كيف نسهم في تطوير الأسواق المالية الإسلامية؟
لقد حث الإسلام على أهمية حفظ المال وتنميته واستثماره بأفضل الوسائل المشروعة. ومن اجل تحقيق ذلك تم وضع العديد من الضوابط الشرعية التي تضمن حسن إدارة المال واستثماره. بالتالي، تعتبر السوق المالية الإسلامية فرصة لكل مستثمر ليتمكن من تقليل خسائره ومخاطره وزيادة عوائده وذلك من خلال تنويع استثماراته واختيار الادوات التي تتمتع بالمشروعية. كما تمثل السوق المالية الإسلامية محطة مهمة لإعادة تنقية وضخ الأموال الحلال وتمويل المشروعات الناجحة، الامر الذي من شأنه زيادة معدل النمو الاقتصادي.
وتم تعريف النظام المالي الإسلامي على انه مجموعة مترابطة من الاسواق المالية والمؤسسات والادوات المالية التي تقوم بمهمة تسهيل نقل الأموال ما بين الأسر والمؤسسات والحكومات على أسس إسلامية لتوفير المناخ اللازم لتحقيق النمو الاقتصادي. إن نظام التمويل الإسلامي بحاجة إلى أن تتوافر فيه الشروط الأساسية التي تضمن تطور نظام يتسم بالقابلية للاستمرار والمرونة والاستدامة. فضلاً عن تبني إطار إشرافي موحد للحيلولة دون وجود فجوات تنظيمية يمكن أن تصبح مصدر قلق عام. ومن الأهمية بمكان التوقيت المناسب لتطوير صناعة مالية إسلامية شاملة وسليمة، تعزز الاستقرار المالي والنمو من خلال قوة بنيتها التحتية المالية، ومتانة إطارها التنظيمي، وديناميكية أسواقها المتصلة فيما بينها، وتطور منتجاتها وخدماتها وقدرتها على التجاوب مع احتياجات الناس. ولم يتم إعطاء اهتمام أكبر للبعد الإشرافي والتنظيمي والقانوني فحسب، ولكن أخذ تطوير البنية التحتية المالية والأسواق والمؤسسات نصيبه من الاهتمام. وفي الجوهر، تم استكمال التصميم التنظيمي المتعقل بالجهود التي رمت في الوقت نفسه إلى تطوير أسواق المال الإسلامية. ولكن ما النواحي الرئيسية التي تعتبر مهمة في سبيل تحقيق هذا الهدف؟
أهمية وجود إطار تشريعي وإشرافي فعال
إن السمة الرئيسية للبنية التحتية المالية المطورة بشكل جيد هي وجود إطار قانوني وتنظيمي وإشرافي فعال يكون دعامة استقرار للنظام المالي. ويعتبر العمل التنظيمي والإشرافي من العناصر الحيوية التي لا غنى عنها في البنية التحتية المالية.
وبالنسبة للنظام المالي الإسلامي، ينبغي أن يكون هذا الإطار متسقاً مع مقتضيات المبادئ الشرعية، بما في ذلك تأسيس مجلس شرعي يضمن أن يكون وضع السياسات وسير المعاملات المالية متمشياً ومتوافقاً مع المبادئ الشرعية. وهناك حاجة إلى تدعيم ذلك بنظام محاكم فعال يمكنه أن يتعامل مع كافة القضايا المصرفية المالية الإسلامية وتكون قراراته واجبة النفاذ على كافة المسائل المالية كالعقود، والإفلاس، والضمانات الإضافية واستعادة الديون التي تعتبر جميعها جوهرية وأساسية لعمل الشركات. وينبغي أن يتعامل الإطار القانوني أيضاً مع المسائل الإشرافية، بما فيها الوكالات التنظيمية ذات العلاقة التي تناط بها مسؤولية الإشراف على المؤسسات المالية الإسلامية التي تقوم بأنشطة الترخيص وإجراء الأعمال المصرفية الإسلامية. ويجب أن تكون لهذه الوكالات مسؤوليات وأهداف واضحة لكي تمارس الإشراف المالي على نحو ناجع.
أهمية وجود شفافية أكبر وإفصاح عن المعلومات يتطلب إعداد التقارير المالية الصحيحة وجود هيئة من المحاسبين الماليين العارفين بالأحكام الشرعية وذلك لكي نضمن ألا ترسم الحسابات وفقاً لمعايير المحاسبة العالمية فحسب، بل أن تكون منسجمة مع المبادئ الإسلامية ومتفقة معها. والغرض من ذلك هو تمكين المستثمرين والمشرفين من الحصول على تقييم حقيقي وعادل للمركز المالي للمؤسسة الإسلامية ولربحية العمل. لا بل إن الشفافية والإفصاح يكتسبان أهمية أكبر في المصرفية الإسلامية حيث تستلزم فكرة المضاربة (تقاسم الأرباح) وجود علاقة بين المستثمر وصاحب المشروع وتعتبر عنصراً مهماً من عناصر مصادر المال.
