وزير أسبق للملك : “بلوت رعيتي بالكرم والسيف”
ما زالت أزمة محافظة معان ، تؤرق الكثيرين ، فهي باب الأردن الشامخ بأبنائه وحضارته ، وهي منبت العز والنخوة والكرم ، فهي عرين لأسود عاهدوا الله أن ينتموا لوطنهم ولقيادتهم ، إلا أن سحابة عابرة حاولت ان تغطي شمس استقرارها وأمنها بهؤلاء العابثين .
واليوم يخرج وزير أسبق ، عن صمته ، من خلال رسالة وجهها لجلالة الملك ، مخاطبا إياه بعين التعاطف والولاء لجغرافية مدينة أردنية عريقة كمعان، وجاء في رسالة ذلك الوزير – كما وصلتنا – :
أخاطبك سيدي لأنك سيد البلاد وعميد البيت وعنوانه, لأنك وبني أبيك من الهاشميين الذين حافظوا على طهارة الرسالة فكانوا القضاة العدول آثروا الحكمة والعدل والحُلم بدل السيف والقهر.
لأنك سيدي جعلت الأردن واحة استقرار وآمان, وحضناً دافئاً لكل مستجير حتى أصبح كسفينة نوح يركبها من يريد النجاة بنفسه.
لأن همتك سيدي تتسع لآمال والآم شعبك, ولأن عزمك لا يلين وصدرك لا يضيق, لأنك صاحب الشرعية التاريخية, الدينية والانجاز.
لانك جسر العبور من الحيرة الى التقدم, ولأنك تقود انبل صراع من أجل البقاء, والبقاء للأصلح والأفضل .. ونحن منهم بفضل رؤاك.
صاحب الجلالة:
إن الاردن ومنذ تأسيسه مرَّ بظروفٍ قاسية إلا أنه لم يسلم ذراعيه لأحد ولم يطلق ساقيه للريح, وكان يخرج بعد كل أزمة أصلب وأمضى مما كان..
وها هو الأردن يتجاوز تبعات ما يسمى بالربيع العربي رغم أن التحديات تحيط به من كل جانب وصوب.. والحقيقة أننا نجونا من هذه التبعات بسبب حكمة وتبصّر القيادة التي مارست سلطاتها الدستورية بعيداً عن العنف وترفعت في حكمها عن الدماء والأعراض, وأيضاً بسبب وعي الأردنيين وحفاظهم على منجزات الوطن التي صنعها الآباء والأجداد, فالوطن متواضع الموارد بينما الانجاز كبيرٌ كبير وما كان هذا ليتم الا بجهدٍ وعرقٍ يجب أن نحافظ عليه.
ولكن رغم كل ذلك فإن التغيرات المذهلة في الإقليم بوجود ثورة الإتصالات وسرعة وصول المعلومة أثرت على المجتمع الأردني وأنتجت اختلالاً عميقاً في السلوك الاجتماعي الذي تأثر أيضاً بالواقع الاقتصادي مما أدى الى ظاهرة العنف المجتمعي التي وصلت الى منارات العلم وتعدته الى بيت الشعب وبؤرة التشريع وما أظن أن التوتر والاحتقان في معان إلا متصل بهذا السياق, وحيث أن أبنائك من أهالي معان كبقية أبناء الوطن يقفون مع مليكهم ووطنهم في السراء والضراء وينبذون كل الأفكار الهدّامة الراديكالية المتطرفة التي لا تخدم الا أعداء الوطن, وإني والله لأرى لاولئك الذين يرون الشر فيتهالكون عليه.
والحاله هذه فإن المطلوب من مثقفي الوطن والنخب الحقيقية أن تقترب أكثر من هموم الناس لإيجاد حلول واقعية, فالنخبة تقدّر معنى الاستقرار والأمن والشرعية وارتباطها بالتنمية والنهضة الحقيقة..
