المقاومة لمصر: نرفض المبادرة ولا نقبل بأقل من رفع الحصار
أبلغت فصائل المقاومة الفلسطينية أمس القاهرة رسمياً رفضها للمبادرة المصرية لوقف إطلاق النار، مطلقة أكبر دفعة صواريخ استهدفت قلب الكيان الإسرائيلي، الذي صعد من قصفه الجوي المدفعي وقرع طبول الحرب البرية ضد قطاع غزة.
وأكدت حركة "حماس" وفصائل المقاومة للجانب المصري أنها "لن تقبل بأقل من رفع الحصار وفتح المعابر" سبيلاً للتهدئة، دون العودة إلى اتفاق 2012، بينما "لم تلب المبادرة الحد الأدنى من شروط الشعب الفلسطيني".
وتعهدت المقاومة استمرارها في القتال دفاعاً عن الأرض والشعب الفلسطيني، إلى حين نفاذ "الشروط"، حيث انهمرت صواريخها أمس على "تل أبيب" وحيفا وعسقلان والقدس، ما بث حالة ذعر وخوف شديدين في الداخل الإسرائيلي.
وبحسب خبراء ومسؤولين مقربين من "حماس" فإن "المقاومة مكنت نفسها خلال الفترة الماضية لوجستياً وتسليحياً وبنت شبكة أنفاق عميقة تحت الأرض لإدارة حرب طويلة الأمد تمتد لأكثر من شهرين قادمين".
واعتبروا، في حديث لـ"الغد" من فلسطين المحتلة، أن ذلك "يجعلها غير متعجلة لقبول ما لا يرتقي إلى مستوى التضحيات والعذابات الفلسطينية من عدوان الاحتلال".
وفي الأثناء؛ تنشط جهود عربية لإقناع المقاومة بالمبادرة المصرية، بعد إجراء تحسينات طفيفة عليها، تزامناً مع مبادرة تركية - قطرية ستطرح قريباً لوقف إطلاق النار.
من جانبه، التقى الرئيس محمود عباس أمس الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في القاهرة، فيما من المتوقع أن يلتقي، أو أحد أعضاء الوفد المرافق، بعضو المكتب السياسي لحركة "حماس" موسى أبو مرزوق، وذلك قبل أن يتوجه إلى تركيا ضمن سياق تحرك وقف العدوان ضد غزة. ومن المتوقع أن يلتقي الرئيس عباس في أنقرة رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل، فضلا عن إجراء عدة اتصالات عربية ودولية للعمل على وقف إطلاق النار وتثبيت التهدئة.
رفض أي تدخل إسرائيلي
من جانبه، قال العضو البارز في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين سمير أبو مدللة إن "هناك وحدة موقف للمقاومة برفض المبادرة المصرية وعدم العودة إلى تهدئة العام 2012".
وأضاف، لـ"الغد" من فلسطين المحتلة، إن "سقف مطالب المقاومة اليوم أعلى من نظيره في العام 2012، إزاء تطور الإمكانات واستمرار الحصار وتنصل الاحتلال من تنفيذ اتفاق 2012 والإخلال ببنوده والتراجع عنه عملياً".
وأوضح أن "السقف الجديد للفصائل لا يقل عن رفع الحصار عن غزة وفتح المعابر وبدء عملية إعمار القطاع".
ولفت إلى أن "سلطات الاحتلال استهدفت قصف منازل المدنيين من أجل الضغط على المقاومة لقبول المبادرة المصرية التي تتحدث عن خطوط عريضة يجري التفاهم حولها بعد الموافقة، وهذا أمر غير مقبول".
واعتبر أن "المشهد الداخلي الإسرائيلي قلق ومضطرب"، غير مستبعد أن "تتسبب نتائج الحرب، مهما كانت، في الإطاحة بحكومة بنيامين نتنياهو إما مباشرة أو بعد حين".
وأوضح أن "هذه حكومة حاولت الخروج من أزماتها بحرب ضد غزة، ولكنها فوجئت بقدرات المقاومة غير المحسوبة لديها سلفاً، ما يجعلها متلهفة لبلورة أي شيء للتهدئة خلال الأيام المقبلة".
وتطالب فصائل المقاومة "برفع الحصار عن غزة وفتح المعابر، وانسحاب قوات الاحتلال عن الشريط الحدودي مع القطاع لمسافة تسمح للمزارعين الفلسطينيين العمل بحرية في أراضيهم المحاذية له، وإطلاق سراح المعتقلين، منذ عملية "المستوطنين المخطوفين"، من بينهم الأسرى المحررون في صفقة شاليط"، العام 2011.
وأكدت ضرورة "زيادة المساحة المسموح بها للصيد في قطاع غزة، إلى مسافة 10 كيلومترات، وإعادة إنشاء المناطق الصناعية في قطاع غزة وتعزيز التنمية، والسماح لسكان قطاع غزة بالصلاة في المسجد الأقصى ومنحهم تصاريح دخول القدس المحتلة".
