وجوه صامتة بين الموت والحياة في المدينة الطبية تروي آلام غزة
هوا الأردن -
أجساد موجوعة ووجوه صامتة، لكنها تروي آلاما قد تبدو أقسى من جراح أجسادهم، وبخاصة ما يتعلق بـ"التقاعس العربي في مساندتهم".
هذا لسان حال الجرحى الغزيين الذين وصلوا مدينة الحسين الطبية خلال الأيام الماضية على دفعتين للعلاج من إصاباتهم، والذين التقت "الغد" أمس عددا منهم.
الطفلة الغزية مريم (9 أعوام)، لم يخطر ببالها أن تجد نفسها في قسم العناية الحثيثة بمستشفى الخدمات الطبية الملكية بعد نحو تسع ساعات من إصابتها بشظية قذيفة إسرائيلية سقطت على منزلها.
يقول والد مريم، علاء المصري، الذي رزق بها وبشقيها التوأم، بعد 17 عاما من زواجه، وبعد أربع عمليات زراعة أنابيب "كنا نجلس وزوجتي في الغرفة، ومريم تلعب في ساحة البيت ووقعت قذيفة على المنزل الساعة 12 ليلا، حيث بدأ القصف على المنازل، وفجأة حدث انفجار بجانب البيت، الذي دمر جزء منه نتيجة انفجار الصاروخ، وعندها خرجت للساحة فوجدت مريم مصابة بشظايا تسببت بكسور في الجمجمة وضربة بالدماغ".
ويكتفي علاء بالقول "الوضع صعب في غزة وحسبنا الله ونعم الوكيل".
لكن هناك قصة اخرى ليست بعيدة عن مريم ترويها والدة المصابة هالة شعبان (28 عاما)، التي وصفت كيف أصيبت ابنتها "الحامل بالشهر السادس"، والتي تسكن على بعد 50 مترا من منزلها. وتصف والدة هالة، التي ثمّنت المكرمة الملكية بعلاج مصابي غزة، كيف وقع القصف، ومن ثم تم نقل ابنتها للعلاج إلى عمان عبر معبر بيت حانون.
أما رحاب التي أصابتها قذيفة اسرائيلية في عدة مناطق توزعت بين الظهر والرأس وأسفل القدم، فتم نقلها الى المستشفى الميداني الاردني "غزة 30" لتلقي العلاج، بحسب والدها الذي يرافقها في المستشفى.
ويقول والد رحاب "إنه وتنفيذا لتوجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني تم نقلها الى مدينة الحسين الطبية في عمان بواسطة سيارات اسعاف تابعة للقوات المسلحة الأردنية".
وأشار إلى تحويل ابنته فور وصولها المستشفى الى العناية المركزة الى ان استقرت حالتها، وهي الآن بحالة صحية متوسطة، معربا عن امله "بفضل الله تعالى والرعاية الطبية المميزة بتعافي ابنته".
وثمن الجهود التي يبذلها المستشفى الميداني الاردني في غزة منذ أعوام في علاج الجرحى والمصابين في حالات السلم والحرب بتوجيهات من جلالة الملك التي تؤكد أن الشعبين الأردني والفلسطيني شعب واحد.
ولكل جريح وجريحة من "الغطرسة العسكرية الاسرائيلية" قصة تختلف عن الاخرى، الا ان قصة الشاب أنس الحناوي (22 عاما)، الذي اصيب بتهتك في الرئة وشظايا في القدمين والوجه، له بعد آخر.
فقد أصيب أنس الذي يدرس الهندسة، وهو ذاهب للمسجد في مخيم جباليا بصاروخ أطلقته عليه طائرة (ف 16) توفي بسببه شيخ سبعيني كان يرافقه للمسجد، كما يقول والده.
ويضيف والد أنس "ان ابنه في حالة خطرة ويعيش على جهاز التنفس الاصطناعي، ويعاني من وجود دم على الرئة، وانسلاخ في الجلد"، إلا أن الأطباء في المستشفى لم يوفروا أي جهد في سبيل انقاذ حياته وعلاجه.
ويصف والد أنس، لـ "الغد"، الوضع في غزة "بالدمار الشامل"، مبينا ان "القصف مستمر على مدار الساعة وفي جميع أنحاء القطاع وصعب للغاية"، مشيرا إلى ضعف الإمكانات الطبية هنالك، خصوصا أن كثرة الاصابات بين صفوف الغزيين زادت من صعوبة الأمر.
وأعرب عن شكره للأردن، بقيادته الهاشمية التي سارعت منذ بداية العدوان إلى إصدار التوجيهات لزيادة أعداد طواقم المستشفى الميداني ونقل الجرحى إلى عمان، مؤكدا أن هذا يعبر عن التلاحم والإخوة بين الشعبين.
كما أكد الدور الأخوي والإنساني والسياسي الذي يقوم به الأردن على كل المستويات لوقف العدوان الغاشم على قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية.
أما حسام راضي (43 عاما) متزوج ولديه 3 بنات وولدان، ويعمل في مستشفى كمال عدوان أخصائي تحاليل طبية، فقد أصيب أثناء مغادرة عمله في المستشفى، تم استئصال جزء من الكلى والأمعاء جراء شظايا صاروخ.
وأشاد راضي وهو على سرير الشفاء في مدينة الحسين الطبية، لـ"الغد"، بمستوى الرعاية التي قدمت لهم من قبل الخدمات الطبية والجيش العربي الأردني وهي ما يحتاجه المريض مهما كانت درجة إصابته.
وعبر الجرحى عن تقديرهم للكوادر الطبية الأردنية المشرفة التي تتعامل معهم بأعلى مستويات الحرفية، لافتين أيضا إلى المستوى المشرف الذي وصلت إليه طواقم المستشفى الميداني العسكري في غزة، الموجود منذ عدة أعوام بكوادر طبية من الجراحين وأطباء العظام والتخدير ومختلف الاختصاصات، إضافة الى المعدات والأجهزة الطبية والعلاجات وكميات كبيرة من وحدات الدم وسيارات الإسعاف.
يشار إلى أن عدد الجرحى والمصابين الفلسطينيين الذي يرقدون في مستشفى الخدمات الطبية الملكية لغاية الآن بلغ 13، وهم الذين تعذر تقديم الخدمة الطبية لهم بالمستشفى الميداني العسكري الأردني في غزة جراء إصاباتهم البالغة، نقلتهم سيارات إسعاف الخدمات الطبية خلال الأيام إلى عمان.
وكان مدير عام الخدمات الطبية الملكية اللواء الطبيب خلف الجادر السرحان بين، في تصريح سابق، انه وبتوجيهات من جلالة القائد الأعلى ومتابعة من سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني يتم العمل على تسهيل وتقديم العون الطبي لمعالجة الجرحى والمصابين من أبناء غزة.
كما تم تعزيز طواقم المستشفى الميداني العسكري في غزة بمعدات وأجهزة طبية إضافة إلى العلاجات اللازمة وخمسمائة وحدة دم.