مطالبات للحكومة بمعالجة أسباب تراجع إيرادات قطاع الاتصالات
دعا خبراء وعاملون في قطاع الاتصالات يوم أمس الى "وقفة مراجعة سريعة" لمناقشة وتعويض أسباب التراجع في ايرادات القطاع ودوره في التوظيف خلال العام الماضي، مشيرين الى حساسية المرحلة التي يمر بها القطاع لا سيما مع المنافسة المحلية الشديدة التي يشهدها والتحول والتطور السريع فيه، والحاجة للاستثمار في الأجيال المتقدمة من الخدمة.
وأكّد الخبراء أن تراجع القطاع بهذا الشكل والذي سيتعمق خلال المرحلة المقبلة مع بقاء الضريبة عالية على الخدمة كما هي، سيسهم أكثر في تراجع ايرادات الحكومة من القطاع، كما سيزيد من انخفاض دور القطاع في التوظيف وخدمة القطاعات الاقتصادية الأخرى، مع سعي المشغلين للمحافظة على مستوى مقبول من الربحية، في وقت هم بحاجة كبيرة الى ضخ استثمارات رأسمالية جديدة في تطوير الشبكات أو طرح الخدمات الجديدة.
وجاءت هذه الاقتراحات والدعوات على خلفية النتائج التي خرج بها مسح وتصنيف قطاعي الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتي أعلنت أول من أمس؛ حيث أظهرت هذه النتائج تراجعا في إيرادات قطاع الاتصالات خلال العام 2013 بلغت نسبته 6.4 %، عندما سجل حوالي 1.58 مليار دولار، بالمقارنة مع 1.69 مليار دولار الإيرادات المسجلة للقطاع في العام السابق 2012، فيما شهد قطاع تقنية المعلومات نموا في العام نفسه بنسبة 3.4 %، عندما سجّل هذا القطاع ايرادات بحجم 637.9 مليون دولار، مقارنة مع الايرادات المسجلة في العام السابق 2012 والتي تجاوزت وقتها 617 مليون دولار.
وبالتالي، تظهر هذه النتائج أن مجموع إيرادات كلا القطاعين المترابطين والمكملين لبعضهما بعضا (تكنولوجيا المعلومات، والاتصالات) سجل في العام 2013 أكثر من 2.2 مليار دولار، منخفضاً بنسبة بلغت 4 %، وذلك لدى المقارنة بمجموع إيرادات القطاعين المسجلة في العام السابق 2012، والتي تجاوزت وقتها الـ2.3 مليار دولار، وسط تحولات وتحديات وفرص كبيرة يشهدها القطاعان محليا وعالميا.
هذه النتائج تتواءم مع مؤشرات أخرى -تعبر عن تراجع قطاع الاتصالات-ومنها "تراجع الحركة الهاتفية الخلوية 2 % في العام 2013، تراجع الحركة الهاتفية الخلوية الدولية 19 %، انخفاض الوظائف المباشرة 8 %، تراجع اشتراكات "الثابت" 5 %، وتراجع نسبة نمو اشتراكات الخلوي الجديدة، الى جانب استمرار خروج شركات جديدة من القطاع لا سيما في قطاع الانتنرت اللاسلكي".
وتتفق الحكومة من جهة، والخبراء والعاملون في شركات "الاتصالات وتقنية المعلومات" من جهة أخرى على أسباب نمو قطاع تقنية المعلومات ووجوب العمل على تعزيز نموه في المرحلة المقبلة، فيما ما تزال هناك فجوة بين نظرة الطرفين لأسباب تراجع قطاع الاتصالات وكيفيات علاج هذا التراجع.
الى جانب ذلك، يظهر بشكل عام اتجاه -تعزّز مؤخرا وإن كان فاترا بين الطرفين- يتركز في السعي للحوار والتشاركية والعمل على وقفة مراجعة لإعادة قطاع الاتصالات الى سكة النمو، ذلك ما تستشفه من حديث وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الدكتور عزام سليط، أول من أمس، وقت إعلان نتائج المسح، عندما تحدث قائلا: "إن هناك حوارا مستمرا مع القطاع في كل الأوقات، وذلك سيتعزّز ويتعمق بشكل أكبر المرحلة المقبلة، مع إيمان الحكومة بأهمية القطاع ودوره في الاقتصاد".
