"جاسوس المستحيل" ...هذا ماقاله الجاسوس كوهين عن لقائه بـــ حافظ الأسد
لكوهين، أو الياهو بن شاؤول كوهين، أو كامل أمين ثابت، وهو اسمه التجسسي الحركي. حكاية تختلط فيها، الحقائق بالمبالغات، والواقع بالخيال.
لا تزال "إسرائيل". تحاول تقديمه على انه واحدة من "معجزاتها. ويُعتقد أنها تقف خلف انتاج الفيلم الأمريكي الشهير "جاسوس المستحيل" عام (1987)، الذي تم تصويره في "إسرائيل". كما أنشات موقعاً الكترونياً رسمياً خاصاً به، في شبكة التواصل الاجتماعي، باللغة العبرية.
كوهين بين الأسطورة والحقيقة!
يبدو، أن ثمة إصرار "صهيوني"، على الصاق مقدرات خارقة بجاسوسها كوهين، وكأنه حمل "خفايا وأسرار" سوريا العسكرية، والسياسية، والأمنية إلى الموساد، على طبق من فضة، واخترق قياداتها من رأس الهرم حتى قاعدته. في حين تؤكد الروايات الرسمية، وغير الرسمية السورية، أن ما أرسله "كوهين" إلى "إسرائيل". كان في معظمه معلومات عامة. كما انه فشل في اختراق القيادات العسكرية والسياسية. حسبما يُشاع، واقتصرت علاقاته المُفيدة لنشاطه تقريباً، على الضابط معزة زهر الدين، الذي حُكم بالسجن خمس سنوات، إضافة إلى مدني يُدعى جورج سالم سيف.
لا يمكن الوثوق بالرواية "الإسرائيلية" عن "اسطورتها الاستخباراتية، التي تُعزز أكذوبة "الجيش الذي لا يُقهر". لكن أيضاً، لا يجوز تبني منطق الاستخفاف، بما حققه كوهين من اختراقات.
اختراق في القيادات البعثية!
في "دهاليز" الروايتين. تختبئ حادثة. تعرفها قلة قليلة. دون أن يعيرها أحد اهتماماً كافياً، رغم أهميتها في إعادة كتابة حكاية كوهين، وتحديد مستوى اختراقاته في صفوف البعث، وأجهزة الدولة.
الواقعة. يكشفها في "دردشته معنا" الأمين العام المساعد لشؤون البعث الأسبق د.محمد الزعبي.، عضو القيادة القطرية للبعث وقتها، ووزير الإعلام بعدها بقليل.
الحكاية مفادها، أن مؤتمراً توافقياً، عُقد عام (1964)، بين جماعة أمين الحافظ "عفلق"، وبين جماعة جديد. تم الاجتماع في قصر الضيافة القديم، وجرى خلاله. اختيار أعضاء القيادة الحزبية، واستمر الاجتماع طيلة الليل، وحتى ساعات الصباح الأولى، واتفق المجتمعون على إذاعة أسماء أعضاء القيادة، في نشرة الساعة السابعة والربع الصباحية. فيما كانت المفاجأة أن الإذاعة "الإسرائيلية"، قامت ببث الخبر بتفاصيل الأسماء، وعدد الأصوات التي حصل عليها كل أسم، وذلك قبل ساعة من بث إذاعة دمشق للخبر، ما أثار الشكوك باختراق المؤتمر، عبر أحد أعضاء القيادة المجتمعين حينها، الذين تفرقوا بعد نهاية الاجتماع. إذ توجه بعضهم إلى منزله، وآخرون لتناول طعام الافطار في مطعم "أبو كمال"، أو مطعم "غزال"، فيما يبدو أن مجموعة أو واحد من أعضاء القيادة، لم يًعرف حتى الآن. توجه إلى منزل كوهين، القريب من قصر الضيافة، وسط منطقة تمركز السفارات الأجنبية، في حينه.
الكذبة المصرية!
الزعبي، ينفي اي دور للمخابرات المصرية، في الكشف عن شخصية كوهين الحقيقية، كما هو متداول، ويؤكد أن المخابرات السورية، هي من كشفه. عندما وردت معلومات من السفارة الهندية في دمشق، حول وجود تشويش على بثها اللاسلكي، الأمر الذي دفع، مدير المخابرات حينذاك اللواء أحمد سويداني، إلى الاستعانة "بالسوفييت"، الذين زودوه براشدات حساسة. تمكنت من تتبع، وتحديد إشارات البث اللاسلكي المجهولة. حيث تولى اللواء سويداني ، قيادة عملية المُداهمة المنزل، وقيامه بشل حركة كوهين بنفسه تماماً خوفاَ من احتمال اقدامه على تناول السم.
