مذكرة سرية: الأمم المتحدة شريكة بمأسسة حصار غزة
قالت مذكرة سرية إن الأمم المتحدة أصبحت شريكًا في جرائم الحرب التي ترتكبها "إسرائيل" في قطاع غزة، عبر آلية الإعمار التي أقرتها بعيد عدوانها الأخير على غزة صيف العام الماضي.
وأوضحت المذكرة التي صدرت في يناير الماضي كرأي قانوني للبروفيسور الجامعي "نايجل وايت" الذي يعمل في جامعة "نوتنغهام" البريطانية أن آلية الإعمار الأممية التي تعرف باسم آلية "سيري" تعني المساهمة الفعلية في الحصار، وهي بذلك ترتكب انتهاكات بحق القانون الدولي.ونشر موقع "الانتفاضة الإلكترونية" ما قال إنه النص الكامل لخطة آلية إعادة الإعمار –سيري- والتي تنشر لأول مرة، وتعيد وكالة "صفا نشره بشكل حرفي وكامل.
كما نشر "وايت" 21 صفحة معنونة بـ"السرية" في أواخر يناير من العام الماضي كتحليل قانوني لآلية "سيري".وأضاف "وايت": "إذا أصرت المؤسسة الأممية على تقديم الدعم للآلية المذكورة فإنها بذلك تكون مسئولة وشريكة لحكومة إسرائيل عما ترتكبه الأخيرة من قتل وإصابات وإلحاق أضرار بحق سكان غزة بعدما خرجوا من حرب تسببت بتدمير 2200 منزل بشكل كلي و24 ألفًا بشكل جزئي و146 ألف منزل أدرجت كمتضررة بشكل أقل".ولفت البروفيسور إلى أن الأمم المتحدة وضعت الكثير من العقبات أمام طريق إعادة الإعمار، معترفةً أنها لم تتمكن سوى من بناء منزل واحد بعد مرور 16 شهرًا من انتهاء الحرب، خلال مؤتمر صحفي في 12 نوفمبر من العام الماضي.
تسريب البيانات
وحذر "وايت" من أن قاعدة البيانات الخاصة بالمستفيدين من مراكز توزيع المساعدات الأممية في غزة قد تسربت إلى "إسرائيل" التي قد تستغلها لشن ضربات على أهداف معينة في أي حرب مقبلة.
وأكد أن تسريب البيانات الشخصية لأهالي غزة والمذكورة في آلية إعادة الإعمار ينتهك "الحق في الحياة" من خلال إساءة استخدام تلك البيانات وتسريبها إلى الحكومة الإسرائيلية وبالتالي توجيه ضربات لأهداف في غزة في أي هجوم مستقبلي.كما حذر البروفيسور مسئولين ودبلوماسيين في الأمم المتحدة من أن خطط إعادة الإعمار في غزة بعد عدوان صيف 2014 تمثل مخالفةً للقانون الدولي.
وقال في وثيقته إن "تفاهمات الوثيقة الأممية –آلية سيري-تمثل معاهدة ما بعد حرب، ويجب أن تخضع لقواعد القانون الدولي، لا أن تبقى حبيسة السرية".وأوضح "وايت" أن كلاً من الأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية و"إسرائيل" أبقت النص الكامل للوثيقة الخاصة بالإعمار قيد الكتمان، إلا أن آلية سيري المعقدة أبقت الفلسطينيين المتضررين رهائن لها جراء عدم مقدرتهم على ترميم منازلهم المدمرة.
ويعد البروفيسور "وايت" من أبرز الخبراء العالميين وأكثرهم اطلاعًا على قوانين الأمم المتحدة.ورأى "وايت" أن "التفاصيل الصادمة" التي نصت عليها الآلية الأممية، هي سر عدم انتشار النص الكامل للوثيقة التي أعدها منسق الأمم المتحدة للشرق الأوسط روبرت سيري وأنها بقيت حبيسة السر والكتمان في أيدي مسئولين في السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة و"إسرائيل" منذ إطلاقها.
تغيير إسرائيلي بالوثيقة
وأشارت الوثيقة السرية إلى أن "سيري" قدم وثيقة آلية إعادة الأعمار قبل صدورها في شكلها النهائية ومررها إلى "إسرائيل" والتي غيرت فيها بما يتماشى مع أمنها، ومن ثم حصلت على موافقة أممية ثم من السلطة الفلسطينية.