وفي هذا الإطار، قال الوزير "إن الحكومة وبعد مضي نحو عام على قرار مضاعفة الضريبة الخاصة على الخدمة الخلوية، فقد بدأنا في وزارة الاتصالات مؤخرا بإجراء دراسة جديدة حول أثر هذه الضريبة على القطاع، وذلك لبناء تصور واقتراح حلول بديلة يمكن أن تحافظ على استدامة نمو القطاع ضمن معادلة تخدم مصلحة ثلاثة أطراف: المستخدم (المواطن)، القطاع والشركات، وخزينة الدولة".
وفي تحليله، وضمن ردود له على أسئلة حول أسباب تراجع ايرادات قطاع الاتصالات، قال سليط: "نرى أن السبب الرئيسي هو التطور التقني وتوسع انتشار استخدامات تطبيقات التراسل المجانية التي أثرت على إيرادات الشركات من الرسائل والمكالمات محلية أو دولية"، مضيفا: "حتى الشركات نفسها كانت تتوقع توسع التأثيرات السلبية لهذه التقنيات على ايراداتها وأرباحها".
وزاد: "سنعمل ايضا على دراسة أثر الضريبة، والحوار مع المعنيين في القطاع لاقتراح حلول من شأنها تعزيز نمو القطاع وضمان استدامته".
غير أنّ الخبير الاقتصادي، رئيس هيئة تنظيم قطاع الاتصالات الأسبق الدكتور يوسف منصور، يرى أن التراجع في قطاع
الاتصالات كان متوقعا، ويقف خلف ذلك بشكل رئيس الضريبة والقرارات الحكومية الأخرى التي أسهمت في زيادة التكاليف على الشركات.
ويرى منصور أن القطاع بحاجة الى "وقفة مراجعة جدّية، وعلى وجه السرعة بدون تأخير"، وذلك لما وصفه بـ"الآثار الكارثية" التي خلّفتها القرارات الحكومية تجاه "الاتصالات"، والتي تميزت بمفهوم "الجباية"، خصوصا قراري مضاعفة الضريبة الخاصة على الخدمة الخلوية، ورفع تعرفة الكهرباء، وغيرها من القرارات التي قال إنها "بدأت تخفض من دور القطاع في الاقتصاد بقتل المنافسة وبالتالي قتل تنافسية الاتصالات".
وقال منصور: "إن الرسائل التي تبعثها الحكومة بقراراتها على شاكلة ما اتخذ تجاه (الاتصالات)، تفيد بأن القطاع الرابح سيعاقب بفرض مزيد من الضرائب".
ودعا منصور الحكومة الى التراجع عن الضريبة والرسوم الإضافية التي فرضتها على القطاع خلال آخر ثلاث سنوات، مؤكدا أن أي ضريبة أو رسوم إضافية من شأنها أن تؤدي الى انكماش القطاع وتراجع الطلب عليه، فضلا عن الآثار السلبية التي تحدثها في مجال تقليل جودة الخدمة، والعزوف عن التوظيف من قبل الشركات التي تسعى الى تغطية التكاليف الإضافية التي بدأت تؤثر في ايراداتها وربحيتها.
وأضاف "أعتقد أن إجراءات الحكومة الحالية تجاه قطاع الاتصالات، لا سيما ضريبة الخلوي ورفع تعرفة الكهرباء في وقت سابق، أسهمت في زيادة هجرة الكفاءات الأردنية وفقدان الوظائف من القطاع".
ومن جانبه، قال رئيس هيئة المديرين في جمعية "إنتاج"، جواد جلال عباسي: "نحن متفقون مع الحكومة حول الرؤية تجاه قطاع تقنية المعلومات ونمو وضرورة العمل على تعزيز الإجراءات والقرارات التي من شأنها ضمان استدامته بهذا الشكل، لكننا بحاجة الى وقفة مراجعة سريعة والحوار بعمق حيال قطاع الاتصالات وتراجعه الواضح من أرقام المسح لا سيّما في الايرادات والتوظيف".
وأضاف عباسي، في حديثه: "يجب أن يكون هناك حوار حول تراجع قطاع الاتصالات، وهو ما تثبته الأرقام والواقع
والمضي قدما في إجراءات من شأنها إعادة القطاع الى سكة النمو من جديد"،
وأكّد أن جمعية "إنتاج" تنظر بعين الأهمية للحفاظ على القطاع "قطاعا تنافسيا غير احتكاري وله قيمة عالية في الاقتصاد الأردني"، وبأنّه جزء أساسي ضمن القاعدة الضريبية في الأردن.
