حلب قد تسقط .. لكن لا نهاية للحرب في سورية
ماذا بعد سقوط حلب؟ هذا هو السؤال المطروح في ظل مأساة حقيقية يعيشها من تبقي في حلب، وخلافات حادة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وحلفائها، ومواقف مترددة من الجامعة العربية، التي لم تخرج تصريحات أمينها العام عن أن “الأزمة السورية تظل عربية”، وأن تبعاتها تقع على دول المنطقة وشعوبها، و”ليس مقبولًا أن يتم ترحيل الأزمة برمتها إلى الأطراف الدولية، التي ظهر أنها عاجزة عن الاتفاق أو التوصل إلى تسوية يمكن فرضها على الأرض”، على حد تعبير الأمين العام للجامعة العربية “أحمد أبوالغيط”، في كلمته أمام الاجتماع غير العادي، لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين الدائمين، بمقر الأمانة العامة بالقاهرة، والمخصص لبحث الأوضاع في حلب، التي تتعرض منذ أيام لقصف عنيف من قبل قوات النظام وروسيا، وسط استنكار “المجازر” فيها.
مجموعة (دعم سورية)
“أبو الغيط” أشار إلى أنه مطلوب وبشكل عاجل من القوى الفاعلة الأخرى في مجموعة (دعم سورية) العمل على إقرار وقف إطلاق النار في مدينة حلب، لحد أدنى ضروري من أجل مواجهة الوضع الإنساني الخطير في الجزء الشرقي من المدينة، والخاضع لسيطرة المعارضة على وجه الخصوص، وإتاحة الفرصة أمام جهود الإغاثة وإجلاء الجرحى والمرضى.
وقال إن “ما يجري في حلب، منذ انهيار ترتيبات الهدنة في 19 سبتمبر/أيلول الماضي، هو مذبحة بالمعنى الحرفي للكلمة، ويتعين العمل بصورة عاجلة لإقرار وقف إطلاق النار في حلب وفي عموم سورية، من أجل إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية للسكان المحاصرين، والعمل من أجل تفادي وقوع أزمة إنسانية مروعة، تفوق في ضراوتها ما جرى من مجازر”.
الخروقات الجسيمة
أبوالغيط، أكد أن “هناك أطرافًا دولية وإقليمية متورطة (لم يسمّها) في هذا الهجوم الوحشي على المدينة، وينبغي أن تتحمل هذه الأطراف مسؤوليتها إزاء الخروقات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، التي ارتكبت خلال الأيام الماضية من قصف متعمد وممنهج للمستشفيات، آخرها قصف المستشفى الرئيسي في حلب للمرة الثالثة في أسبوع واحد”.
السعودية.. والحل
السفير السعودي بالقاهرة، أحمد قطان، قال خلال الاجتماع ذاته، إن “السعودية لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي حيال ما يحدث في سورية، كما أننا لا زلنا نسعى إلى أن تبقى سورية موحدة”، مضيفًا “لسنا دعاة حرب ولا نسعى لها، والصراع المسلح لا يحسم الأمور، بل سعينا للوصول إلى حل سلمي للأزمة”.
ودعا الدول العربية، إلى “الوقوف بجانب الشعب السوري، وبذل كل الجهود الممكنة على المستوى الدولي، لتوفير ممرات آمنة لتوصيل مواد الإغاثة إلى المدنيين”، مشددًا على ضرورة “تضافر الجهود لمنع رئيس النظام السوري بشار الأسد وحلفاءه من إبادة الشعب السوري”، كما أكد على ضرورة إجبار كل الاطراف على العودة إلى طاولة المفاوضات.
استمرار الاتهامات
موسكو، قالت إنها ستواصل جهودها لحل الصراع السوري، رغم تعليق واشنطن تعاونها.. في المقابل قالت واشنطن إنها لم تتخل عن السلام في سورية، وسط استمرار الاتهامات المتبادلة بين الجانبين، وقال وزير الخارجية “سيرغي لافروف”، إن هناك رغبة لدى الكثيرين في الولايات المتحدة في إفشال الاتفاق مع روسيا بشأن سورية.
أوباما وانعدام القدرة
“الخارجية الروسية”، قالت إن الولايات المتحدة “مستعدة للتحالف مع الإرهابيين، بل مع الشيطان نفسه، من أجل تغيير النظام في سورية”، ووصفت الخارجية الروسية في بيان تخلي واشنطن عن التعاون بشأن سورية، بأنه يدل إما على عدم وجود الرغبة، وإما انعدام القدرة لدى إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، على تطبيق الشروط الأساسية للتعاون لحل الأزمة السورية.
فشل اتفاق الهدنة
التصعيد الروسي في اللهجة، جاء عقب إعلان واشنطن تعليق القنوات الثنائية بشأن اتفاق الهدنة في سورية، وحمّلت موسكو والنظام السوري مسؤولية فشل الاتفاق، بعدم الالتزام بتعهداتهما ومواصلة مسار عسكري يتناقض مع الاتفاق.
تقرير لوكالة “رويترز” حاول أن يجيب على سؤال “ماذا بعد سقوط حلب في أيدي قوات نظام بشار الأسد؟”، وتوقعت أن يحدث ذلك خلال “أسابيع أو شهور”، نظرا لأهمية حلب العاصمة التجارية السابقة لشمال سورية.
مفتاح شمال غرب سورية
السيطرة على حلب يمثل مفتاح شمال غرب سورية، ويعد نصرا لبشار الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين، وهزيمة موجعة للمعارضة، المدعومة من الولايات المتحدة والغرب، فالقصف المتواصل سيدفع المعارضة للخروج من معقلها، من دون تعزيزات سريعة من الداعمين الأجانب.