انتهت حياة "كوهين" بإعدامه يوم (18) أيار (1965)، غير أن المعجزات، التي تُنسب إليه، لا تزال حية، ومنها وصوله إلى مراتب قيادية في البعث، وترشيحه لمناصب حساسة في الدولة مثل وزير الدفاع، وهو ما ينفيه الدكتور الزعبي.
علاقة أمين الحافظ بكوهين!
الأكثر إثارة، هو ما تشيعه "البروباغندا الإسرائيلية"، بشأن علاقات شخصية حميمة. أقامها كوهين مع رئيس الجمهورية الأسبق الفريق أمين الحافظ شخصياً، وتمتد إلى فترة وجودهما في الأرجنتين، و تصل إلى أن الحافظ هو من أحضره إلى دمشق، وهي رواية دحضها مدير مكتب الفريق الحافظ منذر موصلي، في كتابه المخصص عن كوهين، كون الراحل الموصلي. كان مُكلفاً بمتابعة ملف الجاسوس بعد القبض عليه، وصولاً إلى إعدامه.
يوضح الموصلي، أن علاقة الحافظ بكوهين. لا تتعدى معرفة الأول بأن الثاني مغترب سوري التقاه في بوينس آيرس، بل يذهب إلى أن الرئيس الحافظ. شك منذ البداية بيهودية كوهين، من ملامحه.
ثم يناقض الموصلي نفسه، بالإدعاء أن الحافظ. أخضع كوهين لاختبارات في الإسلام، كقراءة الفاتحة، وأركان الدين، وانتهت بفشل كوهين، ما دعا الرئيس إلى الطلب من أحد الضباط بالتحقيق معه على أساس يهودي. ولا شك أن الحادثة في حال حدوثها. تشير إلى أن العلاقة بين الحافظ وكوهين. تتجاوز لقاء بالمصادفة.
رأفت الهجان يستثمر بحكاية كوهين!
على خط " كوهين _ البعث". تداخلت الروايات، وتراكمت أسماء مشاهير. أحدهم الجاسوس المصري "رفعت الجمال" الشهير برأفت الهجان، الذي أدعى انه كان وراء الكشف عن حقيقة "كوهين"، وإلقاء القبض عليه، وانه تعرف عليه كرجل أعمال، خلال سهرة حضرها ضباط في جهاز "الموساد"، قبل أن يكتشف حقيقته، لما شاهد صورته مع زوجته وطفليه، بحوزة صديقته المغربية اليهودية، التي كانت شقيقة زوجة كوهين، وهي من أعلمه أن زوج أختها. يعمل "كباحث" في وزارة الدفاع، وموفد للعمل في بعض السفارات "الإسرائيلية" بالخارج، و ما لبثت أن اتضحت شخصية كوهين الحقيقية في قناعنه، لما شاهد في روما، صحيفة لبنانية "لم يسميها"، تحتوي صورة للفريق أول المصري علي عامر والوفد المرافق له، بصحبة العسكريين السوريين على الجبهة، يرافقهم "القيادي البعثي" كامل أمين ثابت "كوهين".
حمل "الجمال"، على ذمته طبعاً نسخة من الصحيقة، واطلع ضابط المخابرات المصرية محمد نسيم "قلب الأسد" في مسلسل الهجان، واطلعه على معلوماته بشان "كوهين"، وبعد تدقيقها. التقى مدير المخابرات المصرية صلاح نصر بالرئيس عبد الناصر، ليطير بعدها أحد ضباط المخابرات إلى دمشق حاملاً معه "ملف الجاسوس" كاملاً إلى الرئيس أمين الحافظ شخصياً.
كوهين يصف الأسد بالدناءة والانتهازية!
