اردنيون عائدون من العراق يصفون اوضاع الحدود
"نجونا من الموت" هي أول الكلمات التي تسمعها من كل عائد من العراق عند وصوله مركز حدود الكرامة - المعبر الوحيد الذي يربط الأردن بالعراق- فيما ترتسم ملامح الرعب على وجوههم من مشاهد الدمار والاقتتال والانتشار الغريب للجماعات المسلحة على طول الطريق الدولي السريع الرابط بين بغداد والحدود.
الأوضاع وكما يرويها من سموا أنفسهم بـ"الناجين من الموت" تعكس صورا من صور الفوضى الأمنية على طول الطريق منذ لحظة مغادرة بغداد إلى الحدود الأردنية.
ووفق سائقين قادمين من العراق التقت بهم "الغد" عند خروجهم من مركز حدود الكرامة باتجاه الأراضي الأردنية، فإن جماعات مسلحة وملثمة تنتشر على الطريق الدولي في مناطق مختلفة تثير الرعب، فيما يسيطر الجيش العراقي على مناطق أخرى، واصفين المشهد على طول الطريق بـ"الفوضى الأمنية".
توارد الأخبار والقصص من قبل "العائدين"، باتت الأساس الذي تبنى عليه عزائم الراغبين بالسفر من وإلى العراق، سواء من قبل المواطنين أو سائقي الشاحنات من مختلف الجنسيات، ما انعكس على حركة عبور حدود الكرامة التي يصفها الناجون بـ"شبه المتوقفة".
وهو ما يؤكده مصدر أمني، في أن حركة العبور للمسافرين والشاحنات عبر حدود الكرامة تراجعت إلى أدنى مستوياتها خلال الأيام الماضية، بعد توارد الأخبار عن سيطرة مسلحين في العراق على مناطق حساسة وما يتبع ذلك من نزاع مسلح هناك.
وزاد أن تدني حركة العبور إلى العراق تعود إلى مخاوف المسافرين وسائقي ومالكي سيارات الشحن جراء ما يحدث على الطرف الآخر من أوضاع أمنية مقلقة وغير آمنة، لافتا إلى عدم صدور أي قرار بإغلاق حدود الكرامة من قبل الحكومة الأردنية.
وفي مقابل ما تشهده الحدود من تدني أعداد المسافرين، تزداد التعزيزات العسكرية كاجراء امني احترازي، كانت الحكومة قد كشفت عنه سابقا، لتبدو منطقة الحدود وكأنها منطقة عسكرية تنتشر فيها الدبابات وقاذفات الصواريخ، فيما تحلق الطائرات بين الفينة والأخرى في سمائها.
وكان وزير الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور محمد المومني أكد سابقا "أن القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية تتابع ما يحدث من تطورات على الحدود وستتخذ الإجراءات الضرورية والاحترازية المناسبتين على مدار الساعة، بحسب مقتضى الحال وتداعيات الموقف".
ولفت المومني إلى "أن القوات المسلحة قامت بتعزيز قواتها على الحدود مع العراق بوحدات مدرعة وآلية ووحدات مدفعية وصاروخية كإجراءات احترازية اتخذتها القيادة العامة للقوات المسلحة لضمان أمن الوطن وسلامة المواطنين".
ويعتبر معبر حدود الكرامة الذي يقع بين بلدتي الرويشد الأردنية في محافظة المفرق وطريبيل العراقية في محافظة الأنبار، المعبر الوحيد بين الأردن والعراق، فيما يبعد المعبر زهاء 320 كيلو مترا عن العاصمة عمان.
وفي ظل الفوضى الأمنية التي يشهدها شمال غرب العراق بات سائقو سيارات الشحن من الجنسية العراقية يسلكون طرقا ترابية بديلة في الداخل العراقي، بحسب السائق العراقي أبو بكر.
وبين أبو بكر أن المشاهد غير الآمنة على الطرق الرئيسي الذي اعتاد أن يسلكه، أجبرته على تحويل مساره إلى طرق بديل حتى وإن كان وعرا طالما يؤمن له مسيرا يبعده عن مصادر الخطر.
ونصح أبو بكر جميع المتوجهين إلى العراق بضرورة توخي الحذر نظرا للظروف الدائرة هناك، خصوصا في ظل سيطرة المسلحين على مفاصل المناطق والطرقات التي انسحب منها الجيش العراقي خلال الأيام الماضية، غير أنه أكد أن المعبر الحدودي العراقي ما يزال تحت سيطرة الجيش العراقي.
وأشار أحد السائقين القادمين من العراق والذي التقته "الغد" فور خروجه من معبر الكرامة باتجاه الأراضي الأردنية إلى أنه شاهد أحد الجسور القريبة من منطقة الرطبة تتصاعد منه ألسنة اللهب جراء تعرضه لتفجير من جهات مجهولة، فضلا عن مشاهداته لمجموعات من الجيش العراقي تنسحب إلى الداخل العراقي وسط سماع دوي انفجارات شديدة.
فيما أوضح سائق آخر أبو نزار، أن طول الطريق الذي يمتد من منطقة الرمادي وحتى الحدود الأردنية ما يزال يقع تحت سيطرة الجيش العراقي، من دون أن تواجهه أي إشكاليات أثناء مسيره وحتى دخوله الحدود الأردنية.
وأكد عدد من السائقين القادمين من العراق أنهم شاهدوا أثناء مسيرهم في الداخل العراقي سيطرة مجموعات مسلحة وملثمة على مختلف المناطق والنقاط التي انسحب منها الجيش العراقي، لافتين إلى سماع رمايات وانفجارات حول السيارات التي كانوا يستقلونها.
