فتاة تكسر حاجز الصمت وتروي قصة إغتصابها من حارس بناية وحملها منه
في وقت ما يزال القانون فيه، يعفي المغتصب من العقوبة حين زواجه من ضحيته، بدأت أصوات ضحايا وأسرهن ترتفع رفضا لهذا "الإجحاف".
ويرى أهالي فتيات أن القانون بهذه الطريقة "يقدم بناتهن على طبق من فضة للجاني"، فيما ما تزال فئات من المجتمع "متواطئة" مع مسألة زواج المغتصب من ضحيته تحت ذريعة "درء الفضيحة"، في المقابل، فإن هناك أسرا، تدرك خطورة تزويج بناتهن من مغتصبيهن.
"سيما" (15 عاما)، اسم مستعار لفتاة، تعرضت للاغتصاب قبل نحو عام من شخص يكبرها بـ30 عاما من جنسية عربية، كسرت حاجز الصمت وتحدثت بصراحة عما مرت به من ضغوطات للزواج من مغتصبها.
ولفتت الى أنها تعرضت "لضغوط من أجل إجبارها على الزواج ممن اغتصبها، لكن ذلك فشل بعد أن وقفت أسرتها إلى جانبها وتلقت دعما من دار رعاية الفتيات بالرصيفة".
وتنص المادة 308 من قانون العقوبات على إعفاء "المغتصب من الملاحقة القانونية في حال تزوج من المجني عليها"، وإن اشترطت ألا يقل عمر الزواج عن خمسة أعوام، لتصبح الملاحقة لاغية، فيما تصل عقوبة من يغتصب طفلة يقل عمرها عن 15 عاما للإعدام.
وقالت سيما "في الاغتصاب لا تعامل الفتاة على انها ضحية، الجميع يعتبرها مدانة، وتستحق عقوبة المؤبد بالزواج من مغتصبها".
وحول ما وقع لها قالت إن حارس البناية التي تقطنها مع عائلتها "استغل فرصة غياب والدي ووالدتي عن المنزل، فدخل المنزل عنوة، وهددني بقتل شقيقي الأصغر وكان حينها معي، فانصعت لرغباته".
وأضافت "اضطررت لإخفاء الحادثة لأشهر، لكن بعد نحو 5 شهور، ظهرت علامات الحمل علي. وأنا لا علم لي بطبيعة ما يلحق بي من تغييرات، فراجعت طبيبا متخصصا مع والدتي، أكد أن ما أمر به هو حمل، كانت صدمة لي".
وأضافت بحرقة "أبلغ الطبيب المركز الأمني، وبعدها كشفت عن هوية مغتصبي"، مبينة أنها ومغتصبها ركبا السيارة نفسها حين اصطحبتهما الشرطة، و"كان هذا بالنسبة لي موقفا مرعبا".
وأكدت سيما أنها "تعرضت لإساءة نفسية ولفظية ممن يفترض بهم دعمي"، لافتة إلى أنها "أودعت ليلة واحدة في نظارة جبل الحسين للأحداث الإناث. وتعرضت لكلام قاس من إحدى الشرطيات، واتهمتني بسوء أخلاقي".
وبينت أنه "بعد ليلة قاسية في النظارة، توجهت صباحا لمركز الطب الشرعي، وهناك تعرضت لفحص من لجنة طبية جميعهم رجال، حاولت مقاومة الفحص بشدة، لكني فشلت".
ولفتت سيما أن "تجربة الفحص الطبي شديدة المرارة، أذكر أن ممرضة وقفت بجانبي وحاولت تهدئتي، وهي الوحيدة التي تعاطفت معي طيلة 24 ساعة هناك".
وأضافت "بعدها توجهت للمدعي العام، رأيت والدي يقف مكسورا أمامي، في الجهة المقابلة كان يقف الحارس، شعرت بخوف شديد، لم أتمكن من الحديث، ونتيجة لإصرار المدعي العام تكلمت، لكني لا أذكر شيئا من إفادتي".
وأشارت إلى أنه بعد تحويلها "إلى قاضي الأحداث، حكم علي لعام كامل في دار الرعاية، ورفضت الحكم، وكذلك والدي الذي عبر بصراحة عن رغبته في رعايتي وحمايتي، لكن القاضي رفض".
وأوضحت سيما أنه "بعد قضاء يومين شاقين، وصلت للدار، فكان التعامل فيها مختلفا، إذ استقبلتني المشرفة، وأشعرتني بالراحة، كانت متفهمة لما مررت به، كما قابلت في الدار فتيات أخريات قصصهن متشابهة".
وأكدت أن "المركز دعمني كثيرا، ووفر لي مساعدة قانونية عن طريق مجموعة ميزان لحقوق الإنسان، كما كان هناك اختصاصية نفسية من المركز، وأخرى من جمعية ضحايا العنف، استمعن لمخاوفي وأفكاري".
ولفتت "خلال وجودي في الدار، تعرض والدي لضغوط خارجية كثيرة لتزويجي من مغتصبي حال بلوغي سن 15، ما انعكس تاليا علي، لكن بالدعم الذي وفر لي، واجهت الضغوطات ورفضت فكرة الزواج من مغتصبي".
وبينت سيما أن "ميزان وجمعية ضحايا العنف، وقفوا معي ومع والدي لمواجهة تلك الضغوطات، وتأكيد حقي بعيش حياة أفضل ومعاقبة الجاني".
