اقتصاديون: دور الحكومة في دعم قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة ضعيف
ما يزال دور الحكومة في دعم قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة ضعيفا، بحسب ما يرى اقتصاديون ومطلعون.
فقد اقتصر دور الحكومة، وفق هؤلاء، على جلب مساعدات لهذا القطاع واطلاق مبادرات وبرامج تحت مسميات مختلفة، ولكن دون ان يكون هناك خطوات ذات أثر ملموس لدعم قطاع قد يكون حلا لمعظم مشاكل الاقتصاد الحالية.
يأتي هذا في الوقت الذي كانت فيه الحكومة اعترفت أخيرا بفشل برنامج "دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة" الذي أطلق قبل أكثر من عامين بدعم من مؤسسة ما وراء البحار (أوبك) بضمانات تصل الى 250 مليون دولار، اضافة الى تأخر تنفيذ برنامج مماثل دعمه البنك الدولي بـ 70 مليون دولار حيث كانت قد بدأت الحكومة مؤخرا من الاستفادة من هذا المبلغ.
ويضاف الى ما سبق مبادرة صندوق تنمية المحافظات الذي أطلق قبل حوالي 3 أعوام والذي كان قد موّل 154 مشروعا حتى آب العام الماضي بحسب آخر احصائيات.
ويؤكد الاقتصاديون على ضرورة أن توفر الحكومة البيئة المناسبة لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال توفير البنى التحتية والبيئة الاستثمارية المناسبة عبر ايجاد بيئة قانونية مناسبة، إضافة الى توفير حوافز ضريبية وتصديرية.
ويعرج البعض على ضرورة التركيز على الميزة النسبية لكل محافظة ومن ثم ايجاد مشاريع كبيرة تنشأ تحتها مشاريع صغيرة ومتوسطة تعمل تحت هذا المشروع.
عضو مجلس ادارة غرفة صناعة عمّان والمؤسسة الأردنية لتطوير المشاريع الاقتصادية (جيدكو)، موسى الساكت، يرى بأنّ الاستفادة من المساعدات التي تأتي لهذا القطاع ما تزال محدودة، وأنّ هناك "اجتزاء" للأفكار والمبادرات التي قد تدعم هذا القطاع.
ويوضح الساكت بأنّ الاستفادة من المساعدات التي تأتي لدعم لمشاريع الصغيرة والمتوسطة ما تزال محدودة، وأنّ البيئة الحاضنة لهذه المشاريع ما تزال غير داعمة، بل على العكس فإن البيئة الحالية تساعد على خروج المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مشيرا الى أنّ 12 % من المشاريع الصغيرة والمتوسطة خرج من السوق خلال الـ5 سنوات الماضية.
ويشير الساكت الى أن هناك الكثير من العوائق التي تقف في وجه هذه المشاريع أولها التمويل، فهذه المشاريع تحتاج في الغالب الى جهات تمويلية للحصول على قروض ميسرة، وهذا حتى الآن غير متوفر، مشيرا الى أنّ 10 % من التمويل الممنوح للشركات من قبل البنوك يذهب الى الشركات الصغيرة والمتوسطة والباقي يذهب الى المشاريع الكبيرة.
وأشار الى أنه حتى صندوق تنمية المحافظات الذي كان من المؤمل أن يدعم مشاريع صغيرة ومتوسطة لم يكن آداؤه بالمستوى المطلوب، وذلك لأنّ (جيدكو) والتي أوكل لها تنفيذ هذا المشروع ليس لديها عدد كاف من الموظفين لمتابعة وتنفيذ هذا المشروع كما يجب، والوصول الى جميع المحافظات.
ويعرج الساكت على عوائق أخرى تقف في وجه هذا القطاع من عدم وجود حوافز واعفاءات، وخصوصا في مجال التصدير كما هو الحال في العديد من الدول كمصر وتركيا، كما أنه ليس هناك حوافز ضريبية.
ويطالب الساكت بضرورة ايجاد بيئة مناسبة تبدأ بصياغة قانون للشركات الصغيرة والمتوسطة كما هو الحال في تجربة الامارات، وفي ايجاد دائرة متخصصة في وزارة الصناعة والتجارة لهذه الشركات، ومرورا بمنح اعفاءات مناسبة تشجع على نموها وانتهاء بإيجاد مشروع وطني لدعم هذا القطاع في كافة المحافظات "بحيث لا يستفيد أبناء عمّان فقط من أي مبادرة في هذا القطاع".
