الأردن على أعتاب مرحلة حرجة سياسيا وأمنيا وإقليميا
يقف الأردن على أعتاب مرحلة حرجة سياسيا وأمنيا وإقليميا وهو يحاول بصفة رسمية تلمس الطريق الأكثر أمنا في إدارة الأزمة التي تنتجها إسرائيل مجددا في وجه العالم وهي تتجه نحو الحرب البرية في قطاع غزة بعدما أخفق القصف المتواصل في «ردع» أو إحباط القدرة العسكرية لفصائل المقاومة وتحديدا حماس.
حسابات الأردن الرسمي في السياق «دقيقة وحرجة» جدا و»مكلفة» بكل الأحوال فالعالم الغربي لا يتوقع من عمان قرارات عنيفة ضد إسرائيل خصوصا في المجال السياسي الحيوي الذي تمثله إتفاقية وادي عربه.
لكن الوضع الأمني الداخلي خصوصا في ظل عودة «النشاط الحراكي» للشوارع سيدفع القرار الرسمي والحكومة لأقصى مناطق الضغط وسيعيد إنتاج كلاسيكيات الدعوات الجماهيرية لطرد سفير إسرائيل وإغلاق سفارته وقد يؤدي بالوقت نفسه إلى حراك أعنف بقليل من المعتاد في الشارع جراء عدة عوامل أبرزها الوضع الإقتصادي الصعب وإحتقانات الجمهور والوضع العراقي الملتهب.
عمان بهذا المعنى وإستنادا إلى مرجع سياسي مهم جدا في إطارها النخبوي ليست في موقع إرتياح وهي تحسب بدقة متناهية كيفية تعاطيها مع تفاعلات وتداعيات العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة خصوصا وان المعلومات الرسمية في الأردن تشير إلى أنه عدوان قد لا يقف كالعادة عند حدود عدة أيام أو في نطاق وساطات «الهدنة ووقف إطلاق النار».
وجهة نظر المؤسسة الرسمية الأردنية أن عمان لا تستطيع التصرف لوحدها في أي برنامج تصعيدي ضد الإسرائيليين ولا حتى في إتجاه «ردع» تل أبيب او تحقيق ضغط منتج عليها بدون غطاء عربي تحديدا وهو غطاء من الواضح حسب النائب محمد حجوج أنه قد لا يتعدى كلاسيكات العمل العربي المعتادة.
الوقت نفسه تمكن حركة حماس من «الصمود» ولأي سسبب بعد هذه المعركة التي تحـــرج الأردن وكل نظام الإعتدال العربي يعني تعزيز موقعها وموقفها الإقليمي سياسيا وهو ما سينعكس لاحقا على الموقع الإستراتيجي في الداخل لتيار الأخوان المسلمين الذي بدأ يعود وبقوة للشارع.
قراءات الغرفة المغلقة في المؤسسة الأردنية مرحليا تشير إلى ان صخب الشارع المحلي سيتصاعد أكثر في الأيام المقبلة كلما تزايد عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي من الشعب الفلسطيني.
والأولوية الأمنية بالتالي ستكون لممارسة كل طاقات «الإحتواء» المحتملة لحراكات الشارع الأردني الذي يضم اليوم عشرة ملايين ساكن حسب توضيحات مدير الأمن العام الجنرال توفيق الطوالبه مؤخرا كما نشرتها صحيفة «العرب اليوم».
المؤسسة البيروقراطية والأمنية الأردنية مرهقة جدا هذه الأيام بعد ثلا ث سنوات ضاغطة من الحراكات الشعبية وبعد الإرتفاع الملحوظ في معدلات الجرائم وظاهرة السلاح المنفلت بقوة ووجود بؤر متوترة داخليا أصلا من بينها مدينة معان.
والتركيز كله على ضمان «عدم ذوبان» الحدود الأردنية مع كل من سوريا والعراق والإنشغال بعودة نشاط الشارع المحلي بقوة تحت يافطة حرب إسرائيلية جديدة على غزة او «إنتفاضة ثالثة» لم يكن واردا ولا في الحسبان.
لذلك لجـأت السلطات لقدر من الدقة والتوازن في إدارة التداعيات المحلية للموقف حيث إعتقلت مشاركين في مسيرة ضد سفارة إسرائيل وقمعت المسيرة بخشونة قبل الإفراج عن الموقوفين.
وتم التغاضي عن وقفات إحتجاجية نظمت بدون ترخيص مسبق في عدة مواقع مثل إربد شمالي المملكة ومخيم البقعة وسط العاصمة مع ان هتافات قاسية جدا صدرت عن هذه التجمعات ضد الزعماء العرب وتحديدا الرئيس محمود عباس.
إستراتيجية «طول النفس» هذه قد لا تصمد كثيرا خصوصا وان الإحتقانات التي تثيرها إسرائيل وتصرفاتها في الشارع الأردني لم تعد قابلة للأحتواء بالطرق التقليدية ، الأمر الذي يضع الأردن على رأس قائمة الإحراج بعد العدوان الإسرائيلي بسبب وجود إتفاقية سلام وسفراء متبادلون وعلاقات سياسية وإقتصادية.