وأوضحوا أنهم لم يتمكنوا من الوقوف على هوية تلك الجماعات المسلحة أو لأي جهة ينتمون سواء ثوار العشائر أو "داعش".
وكان مصدر عسكري مطلع قال "إن القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية قررت تعزيز قواتها العسكرية على الحدود الأردنية العراقية بعد سيطرة لمسلحين في العراق على بعض الأماكن وانسحابات الجيش العراقي من بعض المناطق، مشيرا إلى أن الجيش الأردني لا يخشى من أي جهة تفكر المساس بأمن بلاده أو العبث في مقدراته".
وألقت الأزمة العراقية بظلالها على أصحاب المحال والاستراحات التي تمتد على طريق بغداد الدولي ضمن مناطق الرويشد والصفاوي من حيث تدني حجم المبيعات وقلة عدد الرواد، نظرا لمحدودية الحركة التي كان يشهدها طريق بغداد الدولي سابقا.
وقال أبو أحمد وهو صاحب استراحة في لواء الرويشد على طريق بغداد الدولي، إن الحركة التجارية توقفت تماما، إلا ما ندر، عازيا انخفاض رواد استراحته إلى انعدام حركة المسافرين إلى العراق من قبل سائقي الشاحنات والمسافرين العاديين جراء ما يقع في العراق من أحداث أمنية.
ولفت إلى أن استراحته باتت تستقبل القلة القليلة من المتنقلين الداخليين و المتنقلين إلى منطقة الحدود الأردنية فقط.
وقال عواد اللويبد وهو صاحب محل سوبر ماركت في منطقة الصفاوي إن حجم مبيعاته تقلص بشكل ملحوظ نظرا لقلة عدد المسافرين إلى العراق.
وأشار إلى أن أحد زبائنه من سائقي سيارات الشحن العاملة على خط بغداد أخبره أنه كان ينوي التوجه إلى العراق، غير أنه تراجع في اللحظات الأخيرة بسبب نصيحة تلقاها من قبل زملائه القادمين من العراق، وذلك بعدم التوجه إلى هناك بسبب الخطورة البالغة على حياته وممتلكاته نظرا للوضع الأمني المقلق في العراق.
من جانبه أثنى الخبير العسكري اللواء المتقاعد إبراهيم الخوالدة على الإجراءات العسكرية التي اتخذتها القوات المسلحة الأردنية، معتبرا أياها بأنها تدابير بالاتجاه الصحيح.
ولفت إلى أن القوات المسلحة تمسك بزمام الأمور على الحدود من حيث السيطرة والمراقبة والنيران، فضلا عن العمق الأمني العسكري الذي يوفر الأمن والأمان لداخل الأردني.
وأكد الخوالدة أهمية رصد أي قوات تحاول اختراق الأراضي الأردنية عبر أي طرق ومن خلال قوات كبيرة في الخلف قادرة على الردع ضد أي اختراق.
واستبعد أن يتمكن الطرف الآخر في العراق من تجميع حشود كبيرة لاختراق الأراضي الأردنية نظرا للمراقبة الشديدة والصارمة عبر الأجهزة، فضلا عن الميزة الجغرافية المفتوحة التي يمتلكها الأردني والتي تتيح له رصد أي محاولات اختراق، معتبرا أن الوضع آمن ومطمئن.
إلى ذلك، بدأت نقابة أصحاب الشاحنات الأردنية بتوجيه ارسالياتها إلى الأسواق الخليجية وجمهورية مصر، كأسواق بديلة للسوق العراقية، بعد توقفها عن التوجه إلى العراق بسبب خطورة الموقف الناجم عن النزاع المسلح، بحسب نقيبها محمد خير الداوود.
وأشار الداوود إلى وجود تكدس للشاحنات الأردنية البالغة 2000 شاحنة والتي كانت تعمل على نقل البضائع إلى العراق، مشيرا إلى أن حركة الشحن إلى العراق في الوقت الراهن تتم من قبل السائقين العراقيين الذين على دراية تامة بالطرق البديلة التي تؤمن وصولهم.
وقال إن النقابة تمتلك أسطولا مكونا من 17 ألف شاحنة، فيما خصص منها 2000 شاحنة للعراق، موضحا أن هناك عرضا كبيرا من الشاحنات يقابله طلب قليل، ألحق خسائر فادحة بالقطاع تجاوزت الـ 200 مليون دينار.
وجدد الداوود تحذيره بعدم التوجه إلى العراق نظرا للوضع الخطر على الحياة والممتلكات.
من جانبه، أكد مدير العلاقات والتعاون الدولي في مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين علي بيبي أنه لم يتم تسجل أي حالة لجوء عراقي إلى الأردن لهذه اللحظة.
وبين بيبي أن المفوضية أعدت خطة احترازية وبالتعاون مع الحكومة الأردنية في حال تمت عمليات لجوء عراقي إلى الأراضي الأردنية.
بدوره، قال مصدر جمركي إن العمل يتم وفق برنامج يحول دون وقوع أي عمليات تهريب إلى الأراضي الأردنية، لافتا إلى خطة محكمة تضمن احترازية الجمارك على الحدود الأردنية العراقية وبما يضمن أمن وسلامة الوطن.
وأكد الناطق الإعلامي في وزارة الزراعة الدكتور نمر حدادين أن حركة التصدير إلى الجمهوية العراقية تسير وفق المعتاد، مدللا على ذلك بتصدير 2400 طن من مادة الدراق يوم الإثنين و 400 طن من ذات المادة ليوم أمس إلى العراق.
وقال إن الحركة بين الأردن والعراق مستمرة من دون توقف.