الأردن يشارك الأمة الإسلامية احتفالها بذكرى الهجرة النبوية
يشارك الأردن اليوم الأمة الإسلامية احتفالها بذكرى الهجرة النبوية الشريفة، هجرة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام واصحابه من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بداية تأسيس الدولة الإسلامية.
ويقول مفتي عام المملكة سماحة الشيخ عبد الكريم الخصاونة ان الهجرة النبوية الشريفة تعتبر من اهم الاحداث في التاريخ الإسلامي، مشيرا إلى ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما بدأ التأريخ للمسلمين استعرض كل الحوادث التاريخية، واختار موعد الهجرة النبوية الشريفة لأهميتها.
واضاف إن الهجرة الشريفة هي انتقال من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، ولا بد من أن يتم الإنتقال بتخطيط وحكمة وتدبير، حيث كان المسلمون يطبقون ما يأمرهم به الله عز وجل ورسوله الكريم.
وقال مفتي عام المملكة ان قيم الإسلام التي انتشرت بفضل الهجرة النبوية وبناء الدولة الإسلامية في المدينة تتجسد في العدل والمؤاخاة والحق والحرية، وحرية العقيدة، وممارسة العبادات الدينية في حرية وأمن واطمئنان، وتحقيق المساواة بين الإنسان وأخيه الإنسان.
واشار إلى ان الانتقال من الوطن ليس أمرا سهلا ، لأن الوطن غال على كل انسان. واضاف ان حب الاوطان من ابرز المعاني المستفادة من حادثة الهجرة الشريفة، وان الرسول عليه السلام، عندما خرج من مكة وقف على رأس جبل، وقال "والله، انك احب البلاد إلى الله، واحبها الي، ولولا ان قومك اخرجوني ما خرجت"، مشيرا إلى ان الخروج من مكة في تلك الظروف كان فيه نصر للإسلام.
وقال سماحة الشيخ الخصاونة ان الرسول عليه السلام وحّدَ بين المسلمين "المهاجرين الذين طبقوا امر الله والرسول بالهجرة، فهاجروا وتركوا اموالهم وبيوتهم لأجل الدين، والانصار الذين استقبلوهم وقاسموهم اموالهم وبيوتهم حتى اصبحوا نواة لمجتمع قوي متماسك".
ولفت إلى ان الرسول عليه الصلاة والسلام أسس المسجد باعتباره بيت الله، الذي يجتمع فيه المسلمون للتشاور والتعلم للخروج بقلوب بيضاء نقية تقية، صافية لله عز وجل".
مساعد امين عام وزارة الاوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الدكتور عبد الرحمن ابداح قال إنّ "التأمل العميق لأحداث الهجرة الشريفة - مقدّماتها ووقائعها ونتائجها- يضع أيدينا على كنز من العبر والعظات والمدلولات على نحو يؤهلنا لتجاوز كلّ ما يحيط بنا من معوّقات ومشكلات، ويعيننا على الانطلاق نحو مستقبل واعد نحقّق من خلاله المنزِلة التي اختصّنا الله تعالى بها إذ جعلنا خير أمة أخرجت للناس".
واضاف ان "نبينا - عليه الصلاة والسلام - تحمل كلّ أنواع الأذى والاضطهاد، والتآمر والاتهام وهو يتطلّع إلى يوم الهجرة الشريفة، التي كانت إيذاناً بتحرير الإنسان من كلّ عبودية لغير الله تعالى، فقد كان الإسلام في مكة ديناً بلا دولة وحقّاً بلا قوة، وكان المسلمون ما بين مُعذّب أو مضطهدٍ أو مستضعف، فكانت الهجرة إيذاناً للحقّ أنْ يعلو ويظهر وللباطل أنْ يندحر ويُقْهَر، ولله تعالى الحمد والمنّة".
واشار إلى "المؤامرة التي نُسِجَت خيوطها في دار النّدوة لمحاصرة النبي – عليه الصلاة والسلام – في سجن مُظلم أو قتله أو إخراجه من جزيرة العرب، هي نفسها المؤامرة التي تُحاكُ ضدّ أمتنا لوضعها في شرنقة الخلافات ومحاصرتها بجدران اليأس والإحباط وإخراجها من دائرة التأثير والفاعلية في حركة الحياة، لتظلّ في دائرة الانفعال وردود الأفعال، لا تصفو لها لحظة للمراجعة والاستبصار".