وبعد نحو شهرين من إقامة سيما في دار الرعاية، انتزعت قرارا قضائيا بالعودة لأسرتها، في وقت تكفل فيه الأب باحتياجاتها بما فيها ولادتها.
وأضافت "طوال فترة الحمل كنت أشعر بعبء كبير، لم أشعر بفضول لمعرفة جنس الجنين، أردت فقط إنهاء الكابوس، وبعد ولادتي تنازلت عن الطفل لمؤسسة الحسين الاجتماعية، ولم أرغب بمشاهدة الطفل قط".
بعد الولادة، تجددت الضغوطات على والد "سيما" لتزويجها، تحت ذريعة وجود طفل، الذي قال "ابنتي ضحية لجريمة بشعة، بعضهم أراد استمرارها بتزويجها من مغتصبها، لكني رفضت وأرفض ذلك، فليس منطقيا تقديم الضحية لمغتصبها على طبق من فضة".
وأضاف "تعرضت لضغوط كثيرة أغلبها من سفارة البلد الذي ينتمي له المغتصب، فضلا عن ضغوطات أقارب وتوصية رجال شرطة، بأن الطريقة الأفضل لإنهاء القضية هي بالزواج من المغتصب، بخاصة في ظل حمل ابنتي".
وبين أنه "في هذه القضية كانت ابنتي الضحية الأكثر تضررا، لكني وأسرتي ضحية أيضا، لذا لا يمكن منح المغتصب فرصة للفرار من العقاب".
وأضاف الأب "لن ننسى هذه التجربة المريرة التي ما تزال ابنتي تعاني تبعاتها، لكن الإعدام للمغتصب هو ما سيخفف مما تعرضنا له، ولن أتنازل عن حقي، فما تزال القضية أمام القضاء".
عادت "سيما" للالتحاق بالتعليم مطلع العام الدراسي الحالي، وشهدت علاماتها انخفاضا ملحوظا، فهي غير قادرة على نسيان ما حل بها، و"على الرغم من ذلك أسعى جاهدة لتخطي هذه التجربة".
من ناحيتها، قالت مديرة الدار رغدة العزة إن "المجتمع بات مؤخرا أكثر وعيا في التعامل مع الفتيات ضحايا الاغتصاب"، لافتة إلى أن "المركز شهد منذ بداية العام عدة حالات، رفض فيها الاهل تزويج بناتهم من مغتصبيهن".
وأضافت العزة إن "الدار تقدم الدعم للضحية وأسرتها بالتعاون مع الجهات الشريكة، بما يضمن المصلحة الفضلى للفتاة، عن طريق خدمات الرعاية الصحية والقانونية والنفسية والاجتماعية".
وتابعت "نسعى للاستمرار في التواصل مع الضحية وأسرتها حتى بعد خروجها من الدار، وتوفير المشورة لها، وهذا يعتمد على مدى رغبة الاسرة في الابقاء على التواصل".
وبينت أنه "في حالة سيما تحديدا، لمسنا دعما كبيرا من الأب ورغبة في مساعدة ابنته على تخطي مشكلتها. لذا وفرنا شبكة مساندة للأسرة".
ولفتت العزة للتبعات النفسية السلبية التي ترافق ضحية الاغتصاب عند تزويجها من مغتصبها، بخاصة إذا كانت قاصرا، لإنها ستكون أكثر عرضة لعنف اسري، سيستمر الزوج بممارسته.
وكان الأردن وافق أخيرا على توصية مجلس حقوق الإنسان في جنيف، بإلغاء المادة 308 من قانون العقوبات التي أثارت جدلا محليا منذ أعوام، حول مدى ردعها للمغتصبين واستردادها لحق الضحايا، لكن حتى الآن لم يحدث أي إجراء فعلي لمراجعة القانون أو وضع تصورات بديلة له.
ويبلغ عدد الجرائم الجنسية الواقعة العام الماضي، بحسب أرقام ادارة المعلومات الجنائية 935 حالة منها 780 هتك عرض و155 اغتصاب، فيما لم تحدد الاحصائية نسبة القاصرات من الضحايا.
من ناحيتها، قالت عضو جمعية حماية ضحايا العنف زينة مهيار "من واقع تعاملنا مع حالات لفتيات مغتصبات، فإن الظلم الأكبر الذي سيقع بحق هذه الفئة من الضحايا هي الزواج من الجاني".
وأضافت "ليس منطقيا ربط حياة انسان بريء بمجرم. هذا النوع من الزيجات غالبا ينتهي بالطلاق، فضلا عن أن الضحية ستبقى طوال زواجها عرضة لعنف أسري ومعايرة من أسرة الزوج، وامكانية استغلالها في عمل قسري أو في الدعارة".
وشددت مهيار على الوقوف إلى جانب ضحايا الاغتصاب، داعية المجتمع لتفهم أكبر لهن، فلم يعد مقبولا ربط مصيرهن بحوادث تعرضن لها.
ولفتت إلى زيادة وعي الاسر بحماية بناتهن ورفض تزويجهن، لكن ذلك يجب أن يرتبط بتحقيق شبكة دعم اجتماعي ونفسي للضحية وأسرتها، لتندمج في المجتمع وتمارس حياتها من جديد.