نائب رئيس الوزراء الأسبق رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي السابق، العين الدكتور جواد العناني، يرى بأن توفير التمويل المناسب لهذه المشاريع وحده لا يكفي فهو بحاجة الى المناخ المناسب لكي يستفيد من هذا التمويل.
ويؤكد العناني أنه لا بد من التركيز على "الميزة النسبية لكل محافظة بحيث بتم انشاء مشاريع فيها بالتعاون مع القطاع الخاص تتناسب مع امكانيات كل منطقة ويتم تشغيل سكان هذه المناطق في مشاريع صغيرة ومتوسطة تغذي المشروع الكبير.
ويوضح بأنّ هذه الآلية تضمن استمرارية المشاريع الصغيرة من خلال تسويق منتجاتها ودخول هذه المنتجات كمواد أولية في صناعات أخرى، وبالتالي فتح مشاريع أخرى واستفادة اعداد أكبر من سكان هذه المناطق، مقترحا أن يكون هؤلاء "السكان" شركاء وجزء من المشاريع الكبيرة التي يتم تأسيسها في مناطقهم.
ويشير العناني الى أنّ هذه المشاريع من شأنها أن تخلق تنمية في الأقاليم والمحافظات بعيدا عن العاصمة ومن شأنها أن تشغل أيدي عاملة وبالتالي تخفض البطالة.
كما يؤكد العناني على ضرورة أن يتم تزويد هذه المشاريع بالخبرات والتدريب المناسب، حيث أن يرى بأن "نسبة الفشل عالية في المشاريع الصغيرة التي يتم تأسيسها حاليا لضعف الخبرات والرعاية الكافية".
وزير تطوير القطاع العام السابق، الدكتور ماهر مدادحة، يذهب الى أنّ دور الحكومة يجب أن لا يتعدى الدور الاداري والاشرافي، على أنها "لا بد أن توفر البنية التحتية المناسبة والمناخ الاستثماري المناسب لهذه المشاريع بما يضمن تأسيسها واستمرارها".
ويشير المدادحة الى أن "هناك مؤسسات معنية بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة لا تقوم بالدور المطلوب منها كما يجب"، مضيفا " لابدّ من وجود جهد أكبر من قبل هذه المؤسسات لضمان توفير بيئة مناسبة لهذه المشاريع".
ويقترح المدادحة خلق ما يسمى بـ" سلسلة الأعمال" والتي تضمن تسلسل الانتاج من مشروع الى آخر، بحيث يتم تسويق منتج كل مشروع الى مشروع آخر، مبينا ان "الحكومة تقوم ببناء هياكل لتمكين هذه المشاريع لإكمال حلقة الانتاج".
ويلمح المدادحة إلى ضرورة تمكين الجمعيات الخيرية والتعاونية في هذا الجانب.
ويرى المدادحة الى أنّ الحكومة مسؤولة على صعيد الاقتصاد الكلي عن تحريك عجلة الاقتصاد وزيادة الطلب الكلي في الاقتصاد والذي سينعكس على مثل هذه المشاريع "فكثير من المشاريع الصغيرة والمتوسطة توقفت بسبب انخفاض الطلب العام في الاقتصاد".
يشار الى أنّ رئيس الوزراء عبدالله النسور كان قد وصف هذا القطاع بأنه "السهل الممتنع" و"الموضة"؛ حيث أشار خلال مؤتمر عقد في أيار (مايو) الماضي مع صندوق النقد الدولي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي الى "أنه من السهل الحديث عن هذا القطاع لكن إدارته على أرض الواقع أصعب ما يمكن".
وذكر النسور "أنّ الحكومات في الدول المختلفة تائهة وليست مهتدية لكيفية التعامل مع الأعمال الصغيرة والمتوسطة".
وأشار إلى أن مشكلة هذا القطاع ليس بالتمويل، وإنما بتصميم المشاريع ونقل التكنولوجيا وإدارتها، إضافة إلى صعوبة ابتداع الفرص والوصول إلى الشباب وكيفية إدارة المال واسترجاعه، مشيرا إلى أن حجمها في الأردن يصل إلى 90 % من الاقتصاد، وبالتالي تحتل اهتماما كبيرا في الاقتصاد الأردني.