وجاء تأسيس منظمة المحاسبة والتدقيق الخاصة بالمؤسسات المالية الإسلامية ليقدم إسهاما مهماً في وضع وإصدار المعايير المحاسبية والرقابية الخاصة بالمؤسسات المالية الإسلامية. وقد أسهمت المعايير التي أصدرتها المنظمة في تحسين نوعية البيانات المالية ومنهجية إعداد التقارير المعمول بها في المؤسسات المالية الإسلامية. كما أصدرت المنظمة معايير خاصة بدور اللجنة الشرعية إلى جانب وضع ميثاق لأخلاقيات العمل ليحكم عمل المحاسبين ومراجعي الحسابات التابعين للمؤسسات المالية الإسلامية.
أهمية تطوير بنية تحتية قانونية شاملة
هنالك شرط مسبق آخر لاستدامة استمرار نمو النظام المصرفي والمالي الإسلامي. ويتمثل بإيجاد بنية تحتية شاملة على الصعيد القانوني لعلاج المسائل القانونية التي تنشأ عن المعاملات المالية الإسلامية. وينبغي أن تشتمل البنية التحتية القانونية على قوانين تنظيمية وجوهرية فعالة إلى جانب وجود هيئة قضائية مناسبة تساعد الأطراف على حل نزاعاتهم فيما يتعلق بالتعاملات المالية الإسلامية. فضلا عن أعداد عدد كاف من المحامين والقضاة الذين يتمتعون بالكفاءة والمتسلحين بالمعرفة السليمة والخبرة الطويلة في القوانين الشرعية والمدنية للتعامل مع هذه الأمور.
أهمية تطوير أسواق مالية إسلامية نشطة في المراكز المالية الأكثر تطوراً، يلعب تطوير أسواق مالية مترابطة دوراً مهماً في المساهمة في استقرار النظام المالي. وتحتل هذه الناحية الأولوية بالنسبة للصناعة المالية الإسلامية. وفي هذا الخصوص، سيكون لتطوير نظام مالي إسلامي شامل، بما في ذلك العناصر المختلفة للأسواق المالية، بدوره أهمية في تلبية متطلبات المجموعات المختلفة المعنية. ولذلك، فإن التحدي الذي تواجهه الصناعة المصرفية الإسلامية يتمثل في توجيه تطور النظام المالي الإسلامي نحو نظام أكثر ديناميكية واستجابة للمتطلبات.
وينبغي أن يشتمل تطوير النظام المالي الإسلامي على العناصر الرئيسية التي تتكون منها سوق المال الإسلامية، الخاصة بالأسهم والديون، وذلك في ضوء الروابط القوية التي تربط بين هذه العناصر، واعتمادها المتبادل على بعضها والتعاون فيما بينها. ومن المهم أن تعمل سوق المال الإسلامية كمنصة لتوفير مصدر جاهز للتمويل والاستثمار قصيري المدى. وسوف تسمح الأدوات المالية للبنوك ذات الفوائض من توجيه الأموال إلى البنوك التي تعاني العجز، وبذلك تحافظ على آلية التمويل اللازمة لتعزيز الاستقرار في النظام. وستعمل سوق المال الإسلامية أيضاً على تسهيل وضع السياسة النقدية. ونختم بالقول بإن السعي إلى تطوير نظام مالي إسلامي يتسم بالديناميكية والنشاط يهدف إلى تحقيق الغرض النهائي المتمثل في إيجاد نظام تمويل إسلامي يسهم بشكل كبير في التطوير الشامل لاقتصادياتنا. ويتحقق ذلك من خلال العمليات التي تعمل على تسهيل التجارة والأعمال والاستثمار. وسوف يسهل هذا عملية تكامل النظام المالي الإسلامي واندماجه مع النظام المالي العالمي كعنصر معقول من عناصره.
إن الصناعة المالية الإسلامية قادرة على بناء الطاقة المؤسساتية وبث روح التعاون لتقوية فعالية البنية التحتية للنظام المالي الإسلامي وتسريع عملية تكامله مع النظام المالي العالمي، الأمر الذي يهيئ الفرصة لتطور صناعة المال الإسلامية باعتبارها عنصراً قابلاً للتطبيق من عناصر النظام المالي العالمي يستطيع أن يسهم في تحقيق قدر أكبر من الاستقرار المالي العالمي ويعزز من إمكانات النمو العالمي بشكل أكثر توازناً.
*خبير مالي واستثماري