وقال إن اطلاع "إسرائيل" على الآلية قبل الخروج بصيغتها النهائية منح الأخيرة فرصة الاطلاع على بيانات الأشخاص المتضررين وتحديد من يستحق أولا يستحق الحصول على مواد البناء لأجل إعادة الترميم.
وأضاف أن الآلية الأممية تحتوي الكثير من الالتزامات المفروضة على السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة، فيما تنص أغلبية نصوص الآلية على حقوق لصالح "إسرائيل" وحفنة قليلة من الالتزامات.
وقال إن آلية "سيري" تنتهك القانون الدولي لأنها كتبت تحت التهديد واستخدام القوة، محذرًا من أن "إسرائيل" قد تستأنف العمل العسكري ضد قطاع غزة في المستقبل.وذكر أن توقيع السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة على وثيقة "سيري" يعني موافقتهم على استمرار الحصار غير الشرعي على غزة.
وعلق "وايت" منتقدًا الأداء الأممي الحالي لحالة إعادة الإعمار والقول إن الأمم المتحدة تفتخر أنها تمكنت من إصلاح نحو 100 ألف منزل متضرر، "لكن هناك نحو 4500 عائلة لا زالت بلا مأوى".
ويقول موقع "الانتفاضة الإلكترونية" إنه لم يحصل على إجابة من مكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة العامل في غزة حول عرقلة نشر آلية "سيري" كاملةً بالقول إنه "لا يمكن فعل ذلك دون موافقة إسرائيل والسلطة الفلسطينية".
وأضاف الموقع نقلاً عن المنسق أن "الآلية تعد إجراءً مؤقتًا ولن تمثل حلاً بديلاً عن رفع الحصار عن غزة".وقال "وايت" إن غياب أي وسيلة ضغط على "إسرائيل" لرفع الحصار أو فرض عقوبات عليها فإن الحصار قد يستمر لـ50 سنةً أخرى.
تواطؤ لحصار منهجي
وفي السياق ذاته، أشار رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، في تصريحٍ سابق لوكالة "صفا" إلى أنّ خطة سيري تعني قراراً أممياً بالتواطؤ حتى يكون حصار غزة حصاراً منهجياً".وحذّر من "أننا أمام مرحلة جديدة تقوم على كون الحصار مؤسّسياً وتشارك فيه مؤسّسات أمميّة".
وقال عبده إن غزة والاعمار تحت رحمة القرار الإسرائيلي، الذي أضحى بهذه الخطة قراراً دولياً وليس إسرائيلياً فقط، مؤكداً أن "المشهد غريب في العمل الدولي ويعبر عن عجز فاضح للمنظومة الدوليّة واستكانة فاضحة للمجتمع الدولي نحو الإرادة الإسرائيليّة".
ويوضح عبده أنّ "غزة في هذه الحالة، ستقبع تحت الوصاية الدوليّة الإسرائيليّة، وستصبح معيشة غزة مرهونة، مع الأسف بموافقة فلسطينية، بالرغبات الإسرائيلية والدولية".
ويلفت في الوقت ذاته، إلى أن الآليات الدولية التي وضعت خلال سنوات الحصار الثمانية، كانت تتساوق مع الرغبات الإسرائيلية ولا تصطدم معها. –
وأضاف عبده أن توفر الخطة بشكل غير مباشر يمثل غطاءً لكل جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني طوال سنوات حصاره لغزة، "فالآلية تضرب بالصميم ميثاق الأمم المتحدة للعام 1945، وقرار الجمعية العام رقم 3103 للعام 1973 والذي ثبّت المبادئ الأساسية للوضع القانوني لمقاومة المستعمر".
ولفت مدير المرصد الحقوقي إلى أن الخطة تنتهك أيضا اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الملحقة بها، واتفاقية لاهاي الرابعة للعام 1907 التي سمحت للسلطة المحتلة بفرض إجراءات معينة تقيد حركة التنقل لاعتبارات أمنية، لكنها تكون ملزمة بإيجاد توازن بين احتياجاتها الأمنية وضمان سير حياة السكان بشكل طبيعي.
وقال إن مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام يعلم قبل غيره أن الآلية المقترحة تهدف إلى تحقيق نفع سياسي على حساب معاناة الأبرياء وعدم تمكينهم من الحياة بشكل طبيعي".