إذاً، ما من رواية واحدة، تجزم بحقيقة عمل كوهين، ومدى النجاحات والاختراقات التي حققها، ومستوى العلاقات الشخصية التي وصل إليها، كما يصعب الجزم، بوجود علاقة ربطته باللواء حافظ الأسد آنذاك فعلاً، وبالتالي التحقق من مدى مصداقية تقييم "مُفترض"، أرسله كوهين إلى قيادته في "تل أبيب". يتناول فيه شخصية حافظ الأسد، وجاء فيه:
( لاحظت، من خلال علاقاتي الواسعة مع كبار القادة العسكريين، أنهم عندما يكون حافظ الأسد موجوداً في الدعوات التي أقيمها عندي ، كان أكثرهم يتذمر من وجوده ، وبعد استفساري من بعض الضباط عن سبب تذمرهم ،كانوا يقولون لي بأنه انتهازي ودنيء ، فانشد انتباهي إليه وربطت إنتهازيته ، حين كان يطلب مني الهدايا، وكنت ألبيه وأشتري له الهدايا ،. وأيضا عرفت أنه دنيء لأنه كان يأخذ من الطعام، الذي كنت أقدمه للمدعوين، ويرسله بعد انتهاء العشاء، مع الخدم إلى سيارته. وتكرر هذا بكل دعوة. يرجى الإطلاع، والتوجيه).
حكاية جاسوس!
كوهين، يهودي من أصول حلبية. ولد ونشأ في الاسكنرية. عمل في شبكة تجسس "إسرائيلية" على مصر، تحت قيادة "ابراهام دار"، المعروف "جون دارلينغ". نفذت الشبكة سلسلة من التفجيرات ضد مصالح أمريكية في الاسكندرية، بهدف إفساد العلاقة بين القاهرة، وواشنطن، التي عرفت لاحقاً بفضيحة "لافون". ألقي القبض عليه في مصر، أكثر من مرة، قبل أن يهاجر إلى "إسرائيل" عام (1957).
هناك، رتبت له المخابرات الإسرائيلية "الموساد"، قصة ملفقة يبدو فيها سورياً مسلماً. يحمل اسم كامل أمين ثابت. هاجر مع عائلته إلى الإسكندرية ، ثم سافر عمه إلى الأرجنتين عام (1946) ليلحق به كامل .
حرص "الموساد"، على اتقان "كوهين" اللهجة السورية، وفرض عليه متابعة أدق أخبار سوريا، وحفظ أسماء رجالات السياسة، والاقتصاد، والتجارة. إضافة إلى تدريبه على استخدام اللاسلكي، والكتابة بالحبر السري.
بنى كوهين، على مدار عامين تقريباً، وجوده كرجل أعمال سوري ناجح. وكون لشخصيته الجديدة، هوية لا يرقى إليها الشك، واكتسب وضعا متميزاً لدي الجالية العربية في الأرجنتين، باعتباره رجلاً وطنياً شديد الحماس لبلده وأصبح شخصية مرموقة في "بوينس آيريس".
دخل دمشق عام (1961). وأعلن منها تصفية نشاطه الاقتصادي في الأرجنتين، والاستقرار النهائي في سوريا "لدواع وطنية".
أين جثة كوهين؟!
بالفعل، كانت دمشق محطته الأخيرة، دُفن فيها، إثر نبش سره، بعد أربع سنوات من العمل التجسسي. المفارقة أن مكان دفن الجثة، أصبح مجهولاً، بعد تحريكها من مكانها ثلاث مرات، تفادياً لإمكانية سرقتها من قبل "الموساد".
كان الراحل منذر موصلي، أول من كشف حقيقة ضياع قبر كوهين، في تصريحات لقناة "العربية". أعلن فيها أن كوهين، دفن في منطقة المزة بدمشق، داخل بئر خُصص للغرض، لكن مكان دفنه تحول حالياً إلى مبانِ، وشوارع، وحدائق، ولا يستطيع أحد تحديد مكانه أو الوصول إليه.
المصيبة، أن لاستعادة جثة "كوهين" قيمة لدى "إسرائيل"، يمكن جنيها إما بمبادلته بأسرى أحياء، أو جثث لشهداء، يحتفظ بهم العدو، بل إن "إسرائيل"، وضعت استعادة جثته كشرط لإجراء محادثات مع سوريا في التسعينيات، ويبدو أن الرفض السوري للشرط، فرضته حقيقة جهل سلطاتها بمكان الجثة، وهذا ليس مستغرباً في "نظام كل مين ايدو الو".