بيروقراطية القطاع والتباطؤ الكبير في تنفيذ مشاريعه.
ووقع العراق والأردن في 9 نيسان (ابريل) 2013 اتفاقية إطار لمد أنبوب لنقل النفط العراقي الخام من البصرة إلى مرافئ التصدير فى ميناء العقبة، على ساحل البحر الأحمر.
ويتضمن مشروع أنبوب النفط (البصرة-العقبة) جزأين أولهما سيكون داخل الأراضي العراقية وتنفذه الحكومة العراقية، فيما سيمتد الجزء الثاني بين الحديثة والعقبة مطروحا للاستثمار.
ولم يستبعد نائب رئيس وأمين سر مجلس الأعمال العراقي، سعد ناجي، إلغاء مشروع خط النفط بين البلدين في حال زادت الأوضاع الأمنية سوءا في العراق.
وقال ناجي إن المشروع استثماري بالكامل ينفذه مقاولون من القطاع الخاص، وبالتالي فإن استمرار تدهور الأوضاع الأمنية خصوصا في منطقة عبور الخط قد يثير مخاوفهم من الدخول فيه.
غير أن ناجي أكد أن شركة المشاريع النفطية العراقية، وهي الشركة الحكومية المسؤولة عن المشروع، ما تزال حتى الآن
تسير في إجراءات المشروع وفقا لما هو مخطط له بما فيها الإجراءات التعاقدية من شركات المقاولات الكبرى التي تم تأهيلها لتنفيذ المشروع، مبينا أن تطورات الأوضاع في العراق خلال الأيام المقبلة ستحكم إمكانية تنفيذ المشروع من عدمه.
إلى ذلك، أكد الخبير الاقتصادي، الدكتور زيان زوانة، أن الأحداث المتوترة في العراق تسهم في ارتفاع أسعار النفط عالميا وما ينجم عن ذلك من ارتفاع في أسعار المشتقات النفطية محليا لارتباط سعرها بالسعر العالمي. وزاد زوانة "أن ارتفاع أسعار المشتقات النفطية محليا سينعكس حتما على ارتفاع أسعار السلع في السوق المحلية، وبالتالي ارتفاع معدلات التضخم".
وبين زوانة أن ارتفاع أسعار النفط محليا ينعكس كذلك على ارتفاع حجم الفاتورة النفطية وبالتالي زيادة العجز التجاري للمملكة. وأضاف أن خسائر كبيرة ستلحق بشركة الكهرباء الوطنية سيدفع ثمنها المواطن الأردني من خلال ارتفاع أسعار السلع والخدمات.