فك شيفرة عجلون
خاص - أحمد الربابعة وصلت رسالة مشفرة إلى مكتب قائد المنطقة العسكرية الشمالية، على اثرها يهرع مدير مكتبه ليخبره بمضمونها الذي يتحدث عن كنز عظيم سيستخرج من عجلون بعد ساعات ويترتب الاستعداد وتجهيز وحدات عسكرية لحماية ارث الوطن .... في اليوم التالي وما بعده يخرج التلفزيون الأردني ومعه الأعلام لينقلوا فيديو وصور كنز الوطن الذي استخرج، ويعرض للقاءات مع خبراء أثار يُعرفون المواطنين والعالم أجمع بقيمته التاريخية وما تم اكتشافه وجدواه وعائداته على الوطن، وبعدها يقومون ومعهم كل الشعب بشكر والثناء على كل من ساهم باستخراج الكنز الوطني، من مؤسسات الدولة المختلفة '.
السيناريو أو النص السابق سيكون هو أو ما يشبهه الواقع الطبيعي والمنطقي المعبر عن حادثة (هرقلا) أو كنوز هرقل في عجلون ذائعة الصيت عند الأردنيين هذه الأيام، في حال سارت الأحداث بمسار قانوني ومؤسساتي لنظام أي بلد يحترم مواطنيه ويقدر قيمته، تبدأ بإصدار مذكرة قانونية للحفر واستخراج كنز في عجلون بحضور المؤسسات المعنية كوزارة السياحة والآثار والأجهزة الأمنية والداخلية والإعلام وغيرها، دون تركنا أمام روايات وشائعات لا نعلم مدى صحتها من عدمه تعيدنا لحقبة (الغولة) ومغارة علاء الدين وقصص (ألف ليلة وليلة)، وتضعنا أمام سيل فتاوى وحسابات اقتصادية تتراوح ما بين قوانين بيت مال المسلمين وقوانين صندوق النقد الدولي!.
مرة ثانية .. وبعيداً عن سرمدية قصص الكنوز والدفائن، وجاذبية الكنز والمال لأي إنسان؛ فإننا مع الحكومة بكل ما تفعله؛ فإرث أي وطن وممتلكاته ومكتسباته سواء كان كنزاً أم ماءاً أم فوسفاتاً أم غيرها هي مسؤولية الدولة في تملكها واستخراجها واستثمارها والمحافظة عليها، بل عكسه سيسمى تفريط وعدم مسؤولية، ولكن كل ذلك لو كان الأمر بوضوح وبإجراءات قانونية تضمن الحفاظ على ممتلكات الوطن وتنمي الثقة داخل المواطنين، وليس رمينا لتكهنات وأقاويل لا تندرج تحت التفكير السليم لأناس أسوياء، ولا نعلم صوابها من عدمه، فحينما يقول البعض بأن الكنز الذي استخرج يقدر بـ 20 مليار فكأننا نقول بأن شاهد العيان الذي نقل هذه الرواية يتمتع بقدرات حسابية فائقة تشبه قدرات الكمبيوتر، مكنته من أن يحصي تعداد الكنز المستخرج، ويحول قيمته من قيمة ذهب تاريخي إلى قيمة الذهب الحالي ثم إلى قيمة الدينار الأردني، ولا نعلم إن كان شاهدنا الكريم قد احتسب ثمن البخور والزعفران الذي احضره الحجاب ليخرج به الرصد، أو نسبة سمسار البيعة.
فك شيفرة كنز عجلون يتلخص في أن حادثة (هرقلا) ليست الأولى للشعب الأردني مع نظامه، وإنما هذا ديدنه في تجاهل وتهميش بل وطمس تاريخ الأردن بكل حضاراته وارثه وكنوزه وشخصياته، واستمراراً لتكريس المقولة التي يتبناها (الأردن ممر قوافل) التي غرسها حتى بالأردنيين أنفسهم ... هو لا يريد أن يعرف الأردنيون أن بلدهم قائم منذ العصر الحجري الأول (150000_20000 ق.م)، ومن بعده حضارات العموريين، والحشبونيين، والأدوميين، والموأبيين، والباشونيين، والعمونيين، والأنباط، والرومان، والبيزنطيين، والاسلاميين وغيرهم كثر وعلى رأسهم هرقل والاسكندر المقدوني والمسيح وأهل الكهف ... لا يريد القول بأن الأردن يمتلك (13) مدرج روماني من أصل (25) مدرج بالعالم وأن تعداد سكان مدينة جرش الرمانية كان 2 مليون، وأن منطلق الدولة الأموية كان من (أذرح)، ومنطلق الدولة العباسية كان من (الحميمة)، وطريق الملوك التاريخي وسبعة مدن للديكابولس من أصل عشرة هي ببلدنا ... إسرائيل تقوم بالترويج للبتراء في الغرب ودول العالم على أنها ضمن أراضيها وتستقطب جحافل السياح بناءاً على ذلك؛ ومع هذا لم يقم صنع القرار بمقاضاة إسرائيل أو نهرها عن اعتداءها على سياحة الأردن وتاريخه، ولم نسمع يوماً أن الأردن طالب بمسلة (ميشع) المسروقة من البتراء والموضوعة بمتحف اللوفر منذ أكثر من مئة عام.
بالمناسبة ..ولست نذير شؤم : عودنا نظامنا حينما يريد تمرير قرار سياسي مرفوض شعبياً أو يريد رفع الأسعار أن يعمد إلى اختلاق حادثة أو تفخيمها، مما يثير صخب وجدل وشائعات بين الناس ليظلوا مشغولين بها طوال فترة طهيه للقرار.
الشيفرة الأخيرة: إذا صحت الأقاويل والتقديرات من أن قيمة الكنز المستخرج من عجلون هي بالمليارات ... فلا بد من قول كلمة حق بالمرحوم هرقل، وهي: أن هرقل الأردن السابق كان يعمل بصدق وأمانة مما مكنة من توفير مليارات في الوقت الذي يرضخ به الأردن الحالي تحت وطأة مديونية تزيد عن 20 مليار !!