وجدّد عباسي تأكيده أهمية العلاقة التشاركية الفعالة مع الحكومة في سبيل وقفة مراجعة لمصلحة القطاع للمضي نحو مستقبل مزدهر مثالي لسوق فيه منافسة صحية وحقيقية، واستثمار مجد ومستدام، وتحصيلات حكومية من الضرائب والرسوم وفيرة ومستمرة وعادلة.
وأرجع انخفاض الوظائف في القطاع في 2013 و2014 الى الضغط الكبير على أرباح شركات الاتصالات الرئيسة في الأردن بسبب المنافسة والتقدم التقني واستخدام التطبيقات البديلة مثل "الواتس اب" و"سكايبي"، والتي قللت من استخدام الخدمات التقليدية إضافة الى ثلاثة قرارات حكومية هي رفع كلفة الكهرباء على الشركات ورفع الضريبة الخاصة على المبيعات، إضافة الى تسعير الحكومة لترددات الخدمة الخلوية.
ومن جانبه، قال نائب الرئيس في "اورانج" رسلان ديرانية: "نختلف مع الحكومة في وجهة النظر حيال أسباب تراجع قطاع الاتصالات، ونعتقد أن 80 % من أسباب التراجع تتلخص في مضاعفة الضريبة وقرارات رفع الكهرباء والمغالاة في أسعار الرخص الجديدة أو تجديد الرخص القديمة كما حصل مع (أورانج)"، مؤكدا أن نسبة الـ20 % الباقية هي لأسباب تتعلق بالمنافسة المحلية الشديدة بين المشغلين، والمنافسة العالمية من تطبيقات التراسل للهواتف الذكية.
وأكد أهمية وقفة مراجعة جدية شفافة بين الطرفين اذا ما أردنا دوام نمو قطاع الاتصالات الذي يلعب دورا في نمو وتطور قطاع تقنية المعلومات من جهة، فيما أصبح يشكل بنية تحتية أساسية للقطاعات الأخرى، وأكثر القطاعات الخدمية التصاقا بالمواطن في حياته اليومية وعمله.
وضرب مثالا على ذلك كيف دعت الجهات المسؤولة عن القطاع في اوروبا المشغلين لدى ترخيص تردادت "الجيل الرابع"، وجرى الاتفاق بينها لترخيص الخدمة بأسعار تمكن المشغلين من الاستثمار في الانتقال الى هذا الجيل المتقدم من الاتصالات وبشكل يخدم الحكومات هناك، والمستخدم، والقطاع نفسه، وبالطريقة نفسها تعاملت أيضا هذه الدول مع موضوع ترخيص ترددات "الجيل الثاني" وهي التقنية التي تتراجع أهميتها يوميا بعد يوم مع قدوم التقنيات الحديثة.
وكأن ديرانية يقارن بين الجهات المسؤولة عن "الاتصالات" في تلك الدول والجهات المسؤولة عن القطاع محليا وكيف تعاملت مع موضوعي ترخيص الجيل الرابع وتجديد تراخيص الجيل الثاني.
وعاود ديرانية الحديث عن قرار زيادة الحكومة لتعرفة الكهرباء على القطاع بنسبة 150 % في العام 2012، وهو القرار الذي صدر وطبق على نحو مفاجئ ليشكل صدمة مالية للقطاع، لافتا الى أن هذا القرار خفض من أرباح شركة أورانج وحدها خلال العام الماضي بنحو 11 مليون دينار.
وتطرق ديرانية كيف أن الحكومة تريد أن تطبق مفهوم "الجباية" من القطاع بأي طريقة، وضرب مثلا على ذلك كيف أن قانون الاتصالات الجديد الذي تسعى الحكومة لإقراره خلال المرحلة المقبلة، يحتوي بنودا وسعت من صلاحيات الهيئة وبشكل يعزز دورها فيما وصفه بـ"الجباية" كالبند الذي يعطي الهيئة الصلاحية بفرض غرامات على الشركات اذا ما ارتكبت مخالفات وبنسبة تصل الى 5 % من الإيرادات السنوية للمشغل.