سر العلاقة بين "داعش" و الفرنسية "مارين لوبان" ..!!
يثير فوز حزب "الجبهة الوطنية” في انتخابات المناطق في فرنسا مخاوف كبيرة. وتطرح تساؤلات عن علاقة "داعش” بصعود أحزاب اليمين المتطرف الأوروبي.
واكتسح الحزب اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبان الجولة الأولى من انتخابات المناطق. وتحول بعد أسابيع من هجمات باريس إلى الحزب السياسي الأول بعدما منحه الفرنسيون 28.1 في المئة من أصواتهم، متقدما على حزب الجمهوريين اليميني بقيادة نيكولا ساركوزي الذي حل ثانيا بنحو 27.5 في المئة، مع فشل كبير للحزب الاشتراكي الحاكم الذي جاء ثالثا بقرابة 23.5 في المئة.
وينافس حزب لوبان على قيادة 6 مجالس اقليمية من أصل 13 في الجولة الثانية المقررة في الأحد المقبل. وأيا كانت النتائج، فإن الحزب "العنصري” بشعاراته "الشعبوية” استطاع فرض نفسه كقوة سياسية أساسية تستطيع كسر معادلة التناوب في حكم فرنسا بين اليمين واليسار. وتكمن أهمية الفوز في أنه يأتي في آخر انتخابات تشهدها فرنسا قبل الانتخابات الرئاسية في مايو/ أيار 2017.
وحقق حزب "الجبهة الوطنية” اليميني المتطرف مكاسب مهمة مستفيدا من اعتداءات "داعش” الإرهابية في باريس في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لكن العلاقة بين "داعش” والأحزاب اليمينية المتطرفة أعمق وأعقد بكثير. ورغم العداوة البادية بين الطرفين، فإن كل منهما يمد الآخر بأسباب الحياة عبر حبل سري يربطهما.
فإرهاب "داعش” يغذي النزعات المتطرفة في المجتمعات، وفي المقابل، فإن عنصرية المتطرفين اليمينيين تقوي جذور التطرف، وتزود المنظمات الإرهابية بدم جديد قوامه شباب يشعرون بالإحباط والعزلة ورفض المجتمعات لهم.
ومما لاشك فيه أن حزب "الجبهة الوطنية” استفاد من فشل الحكومة الاشتراكية في إيجاد حل لمشكلات البطالة، وتراجع النمو الاقتصادي، لكن هذا لا يمثل أكثر من نقطة في بحر استفادته من إرهاب "داعش” وشعاراته.
ومن اللافت أن موجات الهجرة تزايدت بعد أن أعلن البغدادي "دولته” وفرض قوانينه القرو-أوسطية على مناطق واسعة في سوريا والعراق مستغلا ضعف الدولتين وحالة الاستياء الشعبي في بعض المناطق بسبب سياسات التهميش والاقصاء.
وفي الجهة المقابلة فإن فوز "الجبهة الوطنية” المعادية للأجانب في مجالس بعض الأقاليم والمناطق سوف يؤدي إلى مزيد من التمييز ضد الأجانب، وخاصة المسلمين منهم، ما يعطل اندماجهم في مجتمعاتهم ويسهم في جنوح قسم منهم إلى التطرف ومن ثم الارتماء في أحضان "داعش” وأخواتها من التنظيمات الإرهابية.
وهنا، ربما، نجد جوابا لرفض حزب لوبان في شكل قاطع توجيه ضربات ضد "داعش” في سوريا رغم بشاعة الاعتداءات التي ضربت قلب باريس، فالحزب والتنظيم يعتاشان على التطرف، ويجتمعان في قسم مهم من دورة حياتهما. فكما تفوق البغدادي الذي خرج من عباءة "القاعدة” على معلمه أسامة بن لادن وذهب إلى إلغاء الحدود بين سوريا والعراق وتأسيس دولة "الخلافة” الصافية عرقيا ودينيا
فإن لوبان، التي تفوقت على أبيها جان ماري مؤسس "الجبهة الوطنية”، تحلم بدولة نقية ولكن مع إعادة إغلاق الحدود، وإحياء تشييد الجدران التي سقطت منذ ربع قرن مع انهيار جدار برلين. ولهذا فإن بقاء "داعش” ضروري من أجل تقديم خطاب شعبوي يحرض على الأجانب ويدعو إلى الانغلاق.
وواضح أن النخب الحاكمة التقليدية في فرنسا (الإشتراكيون والجمهوريون) لم تتفاعل مع الاشارات التي اطلقها صعود مؤسس "الجبهة الوطنية” جان ماري لوبان في عام 2005 للدور الثاني في الانتخابات الرئاسية مقابل جاك شيراك، ما أدى إلى تعاظم دور الجبهة تحت قيادة ابنته، التي انقلبت عليه، وأجرت تغييرات ثورية طالت الشكل لكنها لم تغير في مبادئ حزبها ذي النزعة الفاشية العنصرية.
وتبدو النخب الفرنسية في طريقها إلى تكرار الخطأ في الدور الثاني من الانتخابات يوم الأحد المقبل، ما قد يمنح لوبين فرصة لتكون منافسا قويا للوصول إلى الأليزية بعد عام ونصف العام.
وهذا الجانب يصلح أيضا للمقارنة مع بروز "داعش” وتجذرها، فالولايات المتحدة، وإن تنبهت لخطر "القاعدة” بعد أحداث أيلول/ سبتمبر 2001، فإنها استغلت الحرب عليها لتغير أنظمة وتفرض قواعد وتقسيمات جديدة أدت في النهاية إلى تزايد خطر "القاعدة” وخروج "داعش” الأكثر دموية من عباءتها.
وبعد أكثر من عام من الضربات الجوية لم يفلح التحالف الدولي في القضاء على إرهاب "دولة” البغدادي.
وبعيدا عن نتائج المرحلة الثانية من انتخابات المناطق في فرنسا والتي ستعلن مساء الأحد المقبل، فإن الأخطر الأكبر بات واضحا، ويكمن في تجذر أفكار وأنصار اليمين المتطرف في فرنسا وأوروبا ما يقضي على حلم أوروبا الموحدة، ويفتح المجال واسعا أمام اضطرابات كبيرة مع الجاليات المسلمة، وزيادة أعداد المتطرفين والعمليات الإرهابية، ونشر خلايا نائمة لـ "دولة البغدادي” في أصقاع الأرض.