وليس مقبولاً أن تكون النخب في موقع المتفرجين…
وللأوطان في دمِ كل حرٍ يدٌ سلفت ودين مستحق
فمعان – يا مولاي – التي لم تخذل الوطن أبدا لم تفرط به.. ينصفها التاريخ واغدق في انصافها..
بينما جارت عليها الجغرافيا اجحفت في جورها.. فتاريخها ممتد وعريق.. ولكنها نبتت بين شقوق الصخر والصحراء, حيث لا تنبت زرعاً ولا تملء ضرعاً, وحتى تشارك معان شقيقاتها المحافظات الأخرى في موكب التقدم وتجديد الحيوية نستذكر قولك سيدي ومولاي في أكثر من مناسبة أن استثمار الطاقات الشابة ورعايتها بإنشاء مؤسسات ثقافية من أجل توجيه طاقاتهم وابداعاتهم على الطريق الصحيح هو المطلب الأساسي لتحسين نوعية الحياة في مجتمعنا وتجديد حيويته, وما المركز الثقافي المتميز في معان والذي يتشرف بحمل اسم صاحب السمو الملكي ولي العهد المحبوب الحسين بن عبدالله الثاني والذي نهنئه بعيد ميلاده الميمون الذي صادف غره شعبان وقد انذرته يا سيدي لخدمة الوطن.. ونحن به فخورون.. فسموه من الذين أسلفوا جيلاً بمدرجة الفخار فجيلاً.. ما هذا المركز إلا لبنة حقيقية للنهوض بالمجتمع المحلي.
ولأن اللسان يعقل إلا في ثلاث : حكمة يظهرها, حقٌ يوضحه, أو نعمة يشكرها.
والحكمة سيدي في ما قاله المأمون حكيم بني العباس: بلوت رعيتي بالكرم والسيف فكان الكرم أنجع, والهاشميون في الحقيقة تجاوزوا ذلك كثيرا فقد أسروا أعدائهم بحلمهم ومكروماتهم رغم أنهم يمتلكون البأس كله, وقد مارس ملوكنا الهاشميين سلطاتهم الدستورية بعيداً عن العنف وترفعوا في حكمهم عن الدماء والأعراض.
والحق الذي يجب توضيحه فهو أن الدولة الحقيقية هي التي تعتمد على جهاز تنفيذي قوي وفعّال لأن الدولة القوية أداة لخدمة الصالح العام, والمواطنة الحقيقية تعتمد على روح الطاعة للقانون وسيادته, لذا فإن جميع الأردنيين مع فرض هيبة الدولة والقانون في جميع مناطق مملكتنا الحبيبة فجذور الوطن قوية وعصية على العابثين والسادرين في غيهم.
أما النعمة التي يتوجب على جميع الأردنيين أن يشكرها هي نعمة الاستقرار والأمان, وهي ثمرة واضحة لقيادة ملهمة وشعب مستنير وقد قلت يا سيدي في أكثر من مناسبة ( أن نعمة الأمن والاستقرار لم تأت صدفة بل كانت بجهد وعزيمة وإخلاص الأردنيين وحرصهم).
ولعمر الحق أن هذه الدولة يُعتز بالإنتماء إليها فإنها لم تقتل معارضاً لرأي ولم تشرد أسرة اختلفت مع معيلها وقد أثبتت الحادثات أن نهج الهاشميين في التسامح هو الباقي وما عداه هشيم تذروه الرياح.
ومسك الختام في هذا الشهر الفضيل أن أتقدم من جلالتكم بالاصالة عن نفسي ونيابة عن أبناء معان المخلصين للوطن وللهاشميين بالدعاء لله عز وجل ليحفظكم ذخراً وسنداً للشعب الأردني والأمتين العربية والإسلامية, ونتطلع سيدنا ومولانا للقاء بكم في الوقت الذي ترونه مناسباً فأنتم البلسم دائماً لكل الاردنيين.
سنبقى نلبي نداء الوطن وسيده ما دام فينا قلبٌ ينبض