لا يعني نهاية الحرب
مراقبون يؤكدون أن سقوط حلب “لا يعني نهاية الحرب”، بل يفسح المجال أمام حركة مقاومة طويلة الأمد من جانب الطائفة السنية، تقوم على أساليب حرب العصابات، يتم فيها دفع جماعات المعارضة المعتدلة الباقية، التي يدعمها الغرب وحلفاؤه في المنطقة، دفعا إلى أحضان الجهاديين، وسيبقى الأسد لكنه سيصبح زعيما لدولة أصغر منكسرة ومفتتة، تعيش أسوأ أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية.
معركة جروزني
“روبرت فورد” السفير الأمريكي لدى سورية في الفترة من 2011 إلى 2014، قال إن “الروس يفعلون في حلب وسورية ما فعلوه في جروزني.. الأمر نفسه”، مشبها ما يحدث الآن بالطريقة التي دمرت بها روسيا عاصمة جمهورية الشيشان، لتعويض ما منيت به من انتكاسات في القوقاز، وتنبأ بأن المعارضة في سورية “ستتحول من الاحتفاظ بالأراضي إلى … حركة تمرد وحرب عصابات، وسيستمر ذلك لفترة طويلة.”
حزب الله والحرس الثوري
قصف الشطر الشرقي من حلب الآن، وتقدم قوة مؤيدة للأسد على الأرض، على رأسها مقاتلون تدعمهم إيران، مثل حزب الله اللبناني والحرس الثوري، يرمي إلى توجيه ضربة قاصمة للمعارضة، إضافة الى تأييد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو الزعماء الدينيين في إيران للأسد.
فقد حاصرت قوات الأسد جيب المعارضة في يوليو/ تموز، غير أن نقص القوة البشرية جعل الجيش السوري يعجز في تحركاته على الأرض عن مجاراة الهجوم الجوي الروسي، وفي أغسطس/ آب، اقتحم مقاتلو المعارضة خطوط القوات الحكومية في الاتجاه الجنوبي الغربي لحلب، وفتحوا ممرا ورفعوا الحصار لفترة وجيزة.
القنابل الحارقة
وخلال التفاوض مع الولايات المتحدة على شروط وقف إطلاق النار، واصلت روسيا قصف ذلك الممر جنوبي حلب، وعندما انتهت فترة توقف العمليات العسكرية التي استمرت فترة قصيرة، عادت روسيا بكل قوتها فاستخدمت القنابل المخصصة لاستهداف النقاط الحصينة والقنابل الحارقة، لاختراق الملاجئ المقامة تحت الأرض ومستشفيات المعارضة، ويقول معظم مراقبي هذه الحرب، إن المعارضة ستواصل القتال بما اكتسبته من خبرات، خصوصا أن المؤسسة السورية لم تترك لها خيارا آخر.
الحرب تستمر عام
السفير فورد، يرى أن “حلب ليست نقطة تحول.. ليس بعد.” وينتقد “فورد” الذي أصبح زميلا بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، الرئيس باراك أوباما لفشله في تسليح قوى المعارضة الرئيسية، وقال لـ”رويترز” إن حلب “تظهر أن النظام يحقق الفوز في الحرب الآن، لكن لا نهاية للحرب لأن المعارضة ستواصل القتال، وقال “حلب ستسقط، لكن ذلك قد لا يحدث سريعا.. ربما يستغرق عاما، لكنها ستسقط.”
أثر مدمر على الانتفاضة
“رولف هولمبو”، السفير الدنماركي لدى سورية حتى العام الماضي، الذي أصبح الآن باحثا بالمعهد الكندي للشؤون العالمية، يقول إن “سقوط حلب، التي ظلت طوال الحرب مركزا للمعارضة السورية، سيكون له أثر مدمر على الانتفاضة ضد الأسد”، وأضاف “سيصبح الثوار معزولين في جيوب. وسيواصل النظام مهاجمة الواحد تلو الآخر دون صعوبة.”
خسارة استراتيجية
“هولمبو”، يضيف أنه إذا سقطت حلب فستكون خسارة استراتيجية للثوار، فعندها لن يمكن التحايل على ضرورة إبرام سلام مع الأسد.. وفي الأساس سيكون قد انتصر في الحرب”، ويعتقد “هولمبو” أنه أصبح من الصعب جدا على الغرب أو تركيا الآن، إعادة تزويد الثوار في حلب بالذخائر والسلاح -حتى إذا كانت تلك رغبتهما- وأن روسيا والأسد فتحا جبهة على محورين في شرق حلب.
وقال “عندك كل ما يحدث من قصف للمدنيين والبنية التحتية، بهدف جعل الحياة مستحيلة، ثم يقصفون كل المناطق قصفا شاملا قبل تقدم (قوات) النظام بالذخائر العنقودية والقنابل الفوسفورية وقنابل النقاط الحصينة.. هذا مماثل بالضبط لما حصل في جروزني.”
موقف القوى الخارجية
ومن العوامل الحاسمة لما ستسفر عنه التطورات موقف القوى الخارجية، من مدى دعم الأطراف السورية وتفسير هذه القوى لمصالحها في صراع له عواقب ليست محلية فحسب بل إقليمية وعالمية، وفي الوقت الذي تركز فيه روسيا وإيران على إنقاذ الأسد، وتأكيد وجودهما كقوتين على المستويين العالمي والإقليمي على الترتيب، يبدو أن الولايات المتحدة في ظل أوباما، الذي سيترك منصبه في يناير/ كانون الثاني المقبل، قصرت أهدافها على المستوى الإقليمي على إخراج “تنظيم الدولة” من معاقله في العراق وسورية.