واضاف "ليس من نافلة القول التأكيد على أنّ طول الطريق ليس مبرراً للتراجع والنكوص، فمن سار على الدّرب وصل بمشيئة الله تعالى، والمُشكلة دائماً مع الراكد العاجز الكسول ، الذي لا يُفكّر إلا في اللحظة الحاضرة".
واشار إلى انه، ومن دراسة أحداث الهجرة ووقائعها، نلحظ "دقّة التخطيط والأخذ بالأسباب وتوظيف الإمكانات والخبرات، والاستفادة من جميع الطاقات وتوظيف فنون الخداع والتضليل للعدو المتربص".
وفي المُقابل نُدْرك على الجانب الآخر، ما يبذله الأعداء من أموال وخبرات وطاقات وحشود لمُصادرة الحركة الدّعوية، وتشويه صورة أصحابها وإرسال العيون لتَعَقّبهم ورصد حركتهم وإغراء زبانيّتهم بالأُعْطِيات، فقد وعَد المشركون كلّ مَنْ يأتي بالنبي – عليه الصلاة والسلام – أو صاحبه بمئة ناقة".
وتابع "مع الأسف، فالمسلمون اليوم تهبّ عليهم الرّياح من كلّ جانب تعصِفُ بأوطانهم وأموالهم وأعراضهم، ويُقْتَلون بأسلحتهم وتُهدمُ بيوتهم بأموالهم وثرواتهم وهم في حالة من الذهول وفقدان الاتجاه".
وقال "حرص النبي – صلى الله عليه وسلم – على إنعاش اقتصاد المجتمع الإسلامي بعد الهجرة، إذ أنشأ سوقاً إسلامياً خاصاً ينافس الأسواق التي كانت قائمة على الربا والغش والاحتكار، فانتعش اقتصاد المهاجرين والأنصار، ومُنِع الربا والتناجش والتدليس وبيع العينة، وصارت عيوب المَبيع تَبينُ للمُشتري، وكان الصدق والتناصح ديدنُ المتبايعين، مثلما يبدو ذلك في حركة المجتمع الإسلامي كلّه".
ومن أبرز سمات المجتمع الإسلامي الجديد ما فعله النبي – صلى الله عليه وسلم – من مؤاخاة بين المهاجرين والأنصار لبيان أهمية العقيدة وأنّ نسب الدّين والإيمان أوثق من نسب اللحم والدم، وقد ترجم المسلمون هذه المؤاخاة عملياً، عندما أظهروا كلّ محبة وإيثار بعضهم لبعض، فصار الحبشي والفارسي والرومي والقرشي إخوة في الله تصديقاً لقوله تعالى.
استاذ الحديث الشريف وعلومه في كلية الشريعة عميد كلية الشريعة السابق بالجامعة الأردنية الدكتور امين القضاة، قال ان "الهجرة النبوية كانت تأسيسا للدولة الإسلامية التي تقوم على اسس صحيحة وسليمة، ومن اول هذه الاسس الوثيقة التي كتبها الرسول عليه الصلاة والسلام حينما نزل المدينة المنورة، والتي بينت العلاقة بين المسلمين واليهود في المدينة المنورة والذين يشاركونهم الوطن، فهم مواطنون، وقد كانت لهم حقوق وعليهم واجبات، ولم يجبرهم الرسول عليه السلام على تغيير دينهم أو اضطهدهم".
وقال ان "ذكرى الهجرة النبوية مناسبة جيدة لقراءة السيرة النبوية التي توضح المنهج النبوي الشريف في التعامل مع الاحداث والمستجدات بطريقة تقوم على اساس احترام الاخر وقبول الاخر، اما الانسياق وراء العواطف والوقوع في شراك ما ينصبه لنا اعداؤنا من قضايا، أمر ينبغي ان يتنبه إليه الشباب والموجهون".