ولفتت إلى أهمية "منع تدخل الاحتلال في الشأن السياسي الداخلي والعملية السياسية التي بدأت في اتفاقية المصالحة وما سيتبعها من انتخابات للبرلمان والرئاسة".
الأطفال وقود المواجهة
إلى ذلك، كثفت اسرائيل قصفها على قطاع غزة أمس في اليوم التاسع للهجوم الجوي، واستشهد امس ما يزيد على 23 فلسطينيا في الغارات التي نفذها الطيران الاسرائيلي بينهم عدد كبير من الأطفال. وتربط علاقة أخوة وقرابة بين عدد كبير من الشهداء.
واستشهد سبعة فلسطينيين بينهم ثلاثة أطفال بثلاث غارات جوية اسرائيلية على مدينة غزة وجنوب القطاع مساء أمس، حسبما أعلنت وزارة الصحة في غزة. وقال المتحدث باسم الوزارة أشرف القدرة إن طفلا استشهد بغارة جوية على مدينة غزة، بينما استشهد ستة آخرون بينهم طفلان وامرأة مسنة بغارتين في خانيونس استهدفت احداهما مجموعة من المواطنين قرب مسجد الكتيبة وسط خانيونس.
وقال ان هناك اربعة شهداء في احدى غارتي خانيونس من عائلة واحدة وهم "الشقيقان ياسمين وأسامة الاسطل (4 و 6 سنوات) ورقية الاسطل (70عاما) والشاب حسين الاسطل (23 عاما) اضافة الى جريح حالته حرجة جدا".
وأشار القدرة الى "استشهاد الشقيقين اكرم محمد ابو عامر (34 عاما) وكمال ابو عامر (38 عاما) واصابة ثلاثة اشخاص آخرين بغارة شنها الاحتلال على ارضهم الزراعية شرق خانيونس".
وفي الغارة على مدينة غزة "استشهد الطفل حمزة ثاري وعمره ست سنوات".
كما استشهد أربعة اطفال من عائلة بكر تتراوح اعمارهم بين 9 و11 سنة بقصف اسرائيلي استهدف كوخا للصيادين على شاطئ بحر غزة فيما اصيب عدد آخر منهم بجروح.
واستهدف الطيران الحربي الإسرائيلي بغارات جوية فجر أمس منازل قادة كبار في حماس من بينهم محمود الزهار غرب مدينة غزة، حسبما اعلن مصدر أمني في القطاع.
وواصل المقاومون إطلاق الصواريخ على المناطق الساحلية في اسرائيل حيث اعترضت اربعة صواريخ فوق مدينة تل أبيب.
كما ألقى الجيش الاسرائيلي منشورات وبعث برسائل نصية على الهواتف النقالة دعا فيها 100 ألف شخص يعيشون في شمال شرق غزة الى اخلاء منازلهم. وقالت المنشورات ان الجيش سيشن "غارات جوية ضد مواقع ونشطاء "ارهابيين" في مناطق الزيتون والشجاعية "لأن كمية كبيرة من الصواريخ على اسرائيل أطلقت من هذه المنطقة".
وتم إلقاء منشورات مشابهة في منطقة بيت لاهيا شمال قطاع غزة.
وبحسب المنشور فإن "الإخلاء هو لسلامتكم" الشخصية محذرا السكان من عدم العودة الى منازلهم حتى إشعار أخر.
ولكن بالنسبة للمرضى في مستشفى الوفا في الشجاعية، الذي يعاني العديد منهم من الشلل او الغيبوبة، فقد اثارت تلك التحذيرات مزيدا من المخاوف.
وقال مدير المستشفى بسمان العشي "لا نستطيع ان نترك مرضانا، فهم عاجزون"، مشيرا الى ان معظمهم غير قادرين على الحركة الا يمكن تحريكهم".
وأكد "لا يوجد مكان آمن في غزة، اذا لم يكن المستشفى آمنا، فأين نجد الأمان".
ولم يظهر أثر كبير للتحذيرات الاسرائيلية حيث لم يشاهد سوى عدد قليل من السكان يغادرون منازلهم. وقال مراسل فرانس برس ان الاطفال جمعوا المنشورات واستخدموها في اللعب. وتساءل فيصل حسن الذي يعيش مع اولاده الخمسة في الزيتون "إلى اين سنذهب".
وقالت حماس ان التحذيرات هي اسلوب للتخويف وطمأنت السكان ان لا يقلقوا.
الا ان الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز اكد ان التحذيرات تهدف الى حماية الأبرياء. واضاف في لقاء مع وزيرة الخارجية الايطالية فدريكا موغيريني "نحن نحاول ان ندافع عن شعبنا كما هو واجبنا، كما أننا نحاول جاهدين أن يقصف الأبرياء في غزة".
وناقش "الكابينت" الإسرائيلي أمس عملية شن هجوم بري ضد قطاع غزة، من أجل "تدمير الأنفاق ومنصات إطلاق الصواريخ المستترة تحت الأرض"، وفق ما نقلته الصحف الإسرائيلية عبر مواقعها الإلكترونية.
مقاومة شعبية شاملة
إلا أن فصائل المقاومة، وفي مقدمتها كتائب "القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، وسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، تؤكد امتلاكها من المفاجآت ما سيجعل "العدو" نادماً لاجتياحه غزة، ملوحة بتنفيذ عمليات "استشهادية" بجنود الاحتلال وخطف آخرين "لتبييض السجون".
من جانبه، قال الخبير في الحركات الإسلامية الأستاذ الأكاديمي في جامعة الأقصى بغزة محمد العمور إن "المقاومة استطاعت تمكين نفسها لوجستياً وعسكرياً تسليحياً خلال عامي 2011 و2013، ما يجعلها قادرة على إدارة حرب طويلة الأمد". وأضاف، لـ"الغد" من فلسطين المحتلة، أن "المقاومة تمكنت من بناء شبكة أنفاق في عمق الأرض، فيما لم تتأثر قواها الصاروخية ولا مقاتلوها العسكريون، الذين يقدر عدد من استشهد منهم منذ بدء العدوان بنحو 20 شهيداً".
وأوضح أن "المقاومة لن تقبل بأقل من رفع الحصار عن غزة، بالاستناد إلى موقف جمعي شعبي يرفض تهدئة لأجل التهدئة، بعد كل تلك العذابات والتضحيات الناتجة عن العدوان".
واعتبر أن "الحرب إذا لم تنته برفع الحصار فإن مصداقية ومكانة المقاومة ستتأثر عند المواطنين الفلسطينيين".
وكانت التقديرات الإسرائيلية الخبيرة أفادت أمس، عبر المواقع الإلكترونية للصحف الإسرائيلية، بتكبد الاحتلال خسائر اقتصادية باهظة جراء الحرب، حيث "مني القطاع السياحي بخسارة مالية قدرها نصف مليار دولار، بينما انخفض الإنتاج القومي والزراعي في مدن الوسط إلى 30 %، وفي مدن "ريشون ليتسيون" حتى النقب بنحو 50 % تقريباً".
وكانت الضفة الغربية المحتلة قد شهدت أمس "مسيرات وتظاهرات غاضبة ضد عدوان الاحتلال على غزة، فيما يشهد الأسبوع المقبل تحركاً واسعاً للمطالبة بوقف العدوان"، وفق الناشط أحمد أبو رحمة.
وقال، لـ"الغد" من فلسطين المحتلة، "سيتم تنظيم مسيرة احتجاجية ضد الاحتلال غداً عند حاجز قلنديا الاحتلالي وقت صلاة الجمعة في ظل رفض الاحتلال السماح للمصلين بالدخول للصلاة في المسجد الأقصى المبارك".
وكان الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطينين نايف حواتمة دعا إلى "تطوير المقاومة في القطاع عبر غرفة عمليات وجبهة مقاومة متحدة ومشتركة ذات مرجعية سياسية موحدة".
وأكد، في تصريح أصدره مؤخراً، ضرورة "استنهاض مقاومة شعبية شاملة بعناصر الصمود والثبات في مواجهة الاستيطان والاحتلال، والانضمام للمؤسسات والوكالات الدولية، بما في ذلك ميثاق روما، ومحكمة الجنايات الدولية ومحكمة لاهاي". ولفت إلى أهمية "استكمال خطوات إنهاء الانقسام، وتوحيد الحالة الفلسطينية وتنظيم انتخابات شاملة بموجب قانون التمثيل النسبي الكامل".
من جانبها، دعت القيادة المركزية لتحالف قوى المقاومة الفلسطينية، في دمشق، إلى "التحرك العربي الإسلامي العاجل لدعم صمود الشعب الفلسطيني ضد العدوان الإسرائيلي الإجرامي على قطاع غزة".
وطالبت، في بيان أمس، "بمحاسبة الاحتلال على القصف العشوائي الوحشي لطيران العدو، والذي يستهدف المدنيين من النساء والشيوخ والأطفال من جرائم الحرب".
إلى ذلك؛ يعقد الاتحاد البرلماني العربي غداً، في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، جلسة طارئة لمناقشة العدوان الإسرائيلي المتواصل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وما يتعرضون له من حملات إبادة منظمة وتطهير للعائلات الفلسطينية ومجازر.
ويأتي عقد هذه الجلسة الطارئة للاتحاد بناء على طلب من رئيس المجلس لوطني الفلسطيني سليم الزعنون الذي أكد أهمية "خروجها بقرارات نافذة تعزز الصمود الفلسطيني وتؤكد التضامن العربي مع الشعب الفلسطيني".
وقال، في تصريح أمس، إن نواتج الجلسة يجب أن "ترسل رسالة قوية للمحتل بأن الأمة العربية وشعوبها وبرلماناتها لن يتركوا الشعب الفلسطيني وحيداً أمام آلة الذبح والقتل الإسرائيلية